عن تقلّبات الطقس

08 مايو 2025

(محجوب بن بلة)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

أشياء كثيرة يمكن أن تُقال عن الطقس، وهي أنه متقلّبٌ هذه الأيام، ولو نزلتَ راجلاً إلى وسط المدينة (ويُقال صحنها) لشعرتَ ببرد خفيف قد يصبح قارساً في الليل، وإذ ذاك ستلجأ إلى أحد المقاهي، حيث لن تعدم صديقاً قديماً يتردّد إليه. في السياسة، لا شيء يبقى على حاله، وحلفاء الأمس ينقلب بعضُهم على بعض اليوم، ولا مقهى يجمعهم إذا قرصهم وجع الماضي القريب، إذ كانوا في السلطة أسياداً تنحني لهم الرؤوس، فأصبحوا من عامّة الشعب، بل النعجة السوداء التي لا يرغب كثيرون في الاقتراب منها.

وكان الظنّ أن طقس السياسة الخؤون هذا يميّز منطقتنا عن سواها، فإذا هو طقسٌ كوني مع وصول ترامب مجدّداً إلى الرئاسة في بلاده، ففي ولايته الأولى، أقال وزير خارجيته ريكس تيلرسون بتغريدة في "إكس"، في مارس/ آذار 2018. كان الوزير في جولة أفريقية عندما علم بالخبر، بينما كان ترامب في واشنطن العاصمة يقلّب الأمور بين مزيدٍ من التشدّد تجاه إيران وكثير من التودّد لكوريا الشمالية، وانتهى به الأمر إلى لقاء كيم جونغ أون بعد شتائمَ متبادلة، حرص الاثنان خلالها على تذكير بعضهما بعضاً بأن لدى كلٍّ منهما زرّاً نووياً إذا ضُغِط دخل العالم في حقبة الحروب النووية. والأخيرة (أقصد الحرب النووية) مستبعدة، رغم أن ديمتري ميدفيدف، المقرّب من الرئيس الروسي، لا يخرُج في الإعلام إلا ليهدّد بها غالباً، وإذا كان هذا حاله، وبلاده في حربٍ مع أوكرانيا، فماذا سيفعل لو كانت الحرب مع الولايات المتحدة؟

قبل أيّام، أقال ترامب مستشاره للأمن القومي مايك والتز، والمنصب رفيع ويفترض الاستدامة، فبإمكانك تغيير مدير وكالة فيدرالية كلّ ثلاثة أشهر، لكن من الأفضل عدم فعل ذلك بشأن أرفع منصب في الإدارة الأميركية. وعلى الأغلب، لن يكتب والتز مذكّراته، ولو فعلها فلن يشتم ترامب، لا لاعتبارات أخلاقية، بل لأن الأمر لا يستحقّ، خاصّة أن تحالف المصالح في واشنطن يسمح بالاختلاف والصراعات الجانبية، ولكنّه لا يسمح بالانشقاقات.

في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي (2024)، أصدر الزعيم الكوري الشمالي أوامر بإعدام نحو 30 مسؤولاً، فقد قُتل ما لا يقل عن 1500 مواطن جرّاء الفيضانات التي ضربت إحدى المقاطعات وشرّدت نحو 15 ألفاً من المواطنين، ما أغضب الزعيم الشابّ، فعلى المُقصِّر أن يدفع الثمن، وفي هذه يختلف كيم عن ترامب، فالأخير متنمّرٌ ليس أكثر، أي مستقوٍ بمنصبه وثروته، ولديه منصّة تواصل اجتماعي تخصّه، ومسارح يعتليها عندما يرغب، فيرقص عليها ويرقّص حاجبيه، وبينهما قد يتحدّث عن أحد أنظمة الحكم في العالم، فلا ينام مسؤولو تلك الدولة الليل وهم يقلّبون كلامه على معانيه المتعدّدة، فلا يصلون إلى راحة ولا إلى دلالة ثابتة.

أما بوتين، فرجلٌ صموتٌ بحكم ماضيه المخابراتي، ولا يشبه ترامب ولا كيم في شيء، وإنْ يتمتّع بصداقة دافئة مع كليهما، وأنت لا تعرف نقاط ضعفٍ شخصية للرئيس الروسي، فلا هو مزواج ومتقلّب عاطفياً، ولا شابّ صغير السنّ مهووس بالسيارات السريعة والنوادي الليلية، بل مجرّد رجل صموت يدير دولة شاسعة المساحة بذهنية أسلافه القياصرة. ورغم ذلك، نقاط ضعف بوتين في نمطية أفعاله، فهو يهزّ إحدى قدميه خلال جلوسه إلى ضيوفه من زعماء عالميين، محتفظاً بسخرية غامضة لا تستطيع تحديدها، وإن كنت تشعر بها طوال وقت مشاهدتك إياه في شاشة التلفزيون. وعليك، والحال هذه، أن تخاف بوتين وتخشاه.

وعندما أقال ترامب تيلرسون عام 2018، قيل إن من أسبابها غياب التوافق معه، ولا يعني هذا الكيمياء بينهما، بل المواقف من إيران وكوريا الشمالية وروسيا، فقبل إقالته كان تيلرسون منحازاً للرواية البريطانية عن قيام موسكو بتصفية عميل سابق لها في جنوب بريطانيا بالسُّمّ، لكن البيت الأبيض رفض في حينه تبنّي الرواية أو اتهام موسكو، فالحقيقة لا تعني ترامب كثيراً، بل المصالح، وهو بالمناسبة من أكثر أهل الأرض خوضاً في الأخبار الزائفة، حتى لو حدث بعضها أمام عينيه.

... من سبق ذكرهم يختلفون عن بشّار الأسد، فالجزّار الصغير يظلّ صغيراً، وحاشيته التي تبدّدت من حوله ربّما تلجأ إلى كتابة المذكّرات على سبيل التسلية وذكر مناقب الفقيد.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.