لعنة الانقلاب القضائي في إسرائيل

01 ابريل 2025
+ الخط -

أثارت خطّة الائتلاف الحكومي للإصلاح القضائي في إسرائيل، بداية العام 2023، احتجاجاتٍ متواصلةً وعصياناً مدنياً، ما عكس مجتمعاً منقسماً بشكل متزايد أيديولوجياً ودينياً. وكان هجوم السابع من أكتوبر (2023) فرصةً للإسرائيليين كي ينحّوا جانباً خلافاتهم العميقة لمواجهة "عدوّ" مشترك. وفي ظلّ وقف إطلاق نار هشّ في غزّة (19 يناير/ كانون الثاني 2025)، انتهى انحسار التوتّر مع استئناف فريق بنيامين نتنياهو الحكومي جهوده المجمّدة لتوسيع السيطرة على الأجهزة الحكومية الأخرى، بعد أن قوّضت الإخفاقات الأمنية عند "الحدود" مع قطاع غزّة الثقة في شرعية الحكومة. وفي خضمّ سعي اليمين القومي المتطرّف إلى مركزة السلطة، عاد الإسرائيليون إلى انقساماتهم الداخلية التي طرحت أسئلة وجودية حول مستقبل الدولة.
أثار نتنياهو مزيداً من الغضب الداخلي بخرقه وقف إطلاق النار مع "حماس" (18 مارس/ آذار 2025)، وممّا هو خلف هذا الغضب انطباع عام بأن العودة إلى الحرب تدعّم حكومة نتنياهو الائتلافية الهشّة، فما هي إلا ساعات من استئناف إسرائيل حربها، حتى أشاد زعيم حزب القوة اليهودية، إيتمار بن غفير، بالخطوة، وعاد بحزبه إلى الحكومة، معزّزاً أغلبية نتنياهو في البرلمان، فمهّد الطريق للتصويت لصالح ميزانية جديدة كان إقرارها ضرورياً لمنع انهيار الحكومة. وأثارت محاولات الحكومة إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وعزل المدّعية العامة (المراقبان المشرفان على التحقيقات مع نتنياهو ومساعديه)، موجة احتجاجات تصاعدت الخميس الماضي، بعد أن صوّت الكنيست بالأغلبية الساحقة لصالح إقرار قانون تعديل تشكيل لجنة اختيار القضاة، ما يمنح الحكومة سيطرة أكبر على اختيار قضاة المحكمة العليا، المؤسّسة التي يعُدّها كثير من الإسرائيليين حائط صدّ لطموحات حلفاء نتنياهو المتطرّفين، المتحصّنين وراء مظلومية مفادها أن "اليمن يُنتخَب ولا يحكم"، وأن الدولة العميقة اليسارية تمنعهم من تولي مقاليد الحكم وتنفيذ برامجهم السياسية، بينما يرى المعارضون أن اليمين ينفّذ إنقلاباً قضائياً لتغيير طبيعة الدولة جذرياً، ويجدون في محاولة كبح المحكمة العليا عملاً انتقامياً يمارسه المستوطنون. ومع أن المحكمة دعمت الاستيطان في الضفة الغربية غير مرّة، حتى أن عديداً من قضاتها يسكنون في المستوطنات، إلا أن قادة المستوطنين لا ينسون مثلاً تأييدها إخلاء ألوف من المستوطنين من قطاع غزّة (2005).
في مقابلة مع "نيويورك تايمز" (25/3/2025)، قال إيهود أولمرت إن "نتنياهو مستعدّ للتضحية بكلّ شيء من أجل بقائه، ونحن أقرب إلى حرب أهلية ممّا يتصوره الناس". خضع أولمرت للتحقيق بتهمة الفساد في أثناء رئاسته الحكومة. دين وسُجن، لكنه استقال قبل وصول القضية إلى مرحلة المحاكمة، ولم يحاول إقالة المدّعي العام الذي أشرف على التحقيق. بدل أن يستقيل في العام 2020، أصرّ نتنياهو على البقاء في الساحة السياسية يواجه محاكمة بتهمة الفساد، فانفضّ من حوله حلفاؤه السياسيون المعتدلون، واحتفظ بالسلطة تحالفاً مع القوميين المتطرّفين والمحافظين المتشدّدين، ما عجّل من الصدام بين الرؤى العلمانية والدينية في إسرائيل. مع ذلك، يؤكّد نتنياهو، مكرّراً عبارة مناحيم بيغن (إبّان أزمة السفينة ألتالينا في 22 يونيو/ حزيران 1948)، "لن تكون هناك حرب أهلية في إسرائيل"، ليذكّره معارضه بيني غانتس بأن بيغن "لم يكتفِ بالقول إنه لن تكون هناك حرب أهلية، بل فعل كلّ ما في وسعه لمنعها". هل الحلّ إذاً برحيل نتنياهو؟
قبل أيّام، فسّر جدعون ليفي، في مقال له في "هآرتس"، أزمات إسرائيل المتكرّرة بـ"الخطيئة الأصلية" (الاحتلال)، ورأى أن "الانقلاب القضائي الأول" كان استسلام النظام القضائي الإسرائيلي والمحكمة العليا في مواجهة الاحتلال ونظام الفصل العنصري، بل كان القضاء نفسه أحد مرتكزات هذا الاحتلال الإجرامي. وبرأيه، إن "شعباً قيل له سنوات أن الاستبداد مشروع تجاه شعب آخر (يُمنع من التظاهر والتفكير، والحركة والعمل، وحتى التنفس والعيش) لا يمكن أن يكون شعباً ديمقراطياً". حين حصل هذا الانقلاب القضائي الأول، لم يكن نتنياهو قد ولد بعد، ولن تزول "اللعنة" برحيله، لأن اللعنة، بحسب ليفي، "كاملة".