لماذا تعثّر الاتفاق الأمني بين سورية وإسرائيل؟
علم سوري يرفرف فوق حديقة تشرين وسط دمشق (4/6/2025 فرانس برس)
قال الرئيس السوري أحمد الشرع، في 18 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، إن "المفاوضات الجارية مع إسرائيل للتوصّل إلى اتفاق أمني قد تُفضي إلى نتائج في الأيام المقبلة". تصريح أعقبه بعد ثلاثة أيام آخر لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن الحرب التي خاضتها الدولة العبرية مع حزب الله تفسح المجال أمام تحقيق السلام مع لبنان وسورية. وفي 26 من الشهر نفسه، قال المبعوث الأميركي توم برّاك: "الخصمان منذ فترة طويلة على وشك التوصّل إلى اتفاق تهدئة توقف بموجبه إسرائيل هجماتها وتوافق سورية على عدم تحريك أيّ آليات أو معدّات ثقيلة قرب الحدود مع إسرائيل".
وفي لحظات ترقّب لتوقيع الاتفاق في نيويورك بين سورية وإسرائيل، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عاد الشرع إلى دمشق من دون حصول الاتفاق، وعادت لغة الصمت تُهيمن على الأطراف حيال الاتفاق المُرتقَب. وأفادت تسريبات إعلامية نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين بأن سبب تعثّر الاتفاق يكمن في مطالبة إسرائيل بإنشاء ممرّ "إنساني" يقودها إلى السويداء. بمعنى أن الجانبَين، السوري والإسرائيلي، قد اتفقا على كل المسائل الأخرى، ولم يتبقَّ سوى مسألة الممرّ، وهذا أمر تنفيه التصريحات الرسمية السورية.
يمكن حصر الخلافات السورية ـ الإسرائيلية في عدة نقاط رئيسية. أولاً بالنسبة إلى سورية، لا يعني مطلب إسرائيل إقامة "ممرّ إنساني" إلى السويداء حمايةً للسوريين الدروز كما تدّعي إسرائيل، فالقضية لا تتعلّق إطلاقاً بحمايتهم كما يتوهّم بعضهم، فالدروز لم يكونوا ولن يكونوا كغيرهم من العرب جزءاً من الاهتمامات الإسرائيلية، ولا من منظومة اعتبارات إسرائيل الأمنية والسياسية، بقدر ما هم أداة تستخدمها إسرائيل للتدخّل في الشأن السوري وممارسة الضغط على الحكم في دمشق. الموافقة على ممر إنساني خطوة سابقة من نوعها، وشرعنة لقوة خارجية (احتلال) باختراق سيادة الدولة، وشرعنة تدخّلها في النسيج الاجتماعي السوري، ومن ثمّ النسيج السياسي. كما أن الممر المزعوم يستلزم نشر قوات إسرائيلية أو دولية لضمان الأمن، وهو ما تعتبره دمشق انتهاكاً لسيادتها ومحاولةً لفصل السويداء وربطها بنفوذ خارجي، الأمر الذي قد يشجّع قوىً أخرى داخل سورية للمطالبة بممرّ مشابه.
تريد إسرائيل اعترافاً سورياً كاملاً بها، وهو أمر يبدو مبكّراً بالنسبة إلى دمشق، خصوصاً أن مصير الجولان المحتلّ ما زال خارج أيّ اتفاق أمني
يتعلق الخلاف الثاني بالوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية بعد الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، إذ تريد إسرائيل إبقاء نقاط عسكرية في سورية، خصوصاً في جبل الشيخ. ولا تُعرف بعد طبيعة الوجود الذي تريده إسرائيل، وما إذا كان محصوراً في نطاق زمني ضيّق أم مفتوح، ولا يُعرف أيضاً حجم القوات الإسرائيلية التي ستكون في هذه النقاط، والأهم سقف تحرّكاتها. وتريد إسرائيل (ثالثاً) منطقةً عسكريةً آمنةً تمتدّ من حدود الجولان وحتى دمشق، أو قبلها بعدة كيلومترات، وهذا يعني بلغة السيادة أن القوى العسكرية السورية غير قادرة على التحرّك في هذه المنطقة، الأمر الذي يعني أنها منطقة خارج سيطرة الحكومة السورية، وبالتالي، لا قدرة لدمشق على القيام بأيّ عمل ضدّ إسرائيل، إذا ما قرّرت الأخيرة، لأيّ سبب، التوغّل مجدّداً في الأراضي السورية. فضلا عن ذلك، ستشمل منطقة عسكرية آمنة بهذا الحجم محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء مجتمعة، ما قد يشجّع تيار حكمت الهجري، على سبيل المثال، على المضي في مشروعه الانفصالي.
أمّا رابعاً، فتريد إسرائيل التحرّك بحرية تامة في الأجواء السورية، ليس من أجل التصدّي لأيّ تهديد لها من داخل الأراضي السورية، بل أيضاً لتحويل الأجواء السورية ممرّاً يقودها لضرب أيّ جهة إقليمية، وقد هدّد نتنياهو خلال كلمته في الأمم المتحدة باستهداف مليشيات داخل الأراضي العراقية. وأكّد الشرع في 18 سبتمبر أن أيّ اتفاق مع إسرائيل يجب أن يحترم الأجواء السورية، ووحدة البلاد، وأن يكون خاضعاً لرقابة الأمم المتحدة.
تريد إسرائيل التحرك بحرية في الأجواء السورية لتحويلها ممرّاً لضرب أي جهة إقليمية
تشير النقاط الأربع السابقة إلى إصرار إسرائيل على تشكيل اتّفاق أمني جديد بناءً على المعطيات العسكرية الجديدة، في حين يصرّ الشرع على تطوير اتفاق فكّ الاشتباك لعام 1974. أما خامساً، فتريد إسرائيل اعترافاً سورياً كاملاً بها، وهو أمر يبدو مبكّراً بالنسبة إلى دمشق، خصوصاً أن مصير الجولان المحتلّ ما زال خارج أيّ اتفاق أمني. وبالتالي، مسألة التطبيع من وجهة نظر دمشق مرتبطة حصراً بمصير الجولان، فخلال جلسة حوارية نظمها معهد الشرق الأوسط في نيويورك، في 23 سبتمبر، استبعد الشرع أي تطبيع سوري مع إسرائيل في الوقت الراهن، وفي 28 من الشهر نفسه، كرّر وزير الخارجية أسعد الشيباني الموقف السوري، حين قال إن مسألة التطبيع مع إسرائيل صعبة. هل هي مصادفة أن يتزامن هذا التعثّر مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلّقة بالوضع في سورية عاماً إضافياً؟ ذلك أن تمديد حالة الطوارئ الأميركية تجاه سورية تعني استمراراً لتفعيل أداة قانونية تمنح واشنطن صلاحيات استثنائية في فرض العقوبات على سورية. من الصعب تقديم إجابة بسيطة حيال التوقيت، خصوصاً أن قرار تمديد حالة الطوارئ مرتبط باعتباراتٍ محلّية أميركية (الكونغرس)، وأمنية خارجية مرتبطة بسورية، لكن الأكيد أيضاً أن تمديد حالة الطوارئ هو في جزءٍ منه أداة من أدوات الضغط على دمشق، في وقتٍ يبدو فيه ترامب مستعجلاً لإبرام اتفاق أمني بين سورية وإسرائيل يمهّد الطريق لاتفاق سلام تاريخي بين الجانبَين، يُحسب له، ويرشّحه للفوز بجائزة نوبل للسلام.
في ضوء هذه الاعتبارات، وفي ضوء السطوة الإسرائيلية واستغلالها وضعية سورية اليوم، وفي ضوء الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل، لا يمكن التكهّن بطبيعة الاتفاق المرتقب، كما لا يمكن استبعاد فرضية أن يتم الاتفاق بين الجانبَين من دون إعلانه رسمياً، خصوصاً من الجانب السوري، إذا ما حمل الاتفاق في طياته بنوداً تتعارض مع الخطّ الشعبي العام، لما تمثّله من إجحاف بحقّ سورية.
من الواضح أن إعلان الشرع قرب توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل خلال أيام جعل إسرائيل تطمع فيه أكثر، وتشعر بأنه مستعجل جدّاً لإبرام اتفاق معها، فرفعت من سقف مطالبها، لكن حسناً فعل الشرع حين توقّف عن الحديث عن الاتفاق، ورفض تقديم تنازلات خطيرة، على الأقلّ حتى هذه اللحظة.