ما ننتظره من قمّة بغداد؟

14 مايو 2025
+ الخط -

لن يكون ثمّة جديد في حصيلة القمّة العربية في بغداد التي تنعقد السبت المقبل، وقطعاً لن يجد المواطن العربي في بيانها، المعروف سلفاً، ما يريح أعصابه، أو ما يستجيب لتطلعاته وآماله، ولا تبشر الحال العربية المأزومة بخير، وأبسط تجلياتها أن غزّة "تحولت الى مقبرة لآلاف الأطفال، فيما المزيد سيموتون من القصف أو الجوع"، وفق ما أفادنا به المتحدّث باسم منظمّة الأمم المتحدة للطفولة، جوناثان كريكس. وبالطبع، هؤلاء الأطفال، من أسلموا أرواحهم لله، أو بقوا عالقين على لائحة الانتظار، ليسوا مسجّلين على أجندة "القمة"، ولن يكون في وسع آبائهم وأمهاتهم الذين يعانون من وطأة حرب الإبادة الهمجية التي تشنها إسرائيل عليهم الإنصات إلى بيان على الشاشات لا يغيث جوعاهم، ولا يداوي جراحهم.

وبحساب عملي بسيط لتكاليف القمّة، بما فيها استضافة الملوك والرؤساء ونفقات الحماية الأمنية التي خصّصت لها حكومة بغداد 260 مليار دينار (180 مليون دولار)، نكتشف أن تكلفة الساعة الواحدة ستكون بحدود 18 مليون دولار، حيث لن تستغرق القمة أكثر من عشر ساعات، وقد كان الأجدى أن تتحوّل هذه الملايين إلى أرغفة خبز وأدوية لأطفال غزّة، وكفى الله المؤمنين القتال.

لكننا نعرف أن رجال القمة ليس عندهم فائض من الزمن كي يصرفوه على أمور لا تخطر في رؤوسهم، ولا مزيد من الهمّة كي ينهضوا بمهمّات كالتي نريدها منهم بعدما تكسّرت النصال على النصال، وصعبت الحلول، وربما استحالت. ونظرة واحدة على خريطة العالم العربي تكفي لتعرّفنا إلى مآلات ما كنا نريد لها أن تطوقنا، وأن تنال من عروبتنا المنكسرة، ونحن نقيم على حالٍ لا تسرّ قريباً ولا غريباً. فبين العراق والكويت جرحٌ غائر يدعونه "خور عبد الله"، ولغط عن عملية بيع أبطالها سياسيون كبار، وبين العراق وسورية معضلة حضور الرئيس أحمد الشرع القمّة، حكومة بغداد تريد، لكن وكلاء إيران لا يريدون. وبين العراق والجزائر حكاية قديمة استعيدت، إذ طلب ناشطون جزائريون من رئيسهم عبد المجيد تبّون تجنّب الذهاب إلى بغداد على خلفية إصابة الرئيس الراحل هواري بومدين بمرض غامض في أثناء زيارة له إلى هناك في سبعينيات القرن الماضي، وبعده سقوط طائرة وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى الذي ذهب في مسعى وساطة بين العراق وإيران، وفي حينه اتهمت حكومة العراق بالوقوف وراء الواقعتين. وأيضاً ثمة اشتباك إعلامي بين الإمارات والسودان، إثر اتهام حكومة الخرطوم مثيلتها في أبوظبي بمناصرة قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية القائمة هناك، ووصلت الشكوى إلى محكمة العدل الدولية من قبيل نشر غسيلنا أمام العالم. وكذا بين الإمارات والجزائر توتّر متصاعد، وهناك الكثير أيضاً غير هذا وذاك، ما يجعلنا نترحم على أيام كان فيها حكّامنا إذا ما اختلفوا يخجلون من إعلان خلافاتهم على الملأ، ويسوّونها عبر قبلة أو عناق!

عقدة العراق التي أحكم شدّها الأميركيون والإيرانيون لا تحلها هذه القمّة، ولا أية قمة مقبلة

ومن سوء حظ بغداد أن تعقد قمّة يحضرها الرئيس ترامب وقادة الخليج في الرياض قبل انعقاد قمّة بغداد بيومين. وبالطبع، ستخطف قمّة كهذه الأضواء من بغداد، وتتصدّر الأخبار العاجلة وتعليقات المحللين.

ووسط كل هذه التداعيات، يبدو رئيس حكومة العراق، محمد شياع السوداني، الذي تصبّ كل انشغالاته في التحضير لولاية ثانية، يبدو أكثر الناس تفاؤلاً في أن تحقّق القمّة ما عجز عنه الأولون والآخرون، وهو يتطلّع الى "تجاوز الخلافات، والانطلاق نحو بناء منظومة تعاون عربي فعّالة وشاملة"، وربما فكّر أن هذه "المنظومة" إذا ما قدّر لها أن تخرج إلى النور ستعينه على الوصول إلى ولاية ثانية على طريقٍ مكسوٍّ بالحرير، لكن وقائع ما هو منظور لا يمكن أن تُفضي الى تحقيق أمنيات ورغبات عائمة، وهو نفسُه سيد العارفين أن الوضع في العراق اليوم يشبه عقدة غورديان التي تقول الأسطورة اليونانية إن غورديوس ملك فرنجيا أحكم شدّها، وإن من يستطيع فكّها سيكون سيد العالم المقبل، حتى جاء الإسكندر المقدوني الكبير، وقطعها بسيفه.

وعقدة العراق التي أحكم شدّها الأميركيون والإيرانيون لا تحلها هذه القمّة، ولا أية قمة مقبلة، وليس أمام العراقيين سوى انتظار "إسكندر مقدوني كبير" آخر كي يقطعها بسيفه، ورجلٌ كهذا قد يجيء، وقد لا يجيء.

وبالمختصر المفيد، من غير المنتظر أن تحل قمّة بغداد ما عجز عن حله الأولون والآخرون، وحسبنا الله.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"