مع من يقف "فلان الفلاني"؟

(محمد عبلة)
"فلان الفلاني" (عنوان قصيدة للشاعر مصطفى إبراهيم، 2013) هو التعبير الأكثر تكثيفاً عن حالة مواطن يناير (2011) في مصر.. "فلان الفلاني اللي كان يومها جنبي ساعة لما بدأوا في ضرب الرصاص"، والفارق بين "فلان الفلاني" وغيره هو "الوعي" الذي دفعه إلى المخاطرة بحياته من أجل حياة عادلة لآخرين، وتكلّف النظام الحالي ملايين الدولارات لسلبه، وإقناع صاحبه (بكل الوسائل) بأنه انهزم، وبأن هزيمته نهاية التاريخ.
سقط من سقط، وصمد آخرون، وبينما كان السقوط مدوّياً، كان الصمود هشّاً ومتآكلاً، نفسياً وسياسياً، وتمكّن النظام من تحويل أصحابه من المقاومة إلى التعاون اللا إرادي، بالمزايدة على وطنيتهم، وتحميلهم مسؤولية سجن رفاقهم، وتعذيبهم نفسياً على مواقع التواصل الاجتماعي.
خذ مثلاً "قطر غيت" وملحقاتها؛ خبر عن دفع قطر رشوةً لاثنين من مساعدي نتنياهو لتشويه دور مصر في حرب غزّة؛ وآخر عن مشاركة قطر في مناورة جوّية مع 11 دولة، منها إسرائيل. واجهت كتائب النظام معضلة اعتماد الرواية الإسرائيلية، وقد سبقت لها إدانة اعتماد معارضين روايات إسرائيلية أكثر تماسكاً، كما واجهت معضلة أكبر مع خبر المناورة الجوية، لأن استفادة إسرائيل (حسب المصدر نفسه) تركّزت في الهجمات "بعيدة المدى"، أي خارج نطاق غزّة ودول الطوق، ولكن إدانة مشاركة قطر هنا لا تخدم سردية تبرئة النظام المصري، خاصّة أنه شارك في مناورات مشابهة.
اعتمدت لجان النظام المصري الرواية الإسرائيلية كما هي، وأضافت إلى خبر المناورة عبارة "لتدريب إسرائيل على ضرب غزّة". كان من المفترض أن يطرح فريق "فلان الفلاني" الأسئلة "النقدية"، التي تتناسب مع انحيازاته وموقعه من الصراع، لكن المفاجأة أنه شارك فريق اللجان الإلكترونية في اعتماد الرواية الإسرائيلية من دون مساءلة، كما اعتمد رواية المناورة بالزيادات الوطنية "الحراقة"، وهو ما منح لجان النظام المصري فرصةَ التوسّع في غسل مواقفه السابقة، حتى باتت خطاياه كلّها من صنع "المؤامرة القطرية"، ابتداء من تصريح عبد الفتاح السيسي: "خذوهم إلى صحراء النقب إلى أن تقضوا على المقاومة الإسلامية"، مروراً بإغلاق المعابر وفتحها بالتنسيق مع العدو، ووفق التعريفة العِرجانية (خمسة آلاف دولار للفرد)، وصولاً إلى القبض على المتظاهرين المصريين المطالبين بوقف الإبادة، وشحن التيوس المستعارة إلى معبر رفح، مدجّجين بالطبول والزمامير لزوم "الثغاء": لا لا للتهجير.
أَقَرّ "فلان الفلاني" رواية قاتليه، مستجدياً اعترافاً بوطنيته من أبواق النظام، وهو ما حدث في وقائع سابقة، أقربها واقعة السفينة المشبوهة (كاثرين أواخر 2024)، السفينة التي استهدفت نقل شحنة من المتفجرات (150 طنّاً) إلى شركة دفاع إسرائيلية، ورفضت عدّة موانئ دولية استقبالها، خوفاً من استخدام هذه المتفجّرات في غزّة، لكنّها رست في ميناء الإسكندرية يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول، وأفرغت حمولتها، وتكتم النظام المصري عنها، إلى أن نشر عنها موقع صحيح مصر، فاشتعلت الدنيا، وتقدّم نشطاءٌ وحقوقيون ببلاغ إلى النائب العام ضدّ رئيس الوزراء المصري، ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية والمدير التنفيذي لشركة إيمكو، التي تولّت استقبال السفينة وتفريغ حمولتها، وطالب النشطاء بالتحقيق في الواقعة ومصادرة الشحنة، كما دعت حركة المقاطعة (BDS) السلطات المصرية إلى توضيح أسباب السماح للسفينة بالرسوّ في ميناء الإسكندرية وتفريغ حمولتها.
ماذا فعل فريق "فلان الفلاني"؟... انقسم بين فريقين، الأول شارك في إثارة القضية، والآخر زايد على الأول، وطالب النظام المصري بالنفي، بأيّ صيغة، مع وعد بالتصديق من دون مساءلة، لأن مشاعرنا "الوطنية" لا تحتمل مجرّد التفكير في تورّط نظامنا في الخيانة. وهو ما حدث بالفعل، نفي باهت من النظام، ومتابعة من "صحيح مصر" تفيد برسو السفينة في ألبانيا قبل الإسكندرية، الأمر الذي لا ينفي تهمة تفريغ حمولة المتفجرات في ميناء الإسكندرية، خاصّة مع تكتّم السلطات المصرية عن خبر السفينة. ومع ذلك علّقت فرقة "فلان الفلاني" المسرحية أفرعَ النور على أسقف حساباتها الافتراضية، احتفالاً بـ"براءة" لم تثبت. والسؤال: كيف تحوّل "فلاني الفلاني" إلى ظهير لـ"ابن الفلاني اللي كلّ لحمه حاف"؟