ألمانيا... جدار آخر ينهار

21 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 04:06 (توقيت القدس)
من الحملات الانتخابية في ضواحي هامبورغ، 19 فبراير 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد الساحة السياسية الألمانية تناقضات حادة بين نشوة أنصار اليمين المتطرف في حزب البديل لأجل ألمانيا وتفاؤل أنصار اليسار في حزب دي لينكه، مع ارتفاع حظوظ الأخير في الاستطلاعات إلى 9%.

- تتزايد المخاوف من صعود اليمين المتطرف، خاصة مع تفضيل إدارة ترامب ومستشاره ماسك التعامل مع معسكر التطرف القومي الأوروبي، مما يضع برلين أمام تحديات سياسية جديدة.

- قد تشهد ألمانيا تحولاً سياسياً كبيراً إذا دخل حزب البديل إلى البرلمان، مما يهدد "جدار الحماية" الذي منع عودة اليمين المتطرف منذ نهاية الحقبة النازية.

يلمس المتجول بين الحملات الانتخابية الألمانية حالتين متناقضتين. أنصار اليمين المتطرف في حزب البديل لأجل ألمانيا يمرون بنشوة سياسية "غير مؤقتة"، كما يقولون. في المقابل، يمكن ملاحظة التفاؤل عند أنصار اليسار، في حزب دي لينكه، خاصة بسبب التدفق إلى عضويته، ولارتفاع حظوظهم في الاستطلاعات إلى نحو 9 في المائة.

فالبرد القارس في ألمانيا لم يقلل من سخونة ومراهنات الأجواء السياسية-الانتخابية على ما سيكون عليه مساء الأحد المقبل البرلمان الاتحادي، البوندستاغ. فإذا ثبتت استطلاعات الرأي، فسيكون نحو 84 مليون مواطن أمام نقلة انتخابية تنقل اليمين المتطرف من الهامش إلى الخريطة السياسية. صحيح أن الـ20% المتوقعة له لن تمكّنه من اختراق قلعة الحكم فوراً، لكنها نسبة تؤثر في تلك الخريطة.

وفي وقت عصيب كالذي تمر به العلاقات الأميركية-الأوروبية، وألمانيا في قلبها، يتزايد القلق مع استمرار الصعود الشعبي-الشعبوي لـ"البديل"، ربطاً بتفضيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره إيلون ماسك العمل مع معسكر التطرف القومي الأوروبي. تشبيه "البديل" بالنازية من قبل جيل شاب معادٍ للفاشية، وبعضهم يلتحق باليسار، مع تزايد الاستقطاب بين يمين ويسار، لم يؤثر في حماسة قادته وتفاؤلهم بشأن اضطرار الطبقة السياسية في برلين إلى التعامل مع حزبهم، كما حصل مع شقيقهم المفضل في التطرف القومي النمساوي. فحزب الحرية في فيينا مُنح الشهر الماضي فرصة تشكيل حكومة جديدة، بعد سنوات من التهميش. أضف إلى ذلك، أن تيار التطرف القومي الأوروبي أظهر امتلاكه نفَساً طويلاً، من إيطاليا جنوباً إلى فنلندا شمالاً، لمراكمة شعبيته، وأحياناً بانتهازية شعبوية تستفيد من كل عملية طعن ودهس يُتهم فيها لاجئ. فالمعسكر المتطرف ينجح حيث ينتشر التخويف على أساس خطاب "هم" و"نحن"، فيصبح تطبيع تطرّفه مسألة وقت، حتى بين الطبقات الاجتماعية الأقل ثراء.

يمكن ببساطة القول إنه تبعاً لما ستفرزه صناديق الأحد المقبل، فستكون برلين على موعد مع انهيار جدار آخر. فمنذ نهاية الحقبة النازية (1945) جرى تشييد "جدار الحماية" (Brandmauer) لمنع عودة اليمين المتطرف إلى الحكم. ويُعد ذلك بمثابة كتابة تاريخ إذا دخل "البديل" إلى دفء السياسة. كذلك ليس أمام مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز إلى المستشارية سوى ابتلاع جمل ممانعته الائتلاف مع "الخضر"، فيضطر إلى ائتلاف "كينيا" (نسبة لألوان الأحزاب، أسود وأخضر وأحمر) معه ومع "الاجتماعي الديمقراطي"، الضعيف، وربما بدون المستشار أولاف شولتز، حيث ستشحذ سكاكين تحميله مسؤولية خسارة يسار الوسط بعد أقل من 4 سنوات على انتخابات 2021.

ولأنه ليس ثمة ضمانة لاستمرار الائتلاف، وهنا يكمن "البديل" لاقتناص فرصته، كما فعل غيره في القارة العجوز، فربما تصبح برلين على موعد مع بداية تشكل أزمة حكم، وإن ليس بذات القدر الذي عاشته روما طيلة العقود السبعة الأخيرة. ولعلها تشكل فرصة لزعيمة "البديل لأجل ألمانيا" أليس فايدل لتعبيد طريق تسويق حزبها كيمين قومي "مُعقلن"، كما فعلت الإيطالية جورجيا ميلوني في روما مع "إخوة إيطاليا"، المتهم بأنه آتٍ من صفوف الفاشية.

المساهمون