استمع إلى الملخص
- يواصل الفلسطينيون في الداخل والشتات النضال ضد الاحتلال، رغم إلغاء اتفاق أوسلو وتخطيط الاحتلال لتكريس الاستيطان وتفتيت الأراضي الفلسطينية.
- يدرك الفلسطينيون أن الحلول الوهمية مثل "حل الدولتين" لن تحقق حقوقهم، مما يتطلب الوحدة لمواجهة المشاريع التي تهدف إلى تهميش قضيتهم.
خلال أكثر من ثلاثين عاماً، ولِد جيل فلسطيني على وقع اعتقاد البعض بأن التمسك باتفاق أوسلو (الموقع عام 1993) سيجلي الاحتلال الإسرائيلي ويحقق بعض الحقوق في دولة مستقلة. وثمة جيل في داخل الوطن المحتل وفي الشتات كبر وهو يعايش حروب الاحتلال الإسرائيلي الدامية على الضفة الغربية (منذ عام 2000) وقطاع غزة وتهويد القدس. ويعايش الانفلات الإرهابي الاستيطاني، المتضخم بمئات آلاف من المستوطنين الجدد برعاية المؤسسة الرسمية الصهيونية، دونما اعتبار لتقسيمات "أوسلو" للأرض بين "أ" و"ب" و"ج" (تقسيم أراضي السلطة الفلسطينية).
وكما فهم أولاد تغريبة النكبة في 1948 و"النكسة" في 1967 طبيعة وجرائم الحركة الصهيونية، فإن جيل ما بعد "أوسلو" ليس أقل وعياً بأهدافها لإنهاء وجود قضية شعبه. وأبناء قطاع غزة ومخيماتها التي تضم مئات آلاف لاجئي النكبة هم جزء من هذا الوعي، وخصوصاً بعد حصارهم وقصفهم طيلة 17 سنة. عموماً يراقب السياسي الفلسطيني ويناشد منذ سنوات وقف استباحة القدس والأقصى، حتى وصل إلى حد استخدام التطرف الديني- الصهيوني الذكاء الاصطناعي للتعريف علنية بالهدف البعيد (تفجير الأقصى وبناء كنيس مكانه). هؤلاء جميعهم هم أولاد فلسطين. أولاد قضية كرامة وتحرر وطني. ليسوا مرتزقة هبطوا من السماء، بل أصحاب الأرض الأصليين، أرض أجدادهم التاريخية. وعيهم بقضيتهم لم يتشكل مع السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل يسيرون كما باقي الشعوب نحو مقاومة الاحتلال لتحقيق الحرية والعدالة. هم يضحون بأرواحهم لتحقيق شيء مما لم تحققه أكاذيب "المسيرة السلمية" طيلة عقود هراء خطاب "حل الدولتين".
أولاد فلسطين ساروا على ما سار عليه الآباء منذ 60 سنة، سواء في "العاصفة شعلة الكفاح المسلح" (جناح حركة فتح العسكري) أو الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، أو باقي الفصائل والتنظيمات، قبل أن تلد ظروف القهر الاحتلالي تنظيمات مقاومة إسلامية التوجه. هم جميعاً يقول لهم المحتل: إما أهجركم أو أبيدكم. ولم يقدم لهم فصل "أوسلو المقدس"، منذ اغتيال رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق رابين في 1995، سوى فصول دامية على مدار ثلاثين عاماً. واليوم يتفاخر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بشطبه "أوسلو". بل يتوعد بترانفسير وحل يقوم على "دولة للمستوطنين في يهودا والسامرة (التسمية الإسرائيلية للضفة)" وسكان كانتونات فلسطينية غير متصلة، لمن يبقى، تحت إشراف سلطة تعنى بشؤونهم الحياتية، حتى لو سميت "إمبراطورية فلسطين".
إذاً، ليس غريباً إصرار بعض الواهمين بإمكانية قبول الاحتلال، دون مقاومته وتدفيعه ثمن احتلاله، بحقوق الفلسطينيين، ولو بتسويق كذبة كنّا "على أعتاب تجسيد الدولة المستقلة"، لولا السابع من أكتوبر. وليس بعيداً عن ذلك وغيره ركزت الصهيونية جهودها في العقود الأخيرة على محاولة خلق "الفلسطيني الجديد" المطواع باسم "الواقعية" و"الاعتدال". وبالطبع ليس لإيجاد "قيادة أكثر اعتدالاً"، مثلما هدف باغتياله ياسر عرفات (أبو عمار)، بل لاستدعاء تدريجي ليأس وإحباط فلسطيني جمعي، تحت طائلة استمرار الإبادة الجماعية وبث الصدمات والترويع، وذلك للقبول بالمنظور التوراتي لهم ولأرضهم. ويتبرع للأسف البعض "العربي" بانتحال الدين لتوكيد ذلك المنظور السقيم.
في كل الأحوال، أولاد فلسطين يعرفون مقاصد دفع البعض بسردية تحميل الضحية مسؤولية جرائم الحرب، ظناً أن ذلك سيكسبهم شيئاً من الحل الوهمي المسمى "حل الدولتين"، بعد نيلهم رضا الغرب وتل أبيب. الفلسطيني البسيط يعرف أن ما يتعارك عليه أصحاب القرار هو طواحين هواء نصبها الاحتلال لتحقيق المزيد من الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني. والمخجل هنا هو تضييع جهود مواجهة المشاريع الخطيرة بجعل الاحتلال مالك لـ"الفيتو" على بديهية الوحدة الوطنية الفلسطينية، إلى حد تحويل الصراع إلى صراع فلسطيني-فلسطيني، على أوهام لا قعر لها.