الحرب الروسية على أوكرانيا… التصعيد يسابق عودة ترامب للحكم

30 نوفمبر 2024
دمار جراء استهداف روسي لأوديسا، 25 نوفمبر 2024 (رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصعيد الحرب الروسية الأوكرانية: تشهد الحرب تصعيدًا خطيرًا مع استخدام أسلحة بعيدة المدى من قبل أوكرانيا بدعم غربي، ورد روسيا بصواريخ باليستية، مما يثير مخاوف من مواجهة دولية أوسع.

- التغيرات السياسية وتأثيرها: فوز ترامب المحتمل يثير قلقًا من صفقة محتملة مع بوتين على حساب أوكرانيا، بينما تسعى إدارة بايدن لدعم أوكرانيا عسكريًا، مما يعقد الوضع الاستراتيجي.

- التنسيق الأوروبي لدعم أوكرانيا: تتعاون فرنسا وبريطانيا لدعم أوكرانيا عسكريًا ودبلوماسيًا، بهدف استعادة الأراضي المحتلة ومنع التدخل الروسي، وسط مخاوف من تأثيرات سياسية أمريكية محتملة.

تدخل الحرب الروسية على أوكرانيا مرحلة جديدة، من أهم ميزاتها أنها تكسر جليد الرتابة التي هيمنت عليها قرابة عام، حيث استمرت عمليات الكر والفر، من دون أن يحرز أحد الطرفين تقدماً ميدانياً مهماً، يؤدي إلى هزيمة الطرف الآخر، ويجبره على الاعتراف بها، وتقبل شروطها، التي توقف إطلاق النار. لكن التصعيد الذي استجد في الآونة الأخيرة رفع من منسوب القلق الدولي من تحوّل النزاع إلى مواجهة أوسع نطاقاً، تجعل من أوكرانيا ساحة مفتوحة لحرب تتوسع تدريجياً، حتى تضم أطرافاً مختلفة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وهو ما يفسر التحركات والتحذيرات من تداعيات كارثية على الأمن العالمي.

وعد ترامب بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا

ويشكل فوز دونالد ترامب بالسباق الرئاسي في الولايات المتحدة المحفز للتطور الجديد، سواء من خلال تصريحه الشهير بإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا خلال أقل من 24 ساعة، أو بسبب المخاوف التي تعصف بالمعسكر الأوكراني وحلفائه من الأوروبيين، من احتمال عقد صفقة على حساب أوكرانيا، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب بعد دخوله البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.

يسود الاعتقاد بأن الزمن الباقي حتى تسلم ترامب مهامه رسمياً هو أقل من شهرين، لا يكفي لتغيير اتجاه الحرب الروسية على أوكرانيا أو رسم استراتيجية جديدة. قد يسمح هذا الوقت لأحد الطرفين بتحقيق بعض المكاسب الميدانية، أو توجيه ضربات ذات مفعول كبير، ولكن ذلك يبقى جزئياً، وليس له تأثير كبير على مجريات التسوية النهائية، التي تفيد بعض التسريبات الإعلامية أنها ستقوم على تثبيت حدود ما قبل 24 فبراير/شباط 2022. وهذا يعني أن روسيا سوف تحتفظ بالأراضي التي استولت عليها ما بين 2014 و2022 بما فيها جزيرة القرم، وتنسحب من الأراضي التي احتلتها بعد ذلك، مقابل انسحاب أوكرانيا من الأراضي الروسية التي توغلت فيها في مقاطعة كورسك في أغسطس/آب الماضي، والبالغة مساحتها ألف كيلومتر مربع.

تنسق فرنسا وبريطانيا من أجل مساندة أوكرانيا عسكرياً ودبلوماسياً

حتى يصل الموقف إلى هذه النقطة، هناك مرحلة من عض الأصابع بين روسيا من جهة، وأوكرانيا وحلفائها من الأوروبيين والإدارة الأميركية الحالية من جهة أخرى. وهذا هو السبب الكامن وراء التصعيد الميداني الراهن، الذي يتسم بدخول أسلحة جديدة إلى الميدان، حيث سمحت الولايات المتحدة وبريطانيا لأوكرانيا، باستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية. واستخدمت أوكرانيا الأسبوع الماضي صواريخ "أتاكمس" الأميركية التي يبلغ مداها 300 كيلومتر، وذلك للمرة الأولى ضد منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الروسية، بعد حصولها على إذن من واشنطن. كما أكدت موسكو أن أنظمة الدفاع الجوي لديها أسقطت صاروخين من طراز "ستورم شادو" بريطاني الصنع، وستة صواريخ أميركية من طراز "هيمارس". وردت روسيا على ذلك باستخدام صواريخ باليستية من العيار الثقيل فرط صوتية متوسطة المدى من طراز "أوريشنيك". وقال سلاح الجو الأوكراني، في بيان أخيراً، إن القوات الروسية استخدمت الصواريخ في هجوم على مدينة دنيبرو (وسط البلاد)، واستهدف منشآت حيوية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقد هدد بوتين الغربيين صراحة بأن رد روسيا سوف يكون نووياً، وأعلن أن موسكو عدلت عقيدتها النووية، لتشمل استهداف الأراضي الروسية بصواريخ تقليدية من قبل دولة مدعومة من دولة نووية كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وهذا يعني أن موسكو سترد نووياً على أي سلاح تقليدي من قبل إحدى هذه الدول قادم من أوكرانيا، لأن روسيا سوف تفسر أي هجوم من هذا القبيل على أنه مشترك، وسترد عليه نووياً.

تنسيق بريطاني فرنسي لمساعدة أوكرانيا

يبدو أن الأوروبيين أخذوا تهديدات بوتين على محمل الجد، وهذا ما يفسر التحرك البريطاني الفرنسي الذي بدأ التنسيق من أجل مساندة أوكرانيا عسكرياً ودبلوماسياً. وتضع الأوساط الدبلوماسية الفرنسية في هذا الإطار الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى باريس في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي التي اعتبرها البلدان تاريخية، ذلك أن مشاركة ستارمر في احتفالات الهدنة (لوقف الحرب العالمية الأولى) هي الأولى لرئيس وزراء بريطاني منذ ونستون تشرشل عام 1944، وكذلك الأمر بالنسبة إلى زيارة وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو إلى لندن في الـ21 من الشهر الماضي، وهي الأولى لوزير فرنسي إلى لندن منذ استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

ويحمل التنسيق الفرنسي البريطاني إحساساً بضرورة تنسيق المواقف لمواجهة التداعيات والتطورات القادمة على قارة أوروبا، وخاصة بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو أمر لا ينظر إليه البلدان بارتياح. وكشفت صحيفة الغارديان، أخيراً، أن المسؤولين في البلدين يعكفون على دراسة تأثيرات فوز ترامب على المراجعة الاستراتيجية للدفاع الأوروبي. ومن بين أبرز نقاط اتفاق الطرفين رفض دفع كييف إلى الاستسلام من جراء استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا ومساندتها من أجل انتزاع اتفاق سلام عادل، يحفظ حقها في استعادة أراضيها التي احتلتها موسكو بما فيها جزيرة القرم، وضمان عدم التدخل الروسي في شؤونها الداخلية، وإملاء شروط سياسية قاسية تتعلق بتوجهاتها وخياراتها المستقبلية، وخاصة الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، والحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهذان الشرطان من بين أهم ما يسعى بوتين إلى انتزاعه كتعهد مكتوب من أوكرانيا، وبضمانة أميركية أوروبية. وأكد وزيرا خارجية البلدين، في مقال مشترك نشر بصحيفة لوفيغارو الفرنسية، أخيراً، التزام بلادهما بمنع بوتين من "إعادة كتابة مبادئ العلاقات الدولية"، وتحقيق أهدافه في أوكرانيا. وشددا على أن بريطانيا وفرنسا، بالتعاون مع الحلفاء، ستبذلان كل الجهود الممكنة لدعم أوكرانيا في الحصول على سلام عادل ودائم.

أحد المؤشرات المهمة على خلط الأوراق في الفترة الفاصلة قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، يتمثل ببعض المواقف المفاجئة التي اتخذها الرئيس الأميركي جو بايدن لدعم أوكرانيا، وخاصة تلك التي عارضها منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا وتشمل السماح لكييف باستخدام "أتاكمس" الأميركية، وهي صواريخ أرض-أرض موجهة بدقة وبعيدة المدى، وتعد فعالة جداً في تدمير المنشآت المدنية والعسكرية ومنظومات الاتصال ومعدات الإطلاق. ويبلغ مدى الصواريخ الأميركية الأقصى حوالي 300 كيلومتر، وهي فائقة السرعة، بنحو 5 آلاف كيلومتر في الساعة. وحسب معلومات غربية جرى تداولها في وسائل بعض وسائل الإعلام، فإن ما يصل إلى 14 مطاراً روسياً وموقع إطلاق باتت تقع الآن ضمن نطاق هذه الأنظمة الجديدة، فضلاً عن مفاصل رئيسية في خطوط الإمداد الروسية، بما في ذلك مناطق تمركز المعدات والقوات والطرق. وقد نشر معهد دراسة الحرب في أميركا، أخيراً، خريطة تضم 225 منشأة عسكرية روسية ضمن نطاق "أتاكمس"، وتقع مقاطعة كورسك الروسية بالكامل ضمن هذا النطاق.

استقدام روسيا 11 ألف جندي كوري شمالي لمساندتها على جبهات القتال يزيد الموقف تعقيداً

من بين أهم الآثار المترتبة على هذا التطور مباشرة أنه يجرد روسيا من عدد من أوراق القوة كونه جاء في الوقت الذي كانت تستعد فيه موسكو لشن هجوم صاروخي واسع على منشآت الطاقة في أوكرانيا في بداية الشتاء، وبدء القوات الروسية عملية واسعة لاستعادة كورسك قبل الدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار.

ولفت الانتباه أن إدارة الرئيس الأميركي الحالي كانت حريصة جداً على تزويد أوكرانيا بحزمة المساعدات التي تم إقرارها خلال العام الحالي. واعتبر مراقبون على صلة قريبة من الإدارة، أنها تتصرف كما لو أنها تعمل على خلق واقع استراتيجي وميداني جديد في الحرب الروسية على أوكرانيا يجعل كييف في موقف تفاوضي أفضل إذا بدأت المفاوضات في عهد ترامب. لكن ما هو غير واضح هو تعمد استفزاز بوتين لاتخاذ مواقف أكثر صلابة ضد أوكرانيا وحلفائها، ما يعقد فرص ترامب لتبرير وقف الدعم لأوكرانيا.

هناك مسألة أخرى تزيد الموقف تعقيداً في الحرب الروسية على أوكرانيا وهي استقدام موسكو 11 ألف جندي كوري شمالي من أجل مساندتها على جبهات القتال. وأفادت صحيفة وول ستريت جورنال، أخيراً، بأن نحو 3 آلاف من بين هؤلاء قد انخرطوا في المعارك الدائرة في منطقة كورسك الروسية التي تحتلها قوات أوكرانية، بعدما تم نشرهم إلى جانب قرابة 50 ألف جندي روسي، لتنفيذ عملية عسكرية في مطلع الشتاء، بُغية استعادة السيطرة على مقاطعة كورسك وطرد القوات الأوكرانية منها.

في هذا الوقت يجري الحديث في بعض وسائل الإعلام الغربية عن الأرقام الكبيرة للضحايا بين المعسكرين الروسي والأوكراني. وهناك تضارب واضح بين بلوغها نحو مليون، وفي رواية أخرى نصف مليون. وتجمع المعلومات على أن النسبة الكبرى من القتلى حتى الآن هي في صفوف القوات الروسية، التي فقدت أكثر من 600 ألف قتيل، وهذا ما يفسر توجه روسيا لتعزيز جيشها المقاتل على الجبهات. فبالإضافة إلى الكوريين الشماليين استقدمت عدة آلاف من جنسيات أجنبية، يتلقون مرتبات عالية تبدأ من ألفي دولار ووعد بالجنسية الروسية. كما زجت موسكو بأعداد كبيرة من السجناء الروس، الذين وقعت معهم عقوداً تتضمن إطلاق السراح وإسقاط التهم بعد نهاية الحرب.