استمع إلى الملخص
- صعود حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتشدد يشكل تهديدًا لشعبية حزب ميرز، ويزيد الضغوط لتطبيق سياسات هجرة صارمة، بينما تواجه البلديات ضغوطًا بسبب تدفق اللاجئين.
- رغم الحكم القضائي، يعتزم ميرز مواصلة سياسات الإبعاد، مما قد يؤدي إلى تحديات قانونية جديدة، ويعكس التوتر بين السياسات الحكومية والالتزامات القانونية.
تحولت قضية ترحيل ثلاثة صوماليين عبروا الحدود البولندية الألمانية لطلب اللجوء إلى مطب كبير لمساعي حكومة المستشار فريدريش ميرز لتطبيق سياسات هجرة متشددة، بعدما اعتبرت محكمة إدارية في برلين، الأسبوع الماضي، أن إعادة الصوماليين الثلاثة (رجلان وامرأة) إلى بولندا "مخالف للقوانين". وأثار الحكم القضائي سجالاً حول قدرة ميرز على تطبيق وعوده الانتخابية، إذ اعتبر البعض قرار المحكمة "صفعة" قوية له ولوزارة الداخلية الاتحادية، وذلك بعد نحو شهر من تشكيل حكومته الائتلافية مع "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" (يسار الوسط).
وتثير قضية الصوماليين الثلاثة لغطاً بسبب تكرر حالات إعادة طالبي لجوء إلى بولندا وفقاً لـ"قاعدة دبلن" التي تقضي بإعادة طالب اللجوء إلى أول بلد كان قد وصل إليه في القارة الأوروبية. وفي هذه الحالة، تحولت قضيتهم إلى ورطة بالنسبة لحكومة المستشار ميرز، خصوصاً أن ضباط الشرطة الحدودية قاموا بإعادتهم من دون دراسة طلباتهم، بعدما تمكنوا أخيراً من عبور نهر أودر الحدودي. وكان محامون ألمان رفعوا في التاسع من الشهر الماضي قضيتهم أمام محكمة إدارية في برلين، طالبين من القضاة تسريع البت في القضية. وجاء قرار المحكمة الأسبوع الماضي ليقول: "رفض معالجة طلبات لجوء الأفارقة الثلاثة وإبعادهم مخالف للقانون".
دعوات لاستقالة وزير الداخلية في حكومة ميرز
إذاً "مخالفة القانون" هي خلاصة ورطة المستشار المحافظ ميرز. فخلال حملته الانتخابية في فبراير/شباط الماضي، تعهد مراراً بمنع اللجوء إلى ألمانيا عبر الحدود إيذاناً بانتهاجه سياسات متصلبة، بعكس تلك التي انتهجت زمن زميلته من معسكر المحافظين المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بين 2014 و2015، حين استقبلت ألمانيا ما يقرب من مليون طالب لجوء عبر حدودها البرية الجنوبية. ولأن حكم المحكمة الإدارية في الثاني من الشهر الحالي غير قابل للطعن، فإن حرارة السجال ترتفع بشأن قدرة الرجل على تطبيق وعوده الانتخابية بـ"تغيير جذري في سياسة اللجوء".
وتعهد ميرز قبيل أربعة أشهر: "إذا انتُخبتُ مستشاراً، فسأطلب من وزارة الداخلية في أول يوم لي في المنصب ضمان ضوابط حدودية دائمة وحظر فعلي على هجرة الأشخاص الذين لا يحملون وثائق دخول سارية المفعول"، في إشارة إلى تأشيرات أو غيرها من تصاريح رسمية ألمانية، وهو غير متاح لطالب اللجوء قبل قدومه إلى الحدود والمطارات. وشدد على أن حظر الدخول سيطبق أيضا على طالبي اللجوء المحتاجين إلى الحماية. وكان وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت اتخذ في السادس من الشهر الماضي قراراً سريعاً، بناء على أمر من ميرز، بنشر أكثر من ألف ضابط على حدود ألمانيا التسعة لتعزيز تطبيق سياسة رفض الأشخاص القادمين لطلب اللجوء وتسريع ترحيل المرفوضين إلى بلادهم الأصلية.
ويؤثر قرار المحكمة الإدارية في برلين بصورة مباشرة على مصداقية دوبريندت، فقد ارتفعت الأصوات المطالبة باستقالته باعتبار أنه قام بتطبيق إجراءات مخالفة للقوانين الألمانية. ورفضت المحكمة الإدارية تبرير دوبريندت القائم على "وجود تهديد للأمن العام أو النظام العام" لإبعاد الصوماليين الثلاثة. واعتبر الرئيس المشارك لحزب الخضر فيليكس باناشاك أن قرار المحكمة الأسبوع الفائت يعد "صفعة على الوجه"، مطالباً مع برلمانيين آخرين من حزبه وحزب اليسار دي لينكه باستقالة دوبريندت، مشددين على أن "الوزير الذي يخالف القانون عمداً عليه أن يستقيل".
وتشير تقارير الشرطة الاتحادية على الحدود الألمانية إلى أنه جرى إبعاد نحو 160 شخصاً في الفترة بين 8 مايو/أيار الماضي و4 يونيو/حزيران الحالي عبر الحدود المختلفة، وذلك من بين عدة آلاف استطاعوا دخول البلاد ويصنفون "غير شرعيين"، بحسب أرقام الشرطة الاتحادية (بواقع دخول نحو 5 آلاف شهرياً حتى مايو). ومع أن عدد طالبي اللجوء انخفض بنسبة 30% في العام الماضي 2024، إلا أن ما يزيد قليلاً عن 240 ألف شخص استطاعوا خلال العام نفسه الوصول إلى ألمانيا، وهو رقم متواضع مقارنة بفترات سابقة خلال ذروة اللجوء في 2015.
العين على شعبية اليمين المتطرف
توجهات ألمانيا الجديدة حول ضبط الهجرة واللجوء جاءت بعد سلسلة طويلة من أحداث عنف، وبينها حوادث طعن واعتداءات نُسبت إلى طالبي لجوء، ما ساهم في صعود انتخابي لحزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتشدد على المستوى الفيدرالي، ليحتل المرتبة الثانية في البرلمان (البوندستاغ) ويصبح أكبر الأحزاب المعارضة الآن. وإلى جانب أن ميرز يتعرض لضغوط من حزبه "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، فإن تزايد شعبية "البديل" (المبنية على التشدد مع الأجانب والمهاجرين عموماً) أصبحت تشعره وأقطاب يمين الوسط بتهديد على شعبيته من قبل هذا الحزب المتطرف.
الاستطلاعات الجديدة تعطي "البديل"، رغم تصنيفه مؤخراً حركةً يمنيةً متطرفةً من قبل جهاز الاستخبارات، تفوقاً حتى على حزب ميرز نفسه، ما يمكن أن يجعل "البديل" متساوياً ومتقدماً أحياناً على الأحزاب الألمانية جميعها، وتحقيق نحو 25% على المستوى الفيدرالي، وأكثر من 35% في ولايتي سكسكونيا وثورنغن وغيرها من الولايات الشرقية.
في الأثناء، باتت البلديات الألمانية المسؤولة عن إيواء التدفق المستمر للاجئين/المهاجرين ترفع صوتها، وبخاصة من قبل محافظين يتبعون لحزب ميرز نفسه، بشأن الضغوط التي يعيشونها بسبب ذلك التدفق. وحذّر المدير التنفيذي لاتحاد المدن الألمانية هيلموت ديدي من استنفاد البلديات قدرتها على استيعاب المزيد. وشدد، بحسب صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية، على أنه "لا يزال هناك نقص في الأماكن وفي المدارس ورياض الأطفال والسكن".
في كل الأحوال، يعترف المستشار المحافظ ميرز بالضربة التي تلقاها من المحكمة الإدارية في برلين، رافضاً إقالة أو استقالة وزير داخليته دوبريندت، ومعتبراً الضربة "خسارة لمعركة وليس الحرب". وشدد المستشار على أن الحكم القضائي هو مؤقت ويحد قليلاً من هامش المناورة، "وهناك مجال للمناورة من أجل مواصلة عمليات الرفض على الحدود كما كان الحال في 7 مايو/أيار (الماضي)، وبالطبع، وفقا للقانون الأوروبي"، على حد تعبيره.
ويعني ذلك ببساطة أن الحكومة الألمانية ستمضي في تطبيق سياسات الإبعاد، وهو ما اعتبرته منظمات لاجئين والمعارضة السياسية تحدياً للمحكمة الألمانية. ومن الواضح أن ميرز وحكومته ذاهبان إلى تفسير قرار المحكمة في أسوأ الحالات بـ"حكم ينطبق فقط على الصوماليين الثلاثة الذين استأنفوا" كما أكد ميرز. وهو ما يعني المضي في رفض مهاجرين ولاجئين على الحدود من دون معالجة طلبات لجوئهم، وتطبيق هذه السياسات الصارمة ربما يفتح شهية المزيد من رجال القانون والمحاميين نحو جر حكومة ميرز إلى المزيد من الدعاوى أمام المحاكم الإدارية والدستورية، وربما الأوروبية لحقوق الإنسان.