انتخابات تنزانيا تفضح قبضة سامية صولحو حسن الحديدية

04 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 04:18 (توقيت القدس)
لافتات انتخابية لحسن في كيغومو، 26 أكتوبر 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أقيمت مراسم تنصيب سامية صولحو حسن كرئيسة لتنزانيا لولاية ثانية وسط جدل واسع ورفض المعارضة لنتائج الانتخابات، مع قطع كامل لخدمة الإنترنت في البلاد.
- واجهت الانتخابات اتهامات بالقمع وانتهاكات حقوق الإنسان، حيث مُنع حزب شاديما المعارض من المنافسة واعتقل زعماؤه، مع تقارير عن حالات اختفاء قسري وحظر تجول.
- أثارت الأحداث قلقاً دولياً، حيث أعربت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقهما، بينما نفت الحكومة التنزانية استخدام القوة المفرطة، مع وعود بإصلاحات اقتصادية.

أقيمت أمس الاثنين، في تنزانيا، الدولة الواقعة شرقي أفريقيا ضمن منطقة البحيرات الكبرى، مراسم تنصيب سامية صولحو حسن (65 عاماً)، رئيسة للبلاد لولاية ثانية، في ظلّ رفض المعارضة لنتائج الانتخابات التي أجريت يوم الأربعاء الماضي، والتي وصفتها بالزائفة. وتخيّم على انتخابات تنزانيا أيضاً، اتهامات من المعارضة الرئيسية للسلطة بقمع تظاهرات شعبية خرجت في يوم الاقتراع، وأدّت إلى مقتل "المئات" على يد الشرطة، وهي أرقام لم تؤكدها أي جهة مستقلة بحسب وكالات الأنباء، في ظلّ تعتيم شامل كما يبدو، فرضه قطع السلطات بالكامل لخدمة الإنترنت منذ يوم الاقتراع. علماً أن المعارضة كان قد مُنع حزبها الرئيسي "شاديما" من المنافسة، وسبقت الاستحقاق حملة استمرت شهوراً ضد معارضين لحسن، حتى من داخل حزبها، مع تسجيل حالات اختفاء لمنتقدين لها، فيما رافق الاستحقاق قطعُ السلطات للإنترنت، وهو ما ظلّ سارياً أمس في يوم التنصيب.

وبدلاً من تنصيب سامية صولحو حسن في ملعب بالعاصمة دودوما، كما جرت العادة في البلاد إثر كلّ انتخابات رئاسية، اختارت الأخيرة إقامة حفل تنصيبها في قاعدة عسكرية بالعاصمة، وفق وكالة رويترز، وبحضور غير شعبي، وسط استمرار قطع الإنترنت بالكامل في عموم البلاد، بعد أسبوع حافل بالاحتجاجات، بدأت في يوم الاقتراع، ورفع المعارضة صوتها، انتقاداً لسير العملية الانتخابية. لكن التلفزيون الرسمي (تي بي سي) نقل فعاليات التنصيب مباشرة على الهواء.

فوز كاسح لحسن في انتخابات تنزانيا

وأفادت مفوضية انتخابات تنزانيا بأن حسن فازت بـ98% من أصوات الناخبين، بمواجهة منافسين صغار، لكن حزب شاديما رفض النتائج، ودعا إلى انتخابات جديدة، واصفاً اقتراع الأربعاء الماضي بـ"الزائف". وبحسب مصدر دبلوماسي تحدث لوكالة فرانس برس، فإن تقارير موثوقة عدة أكدت تسجيل مئات القتلى وحتى الآلاف في المستشفيات والعيادات بأنحاء تنزانيا جرّاء قمع الاحتجاجات. ووفق أرقام "شاديما"، كما نقلت الوكالة، فإنه سُجّل سقوط "ليس أقل من 800" قتيل بحلول يوم السبت الماضي. وقال مصدر دبلوماسي لشبكة بي بي سي، إن القتلى بحدود 500. أما الحكومة فرفضت الاتهامات باستخدام "القوة المفرطة"، ولم تعلّق قط على أنباء سقوط القتلى والتقارير. من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن تقارير موثوقة أشارت إلى سقوط عشرة قتلى على الأقل في ثلاث مدن.

قطعت السلطات بالكامل خدمة الإنترنت منذ يوم الاقتراع

وبقيت المدارس والكليات مغلقة، أمس، فيما توقفت حركة النقل العام. وتحدث المصدر الدبلوماسي لـ"فرانس برس"، عن "تقارير مقلقة" بأن الشرطة تستخدم انقطاع الإنترنت لكسب الوقت، بينما "تلاحق أعضاء المعارضة والمحتجين الذين قد تكون لديهم تسجيلات مصوّرة" عن "الفظاعات" التي ارتُكبت الأسبوع الماضي. وفي مدينة دار السلام الساحلية الكبرى، والتي تعدّ العاصمة المالية لتنزانيا، تحدثت وكالة فرانس برس، عن انتشار الشرطة بشكل مكثف يوم أمس، وعملها على "توقيف أي شخص يتحرك وتفتيشه"، وسط إغلاق تام.

وكانت حسن، المولودة في زنجبار والتي درست إدارة الأعمال في المملكة المتحدة، تسلمت رئاسة تنزانيا عقب وفاة سلفها جون ماغوفولي في عام 2021، وسعت لتحقيق فوز ساحق في انتخابات تنزانيا يوم الأربعاء الماضي، لضمان المنصب وإسكات معارضيها ضمن الحزب الحاكم، بحسب متابعين. وقالت "فرانس برس"، إن مجموعات حقوقية أكدت أن حسن أشرفت على "موجة من الرعب" قبل الانتخابات، بما في ذلك سلسلة عمليات خطف تصاعدت خلال الأيام الأخيرة. ورغم الحضور الأمني الكثيف، سادت الفوضى يوم الاقتراع، مع خروج الحشود إلى الشوارع في أنحاء البلاد حيث مزّقوا صور حسن، وهاجموا الشرطة ومراكز الاقتراع، ما أدى إلى قطع الإنترنت وفرض حظر للتجول.

تتحدث المعارضة عن مقتل المئات من المتظاهرين والناشطين منذ الأربعاء الماضي

قمع غير مسبوق

وكان حزب شاديما قد مُنع من المشاركة في الانتخابات لرفضه التوقيع على "وثيقة لقواعد السلوك"، وذلك بعدما تمّ اعتقال زعيم الحزب فريمان مبوي ونائبه توندو ليسو، في إبريل/نيسان الماضي بتهمة الخيانة. وقال الحزب في بيان، السبت الماضي، بعد إعلان نتائج الانتخابات، إن "التظاهرات التي عمّت البلاد، دليل واضح على أن المواطنين لم يشاركوا في ما يسمى بالانتخابات، وأنهم يرفضون فوز أي شخص نتيجة لهذه العملية الانتخابية المعيبة". لكن حسن اعتبرت أن أعمال المتظاهرين كانت "غير مسؤولة ولا وطنية"، مضيفة أنه "عندما يتعلق الأمر بأمن تنزانيا، فلا مجال للنقاش، يجب أن نتبع جميع السبل الأمنية المتاحة لضمان بقاء البلاد آمنة"، علماً أنه منذ الأربعاء الماضي، تمّ أيضاً إلغاء العديد من الرحلات الجوية الدولية. وألقى المتحدث باسم الشرطة ديفيد ميسيمي، أول من أمس، بالمسؤولية على "أفراد أجانب" بالفوضى التي وقعت، قائلاً إن "أفراداً دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية بغرض بثّ الفوضى في أقاليم عدة، من بينها دار السلام". وطلب ميسيمي الإبلاغ "عن تحركات مشبوهة" لأجانب، بينما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الأحد، عن قلقه من التقارير الواردة من تنزانيا، كما حثّت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كلاس على "حفظ الأرواح".

ومن شأن فوز حسن في انتخابات تنزانيا أن يبقيها خمس سنوات إضافية في حكم البلاد البالغ عدد سكّانها 68 مليون نسمة، وفي قيادة الحزب الحاكم منذ عقود "شاما شا مابيندوزي" (حزب الثورة، الحاكم منذ استقلال البلاد عن بريطانيا في عام 1961)، الذي بات يُواجه منذ سنوات صعود وجوه من المعارضة، واعدة وقادرة على جذب الشباب. ولكن بحسب شبكة سي أن أن، في تقرير لها نشرته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإنه حتى من منظور حزب حاكم منذ عقود، ومهيمن على الأجهزة الأمنية، وظلّ يفوز في انتخابات تنزانيا دون مشاكل رغم إقرار تعدد الأحزاب عام 1992، فإن حجم القمع هذه المرة يبدو غير مسبوق، مقارنة بفترة تسلّم حسن مقاليد السلطة قبل أعوام، بعد وفاة الرئيس، وهو ما تمّ أيضاً بهدوء. هذا الأمر، نقله أيضاً موقع ذا كونفرزاشيون الأميركي، واصفاً تنزانيا بأنها بلد استبدادي بحلّة ديمقراطية، لكن حجم القمع الممارس منذ تسلّمت حسن المنصب، كان استثنائياً. أما الأقلام التي تشيد بها، من صحافيين محليين، وفق ما تمّ رصده، فتشير إلى قدرتها على إجراء عدد من الإصلاحات، ودمج القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد. علماً أن تنزانيا، واجهت تراجعاً قوياً في الاقتصاد، لا سيما منذ مرحلة كورونا.  

وإلى جانب حزب شاديما، مُنع لوهاغا مبينا، زعيم حزب معارض رئيسي آخر، هو حزب آي سي تي وازاليندو، من الترشح للانتخابات، في آخر لحظة الشهر الماضي، لتنافس حسن 16 مرشحاً من أحزاب صغيرة جداً وغير معروفة.

وتصاعدت الاتهامات المحلية ومن منظمات أممية ودولية، للسلطات، بممارسة القمع، وهي اتهامات زادت حدّتها خلال الأشهر الماضية. وفي 20 أكتوبر الماضي، اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات التنزانية بإرساء مناخ من الخوف وبتكثيف القمع قبيل الانتخابات باستراتيجية تستهدف المعارضة والصحافيين والمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان. وفي يونيو/حزيران الماضي، دعت لجنة خبراء من الأمم المتحدة، السلطات التنزانية، إلى "الوقف الفوري لحالات اختفاء قسري لمعارضين وحقوقيين في أداة قمع قبل الانتخابات". وتوقعت منظمة أكليد الحقوقية الأميركية، استمرار القمع بعد الانتخابات، التي وصفت مرحلتها بـ"القمع المنهجي" من السلطات.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)