في سيناريو شبيه باجتياح الاحتلال الإسرائيلي للبنان في عام 1982، حيث بدأت التصريحات الإسرائيلية وقتها تتحدث عن "إبعاد المخربين (المقاومين الفلسطينيين) عن الحدود"، ثم توسع الغزو حتى وصلت قوات الاحتلال إلى بيروت، فيما تدحرجت التصريحات الإسرائيلية، حالياً، من إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، فتفكيك حزب الله وسحب سلاحه، ومن ثم سحقه، فإلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبدء الاجتياح، وسط تشديد على أنه محدود.
وفي السادس من يونيو/ حزيران 1982، اجتاح الاحتلال لبنان تحت مسمى "عملية سلامة الجليل" بقيادة وزير الأمن آرييل شارون. واتخذ الاحتلال من محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا شلومو أرغوف، في الثالث من يونيو 1982، ذريعة لاجتياح لبنان. ووفق مذكرات إسرائيلية، قرّر شارون التمهيد للهجوم عبر الإيحاء لرئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت مناحيم بيغن، بأن هدف العملية هو "إبعاد المخربين (المقاومين الفلسطينيين) عن الحدود". لكن شارون ومع كل تقدم للجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، كان يشرح لبيغن "ضرورة التقدم أكثر"، وذلك "من أجل إسكات المدافع". ووفق هذا المبدأ، وصل جيش الاحتلال إلى بيروت.
ضم جبهتي غزة ولبنان
يسرائيل كاتس: الطريقة الوحيدة المقبولة لوقف النار هي إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه
وفي 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وسّعت إسرائيل الأهداف المعلنة لحربها على غزة لتشمل على جبهة لبنان "تمكين السكان من العودة إلى المجتمعات التي أُجلوا منها في شمال إسرائيل" نتيجة للهجمات التي يشنّها حزب الله. وأعلن ديوان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقتها، أنّ المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت) حدّث أهداف الحرب، مضيفاً "إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان"، باعتبارها هدفاً من أهداف الحرب. وأضاف بيان صادر عن ديوان نتنياهو: "ستواصل إسرائيل العمل بشكل عملي لتحقيق هذا الهدف". وفي لقاء مع نتنياهو، في مقرّ وزارة الأمن في تل أبيب، قال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت: "طوال الوقت نتحدّث عن تصعيد أو تسوية، ولكن لا إمكانية للتوصّل إلى تسوية. هناك إمكانية واحدة، وهي التوجه بكامل القوة، وتفعيل كل قوتنا العسكرية من أجل إعادة سكان الشمال إلى منازلهم".
تغيير التوازن مع حزب الله
وكان نتنياهو قد استبق ذلك بالتلميح إلى أنّ صبر إسرائيل قد نفد إزاء إطلاق النار المستمر من قبل حزب الله. وقال نتنياهو، خلال جلسة مناقشات أمنية استراتيجية: "لا يمكن استمرار الوضع (الحالي) في الشمال. نحن بحاجة إلى تغيير التوازن ويجب علينا إعادة السكان إلى منازلهم. وهذا لن يحصل من دون تغيير التوازن أمام حزب الله وعلى الجيش الإسرائيلي أن يستعد لحرب واسعة النطاق في لبنان". وكانت هيئة البث العبرية الرسمية، قد قالت إنّ "القيادة السياسية ناقشت، للمرة الأولى، إدراج أهداف قتالية محددة على الجبهة الشمالية وإعادة السكان إلى منازلهم بصورة آمنة". وأضافت أنه "بعد سلسلة من الوعود والتصريحات، بل التصريحات الكاذبة التي بموجبها حُدِّد الموضوع ضمن أهداف الحرب، ناقش الوزراء إمكانية حدوث تصعيد كبير في الشمال، وتغيير أهداف الحرب بناءً على ذلك".
وكانت وسائل إعلام عبرية كشفت، في 14 الشهر الماضي، أنّ نتنياهو قرر توسيع العملية العسكرية على الجبهة الشمالية مع لبنان. ونقلت وكالة الأناضول عن "القناة 13" العبرية وقتها أنّ نتنياهو صرّح بذلك خلال جلسة حوار استراتيجي عقدت، لبحث التصعيد على الجبهة الشمالية، دون أن توضح الأطراف المشاركة في الجلسة. وقال نتنياهو، وفق القناة، إنّ إسرائيل بـ"صدد القيام بعملية موسعة وقوية في الجبهة الشمالية". وكرر نتنياهو مراراً قوله: "لقد وعدت بأننا سنغير ميزان القوى في الشمال، وهذا بالضبط ما نفعله".
وقال نتنياهو، أخيراً: "لأولئك الذين لم يفهموا بعد، أريد أن أوضح سياسة إسرائيل، نحن لا ننتظر التهديد، بل نستبقه. في كل مكان وفي كل جبهة وفي أي وقت. نحن نقضي على مسؤولين كبار، ونقضي على إرهابيين، ونقضي على الصواريخ ومستمرون في ذلك. من يحاول المساس بنا نؤذيه أكثر. لقد وعدت بأننا سنغيّر التوازن الأمني، ميزان القوى في الشمال، وهذا بالضبط ما نفعله. نحن ندمّر آلاف الصواريخ والقذائف الموجّهة نحو المدن الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين". وفي محاولة منه لحشد جبهته الداخلية، قال نتنياهو إن الأيام المقبلة هي أيام صعبة ومعقدة.
ويتلقى تدرج نتنياهو على الجبهة اللبنانية دعماً كبيراً من أعضاء حكومته، حيث دعا وزير المالية الإسرائيلي وعضو المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت)، بتسلئيل سموتريتش، في مقابلة بودكاست عبر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت أخيراً، إلى توجيه ضربة سريعة وقاصمة لحزب الله ولبنان. وقال: "الحرب في لبنان يجب أن تكون قصيرة، مكثّفة للغاية وصعبة للغاية، بتوجيه ضربة قاصمة وبسرعة كبيرة، سواء لحزب الله أو للدولة اللبنانية". وأضاف: "لديّ عدد غير قليل من الخلافات الاستراتيجية (داخل الحكومة). منذ ثلاثة أشهر، وأنا أعتقد أنه كان من الصواب نقل بعض الجهود من غزة إلى الشمال والذهاب إلى حرب من شأنها أن تنقل المنطقة العازلة إلى جنوب لبنان وليس إلينا. لو كان الأمر بيدي لكنا اليوم، في تقديري، مع المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة) في البيت، وفي فترة ما بعد الحرب بما في ذلك مع لبنان".
نزع سلاح حزب الله
وما يظهر النيات الإسرائيلية التصعيدية ضد لبنان إبلاغ الاحتلال دولاً عدة بعدم موافقتها على وقف إطلاق نار في لبنان، وتوسيع أهداف الاحتلال لنزع سلاح حزب الله. وقالت هيئة البث الإسرائيلية (كان)، أمس الاثنين، إن وزير الخارجية يسرائيل كاتس تحدث بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى عدد من وزراء الخارجية حول العالم، بينهم وزراء خارجية دول تعمل على التوصل إلى تسوية في لبنان، وكانت رسالته واضحة لهم بأن إسرائيل لن توافق على وقف لإطلاق النار في لبنان. ونقل كاتس رسالته هذه إلى أكثر من 25 وزير خارجية، من بينهم وزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وكندا. ووفقاً له، فإن "الطريقة الوحيدة المقبولة من إسرائيل لوقف إطلاق النار هي إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه". وزعم أن "التنفيذ الكامل لجميع قرارات مجلس الأمن بشأن لبنان هو وحده الذي سيؤدي إلى وقف إطلاق النار. وطالما لم يحدث ذلك، ستواصل إسرائيل عملياتها لضمان أمن مواطني إسرائيل وعودة سكان الشمال إلى منازلهم".
مصدر أمني إسرائيلي: الاجتياح البري يهدف لإرسال رسالة للشرق الأوسط حول قوة الجيش الإسرائيلي
كذلك تحوّلت أهداف إسرائيل لشن غزو لجنوب لبنان، بحجة تدمير البنى التحتية لحزب الله قرب السياج الحدودي. ونقل موقع والاه العبري، أمس الاثنين، عن مسؤولين في المؤسسة الأمنية زعمهم أنه من أجل إعادة السكان في الشمال إلى منازلهم يجب تدمير البنى التحتية التابعة لحزب الله قرب السياج الحدودي وإبعاد الحزب بشكل فعلي من هناك. كما أن الهدف من الغزو تعدى لبنان إلى الشرق الأوسط. وقال مصدر أمني إسرائيلي، إن الاجتياح البري "يهدف إلى تدمير الأهداف، ولكن أيضاً لإرسال رسالة للشرق الأوسط حول قوة الجيش الإسرائيلي".
وفي إطار "النشوة" الإسرائيلية، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، الأحد الماضي، أن ما وصفه بـ"اتفاق الغاز الفاضح" مع لبنان "كان خطأ منذ البداية"، مؤكداً أنه يبحث عن ثغرة لإلغائه. وقال كوهين، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، على وقع هجمات عنيفة يشنها الجيش على لبنان: "أبحث عن طريقة أو ثغرة لإلغاء اتفاق الغاز الفاضح الذي تم توقيعه مع لبنان". واعتبر أن اتفاق الغاز الذي وقعته إسرائيل مع لبنان، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، في ظل حكومة التغيير التي تناوب على رئاستها نفتالي بينت ويئير لبيد "كان خطأ منذ البداية"؛ مضيفاً: "سنحرص على إصلاحه". وسبق تصريح كوهين بيوم، إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراض طائرة مسيّرة أُطلقت من لبنان باتجاه "المياه الاقتصادية الإسرائيلية"، فيما أشارت وسائل إعلام عبرية إلى أنها كانت في طريقها إلى حقل "كاريش" للغاز.
كما أن الاحتلال بدأ يفكر بتوسيع المعركة إلى خارج لبنان. وذكرت القناة 13 الإسرائيلية، مساء أمس الاثنين، أنه في أعقاب مصادقة الكابينت قبل نحو أسبوعين على تعديل أهداف الحرب التي تشنها على قطاع غزة منذ نحو عام لتشمل "إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان"، تقرّرت كذلك إعادة صياغة بنود غير معلنة ضمن أهداف الحرب بما يسمح لإسرائيل بدخول مواجهة محتملة مع إيران في إطار تصعيد العدوان المتواصل على لبنان واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وبحسب التقرير، فإن الكابينت صادق على تعديل صياغة البند الذي ينص على "الامتناع عن توسيع الحرب، والتطلع لعزل الجبهات ومنع اندلاع حرب متعددة الجبهات مع التركيز على إيران"، لتصبح صياغة هذا البند: "تقليل احتمالية أن تؤدي العمليات العسكرية الكبيرة في لبنان إلى حرب متعددة الجبهات". وذكر التقرير أن ذلك يشير إلى "استعداد إسرائيل لتوسيع كبير في رقعة الحرب، بما في ذلك تبادل محتمل للهجمات مع إيران". وأفاد التقرير بأن الكابينت صادق على تعديل صياغة هذا البند غير المعلن في اجتماع عقد عن بعد منتصف ليل الخميس الماضي، عشية اغتيال نصر الله، وذلك في مداولات خاصة عقدت فيما كان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يقيم في فندقه في نيويورك.