استمع إلى الملخص
- التوترات بين "قسد" والفصائل السورية: تتهم "قسد" الفصائل المدعومة من تركيا بالتفجيرات لخلق فوضى، بينما تواجه هجمات على سد تشرين وتقطع الكهرباء والمياه عن منبج.
- المفاوضات بين "قسد" والحكومة السورية: يجري مظلوم عبدي مفاوضات مع الحكومة السورية بوساطة دولية، وسط رفض حكومي لمطالب "قسد"، مما يهدد بتصاعد التوترات.
اهتز الوضع الأمني مجدداً في مدينة منبج شمال شرقي حلب وريفها أمس الاثنين، والتي تواجه منذ سيطرة الفصائل عليها في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وطرد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) منها، عمليات تفجير كان آخرها أمس وأدت إلى إصابة ومقتل العشرات، فيما سارعت "قسد" لنفي مسؤوليتها عن التفجير. يأتي ذلك فيما كشف زعيم "قسد" مظلوم عبدي عن عقده لقاء مع الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق أخيراً، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بين الطرفين، من دون تحقيق ذلك حتى الساعة.
انفجار في منبج
وانفجرت سيارة مفخخة صباح أمس الاثنين على طريق رئيسي في أطراف مدينة منبج شمال شرقي حلب، ما أسفر وفق الدفاع المدني السوري عن مقتل 14 امرأة ورجل واحد، وإصابة 15 امرأة بجروح منها بليغة وجميعهم من عمال الزراعة، في حصيلة أولية، قبل أن تعلن الرئاسة السورية عن ارتفاع الحصيلة إلى 20. وأكّدت الرئاسة السورية، في بيان، أن "الدولة لن تتوانى في ملاحقة ومحاسبة المتورطين في هذا العمل الإجرامي، ولن تمرّ هذه الجريمة دون إنزال أشد العقوبات بمرتكبيها، ليكونوا عبرةً لكل من تُسوّل له نفسه العبث بأمن سورية أو إلحاق الضرر بشعبها". وكان مركز منبج الإعلامي نشر المركز صوراً لمواطنين توافدوا إلى بنك الدم الموجود في المستشفى الوطني من أجل التبرع بالدم لمصابي التفجير. وأعلن المركز منبج "مدينة منكوبة" عقب التفجير الدامي، مؤكداً وجود نقص في موارد الحياة كافة من كهرباء وطحين ومحروقات، مطالباً الحكومة في دمشق بـ"التدخل السريع والعاجل لإنقاذ المدينة من المأساة"، ومن "إجرام قسد".
وفي السياق، ذكر الناشط الإعلامي عدنان العلي في حديث مع "العربي الجديد" أن العديد من أبناء مدينة منبج كانوا سينفذون "وقفة احتجاجية" أمس الاثنين في مدينة حلب للتنديد بالمجزرة. وهذا هو التفجير السابع الذي يستهدف مدينة منبج منذ سيطرة الجيش الوطني السوري عليها في 8 ديسمبر الماضي، وكان قد قُتل أربعة مدنيين بينهم طفلان وامرأة، وأصيب تسعة مدنيين بينهم أربعة أطفال بجروح منها بليغة، مطلع فبراير/شباط الماضي بهجوم بسيارة مفخخة ضرب المدينة. وقال حميد علي، أحد سكان المنطقة، في تصريح لوكالة الأناضول، إن تفجير الأمس هو السابع بعد طرد "قسد" من المدينة، موضحاً أن أغلب ضحايا التفجير هم نساء وأطفال من المزارعين.
"قسد": ثقافة المفخخات والاقتتال الداخلي والإرهاب والفوضى والفتنة هي جزء أصيل من أفعال الفصائل والمرتزقة التابعين لتركيا
ولم يصدر حتى ظهر أمس الاثنين أي بيان رسمي يتهم جهة معينة بالتفجير، إلا أن أصابع الاتهام غالبا ما توجَّه إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية، الثقل الرئيسي في "قسد، والتي تواجه منذ نحو شهرين هجوماً من فصائل سورية على سد تشرين على نهر الفرات القريب من منبج. لكن "قسد" دانت في بيان أمس "التفجير الإرهابي الأخير في منبج"، معتبرة أن "ثقافة المفخخات والاقتتال الداخلي والإرهاب والفوضى والفتنة هي جزء أصيل من أفعال الفصائل والمرتزقة التابعين لتركيا، وهي استراتيجية ثابتة يتبعها هؤلاء لترويع الأهالي ومنعهم من الاحتجاج على الأوضاع السيئة التي تعيشها منبج من قضايا سرقة ونهب واغتصاب تمارسها عناصر تلك الفصائل". وأعلنت أن قواتها "التي تملك تجربة واسعة في كشف المجرمين، تعرض تجاربها في التحقيق على إدارة دمشق لتثبيت الأطراف الحقيقية المجرمة التي تقف وراء تلك التفجيرات، وكذلك الأطراف التي تحاول التستر على أفعالهم من خلال التهم الجاهزة التي يتم توجيهها لقوّاتنا بعد دقائق من حدوث تلك الحوادث دون تحقيقات أو أدلة في محاولة لإبعاد الشبهات عن الخفايا الحقيقية للأطراف التي تقف خلفها". وكانت الفصائل السورية قد دفعت القوات الكردية عن مدينة منبج وبعض ريفها بُعيد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، بعدما ظلت سلطة أمر واقع في المنطقة منذ منتصف عام 2016. ولم تدخل إدارة العمليات العسكرية حتى اللحظة منطقة منبج التي لا تزال تحت سيطرة فصائل منضوية في غرفة عمليات "فجر الحرية".
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "قسد" تقطع الكهرباء عن منطقة منبج منذ نحو 50 يوماً، كون سد تشرين الذي تسيطر عليه هذه القوات المغذي الرئيسي للمنطقة بالطاقة، مشيرة إلى أن المياه مقطوعة عن المنطقة منذ شهر بسبب قصف الوحدات الكردية لمحطة خفسة التي تغذي القسم الأكبر من محافظة حلب بالمياه. وأبدت المصادر استغرابها لعدم اهتمام الحكومة السورية بأوضاع منطقة منبج "المأساوية"، مشيرة إلى أن الأهالي "ينتظرون دخول إدارة العمليات العسكرية لوضع حد للفوضى وإرساء الاستقرار الأمني".
وعن أسباب الخلل الأمني الذي يضرب منطقة منبج، رأى الباحث العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك عدة أسباب، منها "انشغال الغالبية العظمى من الوحدات بتأمين باقي مناطق سورية بعد سقوط النظام". وتابع: "معرفة قسد للمنطقة بشكل جيد يساعدها على استغلال الثغرات وتنفيذ العمليات العسكرية والتفجيرات الإرهابية". وأعرب عن اعتقاده أن ضرب هذه القوات لهدف مدني "محاولة منها لإيصال رسالة مفادها أنها إن لم تستطع المواجهة العسكرية فهي قادرة على ضرب الأمن والاستقرار في المنطقة". ورأى حوراني أن "تركيز الجيش الوطني مجهوده العسكري الرئيسي حالياً على منطقة سد تشرين على حساب المناطق الداخلية، من الأسباب التي أدت إلى هذا الخلل الأمني". وتعد مدينة منبج التي تقع إلى الشمال الشرقي من حلب بنحو 80 كيلومتراً من المدن الاستراتيجية في الشمال السوري، كونها البوابة الرئيسية إلى منطقة شرقي نهر الفرات معقل "قسد" التي لم تعترف حتى اللحظة بالتغيير الذي حدث في البلاد بعد الثامن من ديسمبر الفائت.
وارتفعت أمس الاثنين أصوات عدد كبير من السوريين المطالبة بتحرك فعال وجدي من قبل الحكومة السورية في دمشق، لوضع حد لـ"الأوضاع الشاذة" في شمال شرقي سورية الذي يقع تحت سيطرة "قسد" والتي كما يبدو ليست بصدد التفاهم مع الحكومة إلا وفق شروط تُوصف بـ"التعجيزية".
فايز الأسمر: "قسد" لن تحل نفسها وتسلم المنطقة التي تسيطر عليها للحكومة السورية، إلا من خلال عمل عسكري واسع
وفي هذا الصدد، قال المحلل العسكري فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قسد لا تزال تشغل السوريين شعباً وقيادة على الرغم من مرور نحو شهرين على سقوط نظام الأسد"، مضيفاً: "هذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية تضع يدها على أجزاء غالية وغنية بالخيرات من الجغرافية السورية وهي الرقة والحسكة وأجزاء واسعة من أرياف دير الزور ومدينة مسكنة وبلدة دير حافر من ريف حلب الشرقي، إضافة إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في قلب مدينة حلب". وتابع: "تشير الوقائع والمعطيات إلى أن قسد لا تريد حلاً سلمياً مع الحكومة السورية، فهذه التفجيرات الإرهابية التي تنفذها، خصوصاً في مدينة منبج ضد الأهالي المدنيين، والطلبات ذات السقف العالي في المفاوضات مع إدارة العمليات العسكرية تؤكد ذلك". وأشار إلى أن من بين الشروط التي تضعها "قسد" أمام الحكومة السورية "دخول مليشياتها المسلحة ككتلة واحدة في الجيش السوري، وتكون أيضاً مسؤولة عن أمن الشمال الشرقي من سورية". وأضاف: "هذه القوات تريد تخصيص 50% من العائدات النفطية في شمال شرقي سورية لها، وهو ما يعزز الاعتقاد أن هذه القوات لن تحل نفسها وتسلم المنطقة للحكومة السورية، إلا من خلال عمل عسكري واسع تقوم به إدارة العمليات بمساعدة من الجيش التركي والذي سيكلف -للأسف- كثيرا من الدمار والضحايا".
مفاوضات "قسد" والحكومة السورية
وجاء تفجير منبج في وقت لا تزال المفاوضات تجري بين قيادة "قسد" والحكومة السورية لحسم مصير هذه القوات في مستقبل البلاد. وكشف قائد "قسد" مظلوم عبدي، في مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس أمس الأول الأحد، أنه التقى أخيرا الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق. وقال إن الجانبين يتفاوضان بمساعدة وسطاء لإيجاد حلول وسط بشأن مستقبل سورية - بما في ذلك مستقبل الأكراد، مضيفاً: "موقفنا سيكون على أساس نتائج المفاوضات". وكشف عبدي أن أعضاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، يتوسطون بين "قسد" والسلطات في دمشق، من دون أن يقدّم المزيد من التفاصيل. وقال عبدي إن زيارات مسؤولي "قسد" إلى دمشق ستستمر في محاولة التوصل إلى تفاهم مع السلطات الجديدة، مضيفاً: "سنحاول باستمرار أن نرى كيف ستبدو سورية في المستقبل". ولفت إلى أن إطاحة عائلة الأسد من السلطة يجب أن يتبعها بناء دولة علمانية ومدنية ولامركزية تعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، مشدداً على أن "قسد" تريد أن تظل سورية دولة موحدة بحكومة مركزية في دمشق. وتابع أن أكراد سورية لا يريدون الانفصال عن البلاد أو إقامة حكومتهم المستقلة وبرلمانهم كما هو الحال في شمال العراق. وقال إن شعب شمال شرق سورية يريد إدارة شؤونهم المحلية في دولة لامركزية.
كشف عبدي مظلوم أنه التقى الشرع أخيراً في دمشق وأن الطرفين يتفاوضان بمساعدة وسطاء
كما اعتبر أن القوات الأميركية يجب أن تبقى في سورية لأن تنظيم داعش سيستفيد من انسحابها، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على أمن المنطقة بأكملها. وكانت "قسد" حددت سقف مطالبها من الحكومة في دمشق، التي لا تزال تقف عند رفضها لهذه المطالب خصوصاً لجهة دخول هذه القوات كتلة واحدة إلى الجيش، ومبدأ تقاسم ثروات المنطقة وهو ما من شأنه زيادة التوتر بين الطرفين، والذي ربما يفضي إلى عمل عسكري واسع النطاق ضد هذه القوات. واعتبرت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، وهي الأداة الإدارية لـ"قسد"، أن اجتماع الفصائل السورية الأسبوع الماضي واختيار أحمد الشرع رئيساً للبلاد أمر "غير قانوني"، داعية إلى عقد "مؤتمر وطني شامل يشارك الجميع في التحضير له ووضع ملامح الدستور الجديد للبلاد".
وفي تصريحات من المتوقع أن تلقي بظلالها على المشهد السوري برمته، قالت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية بـ"الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، إلهام أحمد، إن الحل في سورية والمنطقة "يتطلب مشاركة إسرائيل"، وعارضت إزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب، وكذلك رفع العقوبات الأميركية عن سورية. وجاءت تصريحات إلهام أحمد في مقابلة نشرتها، السبت، صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، التي قالت إنها التقت أحمد في مدينة الحسكة السورية قبل أسبوعين.