استمع إلى الملخص
- رغم تقديم القيادة الحالية تنازلات مثل تقديم موعد المؤتمر إلى يناير 2026، إلا أن المعارضة رفضت وأصرت على عقده في نهاية 2025، مما يعكس تعقيدات لوجستية ومالية تواجه الاتحاد.
- الأزمة الحالية هي الأخطر في تاريخ الاتحاد، حيث تهدد الاستقرار الاجتماعي في تونس وتضعف موقف الاتحاد في مواجهة السلطة، مما يستدعي استعادة الوحدة النقابية.
يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة خانقة منذ أشهر، ويعتبر المراقبون أنها الأخطر في تاريخ المنظمة وتهدد كيانها، وستكون لها تداعيات خطيرة، ليس على المنظمة النقابية فحسب، وإنما على المشهد الاجتماعي والسياسي في البلاد، بحكم الدور التاريخي للاتحاد في التوازنات المختلفة مع السلطة على مر العقود الماضية.
وتشهد المنظمة تصاعد المعارضات ضد القيادة الحالية، وتحوّل الخلاف إلى الجهات والقواعد، كما لجأ نقابيون إلى الاعتصام داخل وخارج مقر الاتحاد الموجود في وسط العاصمة تونس. وبرز صوتان معارضان بقوة؛ الأول من داخل المكتب التنفيذي نفسه، يقوده خمسة أعضاء وهم: أنور بن قدور وعثمان الجلولي ومنعم عميرة والطاهر المزي وصلاح الدين السالمي. ويطالب هؤلاء بعقد مؤتمر استثنائي هذا العام، وليس سنة 2027 كما هو منتظر، وبعد فشل الحوار مع القيادة الحالية، لجؤوا منذ أيام إلى الاعتصام داخل مقر المنظمة.
بينما تعتصم مجموعة أخرى خارج المقر، وتعارض كلا الطرفين، وتطالب برحيل كل المكتب التنفيذي (يتكون من 15 عضواً). وعقدت هذه المجموعة ندوة صحافية، اليوم الخميس. وقال منسقها النقابي الطيب بوعايشة، إن "المنظمة معطلة تماما حاليا، في الوقت الذي تتراكم فيه مشاكل العمال". وأضاف بوعايشة في كلمته أن "صورة المنظمة اهتزت تماما لدى الرأي العام النقابي والوطني، وأصبح غسيلها منشورا أمام الجميع. والمكتب التنفيذي منقسم بسبب الصراعات داخله".
وفيما أشار بوعايشة إلى أن "الهياكل النقابية لم تجتمع منذ أشهر بسبب هذه الخلافات"، اعتبر أن "ما يحدث داخل المنظمة من القيادة البيروقراطية حاليا هو حالة عبث واضحة بمصالح العمال وبمستقبل المنظمة"، مؤكدًا أن "المنظمة أصبحت مهددة في وجودها بسبب هذه الوضعية".
وشدد على أن "المعتصمين متمسكون باعتصامهم دفاعا عن العمل النقابي وعن المنظمة". وقال بوعايشة إن "المعارضة النقابية تطالب برحيل كامل المكتب التنفيذي (بشقيه المتصارعين) ومحاسبة الجميع". وطالب بـ"رفع المظالم التي سلطت على النقابيين الذين عبروا عن مواقفهم وانتقاداتهم للبيروقراطية النقابية وتعديل النظام الداخلي للمنظمة حتى يمنح القطاعات النقابية استقلالية حقيقية في قراراتها".
وأمام تصاعد الأزمة، وتواصلها منذ أشهر دون أي تقدم يُذكر، أكد أستاذ الاقتصاد، والمستشار لدى الاتحاد العام التونسي للشغل كريم الطرابلسي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الخلاف اشتد بين الشقين المتصارعين على مستوى المكتب التنفيذي وامتد حتى في الجهات، ويبدو أن الوساطات لم تتوصل إلى حلحلة الأزمة إلى حد الآن". وكشف المتحدث أنه "تم تقديم بعض التنازلات من القيادة الحالية واقتراح تقديم المؤتمر إلى يناير من سنة 2026 بدل سنة 2027 كما كان منتظرا، لكن المعارضين الذين اجتمعوا منذ يومين مع الجهات والقطاعات المساندة لهم، رفضوا هذا المقترح، ومنحوا الأمين العام (نور الدين الطبوبي) مهلة جديدة إلى غاية 17 فبراير لكي يستجيب لمطالب المعتصمين بعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني واستكمال أشغاله، والتصويت على النقطة 12، أي تقديم المؤتمر أو عدمه"، مؤكدا أنه "لا يزال هناك أخذ وردّ حول هذه المسألة".
ولفت المتحدث إلى "أنه رغم التفاؤل النسبي الذي كان موجودا في فترة ما بعد التنازلات المقدمة من قبل الأمين العام بتقديم عقد المؤتمر إلى يناير 2026، إلا أن المشهد تعقّد من جديد". وأضاف: "أعتقد شخصيا أن موعد 2026 حل عقلاني ويلبّي طلبات جميع الأطراف، لكن للأسف فإن المطالبين بتقديم المؤتمر كان موقفهم صارما وهم متمسكون بموعد نهاية 2025".
وقال: "هناك حد أدنى من الوقت الذي يستغرقه الإعداد للمؤتمر، لوجيستيا وماديا، وكذلك إعداد لوائح المؤتمر التي ستعرض على التصويت، وهي لوائح تحدد الإصلاحات الداخلية وتستوجب نقاشا داخليا يسبقها، فالمؤتمر ليس انتخابات فقط بل هو أيضا تحديد لخريطة الطريق التي سيعمل عليها الاتحاد في المرحلة القادمة، وهذا يتطلب ثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل"، مبينا أن "هناك كلفة مالية للمؤتمر والاتحاد كما نعرف يمر بأزمة مادية بسبب الأشغال التي قام بها أخيرا في مقره الرسمي، مع تراجع في الانخراطات بسبب الأزمة الاقتصادية وهو ما يعطي مبررات لعدم إمكانية عقد المؤتمر في 2025، ولا بد من ترك بعض الوقت لتهدئة الأجواء لأنه عندما تكون الأجواء مشحونة فإن هذا يؤثر على الأعمال، ما يتطلب بعض الوقت للهدوء ومزيد التريث والحد من الخلافات".
وبيّن الطرابلسي أن "الخلاف لم يعد في المكتب التنفيذي فقط بل توسع في الجهات، خاصة صفاقس وقفصة وتونس، وهي أقطاب نقابية كبرى مؤثرة وفاعلة في تاريخ العمل النقابي، تطالب بتسريع عقد المؤتمر في 2025 وبمجلس وطني". ولفت إلى أن "الأزمة خطيرة جدا ولم يسبق للاتحاد أن مر بأزمة مماثلة حتى في سنوات 1972و1984، حيث كان الخلاف قويا ولكنه كان مع السلطة، وكانت هناك دائما وحدة نقابية في مواجهة القمع والتضييق على الاتحاد، أي أنه حتى في أحلك الأزمات التي عاشها كانت الوحدة النقابية والالتفاف على القيادة المنقذين، وهذا شكّل نقطة قوة للاتحاد سابقا".
وأوضح المتحدث أنه "في الأزمة الحالية هناك من ناحية حالة جفاء مع السلطة وتضييق على الاتحاد وضرب للحوار الاجتماعي، ومن ناحية ثانية يعيش الاتحاد داخليا أزمة وانشقاقا كبيرا، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي في البلاد، بسبب الدور الذي يلعبه الاتحاد على مستوى التوازن الاجتماعي في تونس... الاتحاد اليوم، بسبب انقساماته لا يمكن أن يطالب السلطة بأي مطلب اجتماعي لأنه في موقف ضعف وهناك أزمة شرعية وخلافات داخلية، الأمر الذي يجعل أي سلطة تتمادى في سياستها التي تقوم على الإقصاء والتفرد بالرأي في المسائل الاقتصادية والاجتماعية".
وأكد الطرابلسي أن "على النقابيين أن يستشعروا أهمية المرحلة والخطر الذي تمثله هذه الأزمة، لأن الخلاف حول تواريخ عقد المؤتمرات يبقى ثانويا أمام الأزمة التي قد تجعل الاتحاد يدخل في أزمة أعمق تهدد وجوده كطرف اجتماعي في البلاد". وبيّن أن "على الطرفين وضع المصلحة العليا للاتحاد، وعدم الوقوف على مسائل تقنية جزئية... هناك مبادئ يمكن الاتفاق عليها، فالقيادة الحالية لا يمكن أن تواصل إلى 2027 وهناك صعوبة في العمل الجماعي واختلاف عميق في وجهات النظر".