حرب برلمان صربيا... فساد وبوتين وحديث عن ثورة ملونة

07 مارس 2025
احتجاجات الطلاب أمام البرلمان في بلغراد، 4 مارس 2025 (فيليبي ستيفانوفيتش/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد صربيا أزمة سياسية حادة مع تصاعد الاحتجاجات ضد الفساد، واستقالة مسؤولين بعد حادثة انهيار محطة السكة الحديد في نوفي ساد، مما يزيد الضغوط على الرئيس ألكسندر فوتشيتش.
- يواجه فوتشيتش انتقادات داخلية بسبب مواقفه من الصراع في أوكرانيا، بينما يعبر رئيس الوزراء المجري عن دعمه له، وتغطي وسائل الإعلام الحكومية الاحتجاجات المتصاعدة.
- تتزامن الأزمة في صربيا مع توترات في البوسنة والهرسك، حيث يثير زعيم صرب البوسنة قلقاً بتوقيعه قوانين تعزز الانفصال، مما يهدد استقرار البلقان.

تواجه صربيا إحدى أكثر لحظاتها السياسية تعقيداً، بعد تصعيد المعارضة احتجاجاتها ضد الفساد في الأيام الأخيرة، خصوصاً عبر رمي قنابل غاز مسيلة للدموع في البرلمان، الثلاثاء الماضي، مع افتتاح جلسة الربيع البرلمانية. وتوّجت الصدامات في بلغراد الانقسام العميق بين الرئيس ألكسندر فوتشيتش، الحليف لمحور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وخصومه، بعد أشهر من التوتر، الذي أعقب انهيار المظلة الخرسانية لمحطة السكة الحديد الرئيسية في نوفي ساد، شمالي صربيا، على رصيف مزدحم، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة، وذلك في الأول من نوفمبر/تشرين الماضي. وأدى ذلك، إلى قيام احتجاجات عارمة للمطالبة بأسباب الكارثة، فاستقال عدد من المسؤولين، أبرزهم رئيس الوزراء ميلوش فوسيفيتش، وذلك في 28 يناير/كانون الثاني الماضي. مع ذلك، تشعّبت الاحتجاجات، مع بروز دور كبير للطلاب فيها، مهددة عهد فوتشيتش، رئيس البلاد منذ عام 2017، خصوصاً إذا تم دفعه إلى الاستقالة، قبل موعد الرئاسيات المقررة في عام 2027.


بدأ التلفزيون الحكومي أخيراً ببث تقارير عن الاحتجاجات

أزمة صربيا

الثلاثاء الماضي، تحول المشهد في البرلمان إلى صدام واسع بين الحكومة والمعارضة، التي رمى نوابها قنابل دخانية في المجلس النيابي، دعماً للاحتجاجات المستمرة ضد الفساد، مما أدى إلى إصابة العديد من المشرعين. وأظهر بث فيديو مباشر رئيسة البرلمان آنا برنابيتش وهي تنتقد احتجاج المعارضة واستخدام "الغاز المسيل للدموع" في المجلس، وفقاً لها. وقالت: "لقد فشلت ثورتكم الملونة، وسيعيش هذا البلد"، في إشارة إلى وصف الثورات التي قامت في دول سوفييتية سابقة بأنها "ملونة" و"موالية للغرب". وأصيب ثلاثة نواب على الأقل خلال الجلسة. وكان من المقرر أن يصوت النواب على قانون من شأنه زيادة تمويل التعليم الجامعي، لكن أحزاب المعارضة أصرت على أن الجلسة غير قانونية وأنه ينبغي أولا تأكيد استقالة رئيس الوزراء ميلوس فوسيفيتش وحكومته. وبدأت الفوضى البرلمانية بعد نحو ساعة من بدء الجلسة بإطلاق المعارضة للصافرات ورفع لافتة كتب عليها "نهضت صربيا فليسقط النظام". وانتقد الرئيس فوتشيتش الحادث خلال مقابلة مع محطة إذاعية محلية مساء الثلاثاء، هذه التطورات. وقال: "لن نهدأ حتى تتم محاسبة من فعلوا ذلك"، داعياً إلى اتخاذ إجراءات قانونية، بحق النواب المعارضين. ولم يبدر عن فوتشيتش عن إشارة بالاستقالة، وخصوصاً أن للسلطة في بلغراد 155 نائباً في البرلمان المؤلف من 250 عضواً، في مقابل 95 نائباً للمعارضة. وتجاوزت التطورات في بلغراد الحدود الصربية، مع إعراب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن دعمه لفوتشيتش، ملقياً باللوم على "القوى الليبرالية العالمية"، في محاولة "زعزعة استقرار الدول ذات السيادة". وكتب أوربان على وسائل التواصل الاجتماعي أن "الفوضى التي تشهدها اليوم في البرلمان الصربي تظهر إلى أي مدى هم (القوى الليبرالية العالمية) على استعداد للذهاب".

وتلقي الاضطرابات في صربيا بثقلها على فوتشيتش، الذي اعتاد على تقديم الاعتذارات في الآونة الأخيرة، ومنها دعم صربيا "مشروع قرار مناهض لروسيا بشأن الصراع في أوكرانيا"، في 24 فبراير/شباط الماضي، رغم التحالف بين بلغراد وموسكو. وفي تعليقه على القضية، قال فوتشيتش لقناة "هابي تي في": "أعتقد أن صربيا ارتكبت خطأ... أعتذر لمواطني صربيا عن هذا وأعترف بذنبي، لأنني ربما كنت متعباً ومثقلاً بالأعباء ولم يكن لدي الوقت للسيطرة على كل شيء". كذلك، قدم اعتذاره عن وصفه مراسلة تعمل في التلفزيون الحكومي بـ"الحمقاء"، بعد تقريرها عن احتجاج ضخم مناهض للحكومة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. وفي بيانه الاثنين الماضي، قال فوتشيتش إنه بصفته رئيسا، "لا يحق لي أن أصف أي شخص بالأحمق وأعتذر"، غير أنه شكّك في مهنية وموضوعية مراسلي شبكة "آر تي إس" ووصفهم بـ"عار على مهنتهم" وأكد أنهم نشطاء سياسيون. وانتقد التلفزيون الحكومي فوتشيتش لإهانته مراسلتهم قائلاً في بيان: "لا يحق لأي مسؤول حكومي، بغض النظر عن الخيار السياسي الذي ينتمي إليه، أن يتحدث عن زملائنا بهذه الطريقة المهينة". وقد زعزعت التظاهرات قبضة فوتشيتش على السلطة، بما في ذلك السيطرة على شبكة تلفزيون "آر تي إس"، وكذلك وسائل إعلام عدة موالية للحكومة. وبدأ التلفزيون الحكومي أخيراً في بث تقارير عن الاحتجاجات، مما أثار انتقادات من فوتشيتش ومسؤولين حكوميين آخرين.


أعرب أوربان عن دعمه لفوتشيتش ضد "القوى اللبيرالية العالمية"

صرب البوسنة

وتأتي هذه التطورات على وقع بقاء قضية صربيا ـ كوسوفو عالقة في الأروقة الأوروبية والدولية، من دون حصول تقدم في المفاوضات، مما يؤثر بالسلب على مستقبل طلب صربيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو الطلب العالق منذ 2012. كذلك، فإن تطرّف زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك في الفترة الأخيرة، أثار قلق البوسنة والهرسك من احتمالات حصول تورط صربي لزعزعة الوضع في ساراييفو. ومساء الأربعاء وقع دوديك على قوانين تمنع الشرطة المركزية والقضاء من دولته، تم اعتمادها في فبراير الماضي، من قبل نواب صرب البوسنة. يحظر واحد منها محكمة الدولة البوسنية ومكتب المدعي العام للدولة والقوة الشرطية المركزية من العمل في جمهورية صربسكا الانفصالية. واعتبر دوديك أن هذه القوانين "تستعيد الولاية الدستورية" لجمهورية صربسكا، مما زاد من التوترات السياسية في الدولة البلقانية المنقسمة بشدة على أساس عرقي وديني.

وتكون البوسنة والهرسك من شطرين ذاتيي الحكم: جمهورية صربسكا للصرب، واتحاد بوسني ـ كرواتي. وتربط بين الاثنين مؤسسات مركزية ضعيفة، بينما لكل منهما حكومته وبرلمانه الخاص. في محاولة لتهدئة التوترات، دعا دوديك أمس الخميس، إلى محادثات سياسية داخل البلاد من دون تدخل "الأجانب". وأردف "بعد 30 عاماً (من انتهاء الحرب 1992-1995)، آمل أن يكون قد تم فهم أن مستقبلنا يكمن فقط في اتفاقنا، في اتفاق شعوبنا... هذا كل ما أطلبه". وأشار دوديك في رسالة إلى أنه "لا جمهورية صربسكا ولا أنا تهديد للبوسنة والهرسك". وقد تم الحكم على دوديك الأسبوع الماضي بالسجن لمدة عام ومنع من تولي المناصب لمدة ست سنوات لرفضه الامتثال لقرارات اتخذها كريستيان شميت، المبعوث الدولي الأعلى إلى البوسنة المشرف على اتفاقات السلام. ومن شأن هذه التطورات في البلقان، أن تؤدي إلى تصعيد التوتر بين إثنياته، خصوصاً مع استمرار انحياز الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب إلى روسيا، مما سيؤدي إلى تحصين موقف حلفائها في أوروبا، ومنهم الصرب.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)