استمع إلى الملخص
- رحبت تركيا والمجتمع الدولي بالقرار، معتبرين إياه خطوة نحو تركيا خالية من الإرهاب، ودعت المفوضية الأوروبية إلى اغتنام الفرصة لتحقيق السلام.
- دعا عبد الله أوجلان إلى حل الحزب والانتقال للعمل السياسي، مشدداً على أهمية دور القوى الاشتراكية والهياكل الثورية في تحقيق السلام والمجتمع الديمقراطي.
أعلن حزب العمال الكردستاني، صباح اليوم الاثنين، حلّ نفسه وإنهاء الصراع المسلّح مع تركيا بناء على مقررات المؤتمر الذي عقده قبل أيام. وقالت وكالة مقربة من الحزب إنه أنجز مهمته التاريخية، على حد وصفها، مشيرة إلى أن الحزب "يرى أن الأحزاب السياسية الكردية ستضطلع بمسؤولياتها لتطوير الديمقراطية الكردية، وضمان تشكيل أمة كردية ديمقراطية". وفي الوقت نفسه، نقلت عن الحزب تأكيده على أن العلاقات التركية الكردية بحاجة إلى إعادة صياغة، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وتأتي هذه التطورات بعدما أفادت وكالة فرات للأنباء المقرّبة من الحزب، الجمعة، بأن الأخير عقد هذا الأسبوع "بنجاح"، مؤتمراً لحلّ نفسه. وجاء في بيان نشرته الوكالة "عُقد المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني بنجاح في مناطق الدفاع المشروع في الفترة من الخامس إلى السابع من أيار (مايو) الجاري (...)، وانعقد بناءً على دعوة القائد عبد الله أوجلان"، ونتجت عن هذا المؤتمر، بحسب البيان، "قرارات ذات أهمية تاريخية (...) على أساس دعوة القائد" لنزع سلاح الحزب وحلّ نفسه، ستُعلن "في المستقبل القريب جداً".
وأوضح الحزب في بيان صادر عنه اليوم الاثنين، أن المؤتمر الحالي بدأ ببيان صدر عن مؤسس الحزب المحكوم بالمؤبد من سجنه في 27 فبراير/ شباط الماضي، ليصل إلى المؤتمر الذي انعقد بمشاركة 232 مندوباً. وأضاف البيان أن المؤتمر أكد أن نضال حزب العمال الكردستاني أكمل مهمته التاريخية، وعلى هذا الأساس قرر حل البنية التنظيمية للحزب، وإنهاء أسلوب الكفاح المسلّح، على أن يتولى أوجلان إدارة العملية الحالية وتنفيذها، وبالتالي إنهاء العمل الذي كان يتم تحت اسم حزب العمال الكردستاني.
وشدد البيان على أن "الكردستاني" ظهر باعتباره "حركة تحرير شعبية ضد سياسة الإنكار والإبادة للأكراد، وتشكل في ظل ظروف هيمن عليها الإنكار الصارم للأكراد، وسياسة الإبادة المبنية على هذا الإنكار، وسياسات الإبادة، ونتيجة للنضال الذي خاضه الحزب حقق ثورة من أجل الشعب، وأصبح رمزاً للأمل في الحرية والسعي إلى الحياة الكريمة لشعوب المنطقة". واستعرض البيان مراحل الكفاح التي خاضها الحزب، منذ بدء نضاله عام 1978، وفرص السلام التي حصلت، ولكن كل النضال "أظهر أن القضية الكردية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حلها على أساس الوطن المشترك والمواطنة المتساوية".
وجاء في البيان أيضاً أن "التطورات الحالية في الشرق الأوسط في سياق الحرب العالمية الثالثة، تجعل من الضروري إعادة تنظيم العلاقات الكردية التركية"، وأن الشعب الكردي "سيفهم ضرورة التخلص من حزب العمال الكردستاني، وإنهاء النضال المسلح بشكل أفضل من أي طرف آخر". وأضاف "نحن على ثقة تامة بأن شعبنا سيفهم قرار حل حزب العمال الكردستاني وإنهاء أسلوب الكفاح المسلح أكثر من أي طرف آخر، وسيتحمل واجبات مرحلة النضال الديمقراطي، على أساس بناء مجتمع ديمقراطي، وعلى هذا الأساس نعتقد أن الأحزاب السياسية الكردية والمنظمات الديمقراطية وقادة الرأي سيقومون بمسؤولياتهم في تطوير الديمقراطية الكردية".
وتطرق البيان للمرحلة المقبلة، دون الكشف عن آلية تنسيق تسليم السلاح أو آلية إلقائه، بالقول إنه "في هذه المرحلة، من المهم أن يلعب البرلمان دوره بمسؤولية تاريخية، كما ندعو جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، وخاصة الحكومة وحزب المعارضة الرئيس، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات الدينية والعقائدية، والمنظمات الصحافية الديمقراطية، وقادة الرأي، والمثقفين، والأكاديميين، والفنانين، والنقابات العمالية، ومنظمات المرأة والشباب، والحركات البيئية، إلى تحمّل المسؤولية والمشاركة في عملية السلام والمجتمع الديمقراطي".
وأكد أن "نضال الشعب والنساء والمضطهدين سيصل إلى مستوى جديد عندما تنضم القوى الاشتراكية اليسارية، والهياكل الثورية، والمنظمات والأفراد في تركيا إلى عملية السلام والمجتمع الديمقراطي، وهذا يعني تحقيق أهداف الثوار العظماء الذين كانت كلماتهم الأخيرة عاشت أخوّة الشعبين التركي والكردي وتركيا المستقلة بالكامل". ودعا بيان المؤتمر "القوى الدولية إلى رؤية مسؤولياتها تجاه سياسات الإبادة الجماعية التي تم تنفيذها على مدى قرن من الزمان ضد شعبنا، وعدم عرقلة الحل الديمقراطي وتقديم مساهمات بناءة لهذه العملية".
أبرز ردود الفعل التركية والدولية على حلّ حزب العمال الكردستاني نفسه
وفي أولى ردود الفعل، قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمر تشليك، في منشور على منصة إكس، إن قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه والتخلي عن السلاح بعد دعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، "خطوة مهمة لتحقيق هدف تركيا خالية من الإرهاب". وعن المرحلة المقبلة، أفاد بأن قرار حل "الكردستاني" نفسه وتسليم سلاحه بشكل كامل، بما يؤدي إلى إغلاق جميع فروعه وامتداداته وهياكله غير القانونية، سيكون "نقطة تحول حاسمة"، مشدداً على أن المؤسسات الحكومية التركية ستتابع العملية ميدانياً بدقة، وتعرض مراحلها على الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتحدث قادة حزب "ديم" الكردي الممثل في البرلمان أيضاً عن القرار، حيث أفاد الرئيس المشارك تونجر بقرهان في تصريح صحافي مقتضب، بأن "الجهود تُوّجت من قبلهم"، مضيفاً "أتمنى أن يكون المؤتمر مفيداً لتركيا، لم يعد هناك أي مبرر لعدم بناء تركيا ديمقراطية تحل القضية الكردية، أتمنى أن نتوج هذه العملية بالسلام".
من ناحيتها، قالت النائبة برفين بولدان، وهي من أبرز الأسماء التي قادت المرحلة والتقت أوجلان بمحبسه أربع مرات، في تصريح صحافي: "تم التوصل إلى أجواء سبقت محاولة الوصول إليها سنوات طويلة ولم تسفر عن أي نتائج، واليوم يمكننا أن نستقبل ما حصل بالأمل، حيث بدأت مرحلة جديدة نزيل فيها الأسلاك الشائكة ونتوجها بالسلام".
وفي وقت لاحق، أكّد رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، أنه سيجري اتخاذ التدابير والخطوات اللازمة بسلاسة وشفافيّة للوصول إلى هدف "تركيا خالية من الإرهاب". وأوضح ألطون في منشور عبر منصة إكس، تعليقاً على قرار "العمال الكردستاني"، أن "قرار حل التنظيم الإرهابي نفسه ونزع سلاحه هو مؤشر واضح على أن هدف تركيا خالية من الإرهاب الذي بدأ بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان قد اكتسب قوة وأحرز تقدماً كبيراً".
وذكر ألطون أن تركيا دفعت ثمناً غالياً، وعانت من الشدائد، وقدّمت أبناءها من أجل الوطن حتى وصلت إلى هذه النقطة بعد أكثر من 40 عاماً، وأكد أن تركيا ستواصل بكل ما أوتيت من معرفة وإمكانات وخبرات، من أجل تهيئة بيئة يسودها السلام والاستقرار، وأضاف أنه "سيجري اتّخاذ التدابير اللازمة بسلاسة للوصول إلى هدف تركيا خالية من الإرهاب وسيجري اتّخاذ جميع الخطوات بشفافيّة وعناية وحزم".
من جانبها، دعت المفوضية الأوروبية، اليوم، جميع الأطراف إلى "اغتنام الفرصة" للعمل من أجل تحقيق السلام، عقب إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وانتهاء أكثر من أربعة عقود من "الكفاح المسلح" ضد تركيا. وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أنوار العنوني، إنّ "الاتحاد الأوروبي يرى أن إطلاق عملية سلام موثوقة تهدف إلى إيجاد حل سياسي للقضية الكردية، من شأنه أن يشكل خطوة إيجابية نحو تحقيق حل سلمي ودائم".
ويعقد حزب ديم اجتماعا للجنة المركزية اليوم، ويُنتظر أن يصدر تصريح عنه يتضمن مزيداً من التفاصيل عن المرحلة المقبلة المتعلقة بآلية تسليم السلاح، ومصير المسلحين، وبقية الخطوات المرتبطة بآليات حل الحزب وتسليم سلاحه.
وكان أوجلان، مؤسّس الحزب، قد دعا في رسالة ألقتها باسمه النائبة في حزب "ديم" باريفان بولدان، في مؤتمر صحافي بإسطنبول في فبراير الماضي، إلى حل الحزب، ومسلحي المجموعات إلى إلقاء السلاح والانتقال إلى العمل السياسي. وجاء في رسالته: "كما يفعل كل مجتمع حديث وكل حزب لم يجرِ القضاء عليه قسراً، عليكم عقد مؤتمركم واتخاذ القرارات اللازمة للاندماج مع الدولة والمجتمع طواعية، يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها ويجب على حزب العمال الكردستاني حل نفسه"، وختم رسالته بالقول: "أبعث بتحياتي إلى كل من يؤمن بالعيش المشترك ويستجيب لندائي".
واعتُقل أوجلان قبل 26 عاماً في العاصمة الكينية نيروبي عام 1999، ونُقل لاحقاً إلى تركيا في فترة حكم رئيس الوزراء بولنت أجويد، وأُعلن عن نقله إلى تركيا في 16 فبراير/ شباط، ليُحكم لاحقاً بالسجن المؤبد ويودع في سجن خاص بجزيرة إمرلي. وشكّل أوجلان مع مجموعة من منابع الثوار الأكراد الثقافية (DDKO)، حزب العمال الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، من مجموعة من الطلاب، أجرت لقاءات مع البعثات الأجنبية في تركيا، ونفذت نشاطات في جنوب شرقي البلاد قبيل فرار أوجلان إلى سورية في العام 1979، ما جعله يفلت من اعتقال منفذي انقلاب العام 1980. وتشتت حزب العمال الكردستاني وبات يعمل عن بعد، ليبدأ بالنشاط المسلح في العام 1984، ما ترك تأثيراً في الرأي العام، فيما استمرت العمليات العسكرية وصولاً لاعتقال أوجلان في العام 1999.
وأعلن الحزب وقف إطلاق النار بعد اعتقال أوجلان، لكن ذلك انتهى عام 2004 وعاد للعمل المسلح، وأطلقت الحكومة التركية عام 2012 حواراً سرياً مع الحزب في النرويج، وفي العام التالي أطلقت مرحلة السلام وشكلت لجنة الحكماء، لكن العمليات المسلحة تواصلت ودخلت مرحلة جديدة من الصراع تجاوزت الحدود كثيراً فشملت شمال سورية والعراق، فيما حققت القوات التركية نجاحات كبيرة، دون أن تؤدي للقضاء على الحزب.