حفتر يرفض ضمناً خطة أممية: لا يمكن بناء دولة بخريطة من وراء الحدود
استمع إلى الملخص
- جاءت تصريحات حفتر بعد إعلان المبعوثة الأممية هانا تيتيه عن خريطة طريق سياسية تتضمن إعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات وتوحيد المؤسسات، مع تنفيذ تدريجي للخطة على مدى 12 إلى 18 شهراً.
- يرى الباحث بشير الكوت أن خطاب حفتر يعكس رفضاً ضمنياً للخريطة الأممية، مع الحفاظ على مصالح موسكو وإمكانية التفاعل مع المسار الأممي عند الحاجة.
دعا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قائد ما يُعرف بـ"القيادة العامة"، الليبيين إلى رسم خريطة طريق تنبع من الداخل وترتكز على شرعية محلية، رافضاً ما وصفه بأي حلول تُفرض من الخارج تحت مسمى التسويات الأممية. وقال حفتر، في كلمة ألقاها خلال لقائه مشايخ وأعيان وحكماء قبائل من المنطقة الشرقية والوسطى والجنوبية الشرقية بمدينة "المشير خليفة حفتر العسكرية" في بنغازي مساء أمس الجمعة، إنه "لا يمكن لخريطة نُسجت خيوطها وراء الحدود أن تبني دولة حرة كاملة السيادة"، داعياً "المجتمع الليبي بكل شرائحه ومؤسساته" إلى "إيجاد صيغة نموذجية تُخرج الوطن من الدوامة التي تدور به في فلك من الفراغ وتتجه به إلى المجهول".
وشدد حفتر، في كلمته التي حضرها رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد ونجله خالد الذي ولاه مؤخراً منصب "رئيس الأركان العامة"، على أن ليبيا "لا يصون بيتها إلا أهلها"، وأن "المسؤولية التاريخية تفرض على الليبيين أن يبتكروا بأنفسهم صيغة متكاملة لبناء دولتهم". كما طالب أن "يكون هذا اللقاء بداية خير، ونقطة الانطلاق نحو عمل مجتمعي منظم، هدفه التحول من حالة الارتباك والتخبط والانقسام والتشرذم وحالة الصراع وانعدام الثقة إلى مرحلة الاستقرار والسلام الدائمين لدولة ليبيا الواحدة. وتشارك فيه كل المدن وكل فئات المجتمع، فيكتسب بذلك شرعيته من الشعب مباشرة، وستكون القوات المسلحة حاضرة لحمايته والدفاع عنه".
وجاءت كلمة حفتر بعد نحو شهر ونصف شهر على إعلان المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه أمام مجلس الأمن الدولي، في الحادي والعشرين من أغسطس/آب الماضي، خريطة طريق سياسية بثلاث ركائز أساسية: إعادة تشكيل مجلس المفوضية العليا للانتخابات بالتزامن مع صياغة إطار انتخابي فني وسياسي سليم، وتوحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة جديدة، وإطلاق "حوار مهيكل" يضم مشاركة مجتمعية واسعة إلى جانب الفاعلين السياسيين لصياغة مسار ينتهي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. وأكدت تيتيه أن تنفيذ الخطة سيكون تدريجياً على مدى 12 إلى 18 شهراً، لكنه في الوقت نفسه، "بحزمة واحدة" لا تقبل التجزئة، تبدأ بمرحلة أساسية هي إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية وتعديل الإطار القانوني خلال شهرين، قبل الانتقال إلى تشكيل حكومة موحدة.
ويقرأ الباحث في الشأن السياسي بشير الكوت خطاب حفتر باعتباره رسالة ضمنية رافضة الخريطةَ الأمميةَ، مشيراً إلى أن الاجتماع لم يحمل عنواناً محدداً، بل جرى تقديمه بوصفه لقاء مع مشايخ وأعيان القبائل، وهو ما جعله أقرب إلى "مناسبة مقصودة لتمرير موقف سياسي غير معلن". ويرى الكوت، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "خطاب حفتر تماهى مع أسلوب الأطراف الأخرى، وتحديداً مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذين لم يعلنا رفضاً للخطة، لكنهما شرعا بالفعل في مشاورات عبر لجنتي المناصب السيادية للنظر في خطوة إعادة تشكيل مجلس المفوضية، من دون اعتراف رسمي بأن ذلك يندرج في صلب تنفيذ المرحلة الأولى من خريطة تيتيه".
وكان المجلسان قد عقدا لقاء غير معلن، السبت الماضي، لمناقشة إعادة تشكيل مجلس مفوضية الانتخابات عبر لجنتي المناصب السيادية، فيما ينتظر أن يعقدا الاجتماع الثاني اليوم السبت للمضي في المشاورات في المسألة نفسها. ويرى الكوت أن حفتر يتقاطع مع سلوك المجلسين، فهو أيضاً يظهر تحفظاً على الخريطة ويصفها بأنها "خريطة وراء الحدود"، لكنه لا يعلن رفضاً صريحاً لها "بل يطرح خطاباً موازياً يقوم على فكرة أن الليبيين يجب أن يرسموا خريطتهم بأنفسهم، مع إبقاء الباب مفتوحاً للتفاعل مع المسار الأممي إذا اقتضت الحاجة، في مفارقة يتفق فيها حفتر مع مجلسي النواب والدولة، وكأن الجميع يريد أن يحصد مكاسب التحرك من دون أن يُتهم بالتنازل للضغوط الدولية".
وفي سياق قراءته كلمة حفتر، يلفت الكوت إلى أن حفتر اختار أن يعلن موقفه الرافض عبر لقاء القبائل، معتبراً أنه "رد غير مباشر على العمود الفقري للخطة الأممية المتمثل في الحوار المهيكل الذي جعلته تيتيه أساس خريطتها لإنتاج حل سياسي بمشاركة المجتمع والقبائل، من دون أن يلجأ إلى بيان رسمي يصدر عن قيادته، بل منحه طابعاً شبه رسمي من خلال حضور رئيس الحكومة أسامة حماد، وطابعاً عسكرياً من خلال نجله خالد، وغلب الطابع العسكري أكثر من خلال احتضان المدينة العسكرية التي دشنها خالد غرب بنغازي للقاء في عرض رمزي واضح يوجه رسالة بأن الفئات المجتمعية التي تراهن عليها تيتيه تقع تحت جناحه العسكري".
كما يشير الكوت إلى دلالة أخرى في الاجتماع، وهي مشاركة خالد حفتر من دون شقيقه صدام، بما يحمل بعداً خارجياً، موضحاً أن "خالد يُنظر إليه باعتباره رجل موسكو في ليبيا، بينما يعد صدام أقرب إلى العواصم الغربية، ومدينة خالد العسكرية معروفة بالحضور الروسي الكبير فيها، فربما أراد حفتر أن يظهر أن هذا التحفظ على الخريطة الأممية يستند أيضا إلى مظلة عسكرية ذات ظهير روسي، ما يعكس تجاوبه مع ضغوط روسية مع الإبقاء على الرفض في خانة الخطاب السياسي من دون مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن".
ويخلص الكوت إلى أن "دافع حفتر للتحدث في هذا التوقيت ربما على علاقة بنجاح الضغوط على المجلسين لإجبارهما على المضي في تنفيذ المرحلة الأولى من خريطة الطريق عبر تشكيل مجلس المفوضية، وبالتالي قرب الدخول في المرحلة الثانية المرتبطة بتشكيل حكومة موحدة، ولهذا خرج حفتر ليبلغ رسالة روسية مفادها أن مصالح موسكو يجب أن تؤخذ في الاعتبار في أي تشكيل سياسي جديد قد يسعى الغرب إلى فرضه في ليبيا، لكن بالمجمل، بالنسبة لمواقف حفتر من الخرائط والتسويات التي تفرض من الخارج فإنه يتعاطى معها بالسلوك نفسه دوماً، بخلاف أنه يمثل في خطابه هذا رأياً خارجياً أيضاً يبدو فيه الظل الروسي، وربما المصري أيضاً، واضحاً".