حول هيمنة الخط التحرري المقاوم حمساوياً

27 يناير 2025
لوحة جدارية دعماً للمقاومة الفلسطينية في حيدر أباد الهند 19 /1 /2025 (جوالا كوتيش/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهرت المقاومة الفلسطينية كفاءة في إدارة المعركة ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث نجحت في فرض شروطها وإفشال مخططات الاحتلال رغم شح الإمكانيات.

- شهدت حركة حماس تحولًا سياسيًا بعد تولي يحيى السنوار رئاسة مكتبها السياسي، حيث ركزت على النضال التحرري وابتعدت عن العمل السياسي التقليدي، مما أدى إلى قبولها بتسليم المهام الإدارية للجنة كفاءات وطنية.

- تزايد التنسيق بين حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، مما يعكس تحولًا نحو العمل المقاوم بعيد المدى والالتزام بقواعد العمل الفدائي السرية.

بعد بدء سريان اتّفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والاحتمال الكبير لتحوله إلى إنهاءٍ كاملٍ لعدوان الإبادة الصهيونية على قطاع غزّة، نلحظ قضايا ومسائل عديدةٍ، منها خضوع الاحتلال لمعظم شروط المقاومة، التي عاندها سابقًا مرارًا وتكرارًا، ما يعكس كفاءة المقاومة الميدانية وقوتها، التي تعكس قدرة المقاومة على إدارة المعركة العسكرية بذكاءٍ وحكمةٍ عاليةٍ جدًا، رغم شح الإمكانيات التقنية والعسكرية، إذ نجحت المقاومة الفلسطينية في تنويع استراتيجياتها تباعًا، ومفاجأة قوات الاحتلال مرارًا وتكرارًا، كما تمكنت من إعادة انتشارها دائمًا وأبدًا، بما يفشل مخططات هيمنة الاحتلال وسيطرته الميدانية، فضلا ً عن إفشالها مخططاته لليوم التالي، عبر ضرب خططه لدعم مجموعاتٍ مشبوهةٍ مرتبطة به هنا وهناك.

كذلك نلحظ ما يعتبره كاتب المقالة أهمّ التحولات أو التداعيات حمساويًا، متمثّلًا في هيمنة الخط التحرري الحمساوي على خطها السلطوي، بعد سنواتٍ طويلةٍ من الصراع والتنافس الداخلي، الذي انعكس مرارًا وتكرارًا على طبيعة الحركة وتوجهاتها، بين تصليب قدراتها العسكرية المقاومة، والاستعداد لمعركة التحرير، أو بالأصح معارك التحرير، وبين الهيمنة السياسية، والسيطرة على ما يسمى بـ"المؤسسات السلطوية". إذ نلحظ من خلال التدقيق في توجهات حركة حماس بعد "طوفان الأقصى"، تحولًا ملموسًا في خطابها السياسي في الأشهر الأخيرة، خصوصًا في المرحلة التي أعقبت تولي الفدائي الشهيد "يحيى السنوار" رئاسة مكتبها السياسي، إذ عكست تلك المرحلة تغييرًا في أولويّات الحركة، بين سعيٍ سابقٍ لانخراط حماس المؤثر (المهيمن) في الجسم السياسي الفلسطيني، وصولاً إلى سعيٍ حاليٍ أكثر وطنيةً وثوريةً يتجنب الدخول في متاهات العمل السياسي الفاسد والمفسد.

عادت حركة حماس إلى الالتزام بأهمّ قواعد العمل الفدائي، السريّة، وهو ما ينسجم مع النضال التحرري، ويتناقض مع العمل السياسي التقليدي (السلطوي)

طبعًا؛ لا يمكن الجزم من الآن بهيمنة تيار حماس التحرري، لكن هناك مؤشراتٌ مهمّةٌ لذلك أبرزها: قبول حماس بتسليم المهام الإدارية والمعيشية اليومية للجنة كفاءاتٍ وطنيةٍ "لجنة الإسناد المجتمعي"، بعد اختيار أعضائها (بمشاركة كلّ فصائل المقاومة) بعنايةٍ على أسسٍ وطنيةٍ تحمي حقوق الفلسطينيين، وفي مقدمتها حقّه في المقاومة، ما يوحي بأولويّة موقف اللجنة الوطني التحرري، على أي اعتبارٍ أخر، وهو ما يعكس تراجع الحركة عن سعيها المتكرر للهيمنة على الجسم السياسي الفلسطيني. الأمر الذي يفسر كذلك أسباب رفض قيادة السلطة لهذا الطرح، في مقابل موافقة حركة فتح، فعلى الرغم من هيمنة قيادة السلطة على فتح وقيادتها، إلّا أنّ معظم كوادر فتح ما زالوا كوادر لحركة التحرر الوطني، أي من الرافضين لتحول فتح إلى حزبٍ سلطويٍ، وهو ما يفسر قبولهم "لجنة الإسناد المجتمعي"، مقابل رفضها من قبل سلطة حماية الاحتلال الأمنية في رام الله.

كذلك؛ تزايد التنسيق الحمساوي مع فصائل المقاومة كافّةً، معظم الفصائل الفلسطينية، ما قد يؤسس إلى مشاركةٍ سياسيةٍ كاملةٍ وشاملةٍ، كما حصل في كلّ ما يتعلق بالتفاوض على بنود إنهاء العدوان، وفي "لجنة الإسناد المجتمعي"، وفي الخطاب الإعلامي وسواهم من المسائل.

كذلك نلحظ تراجع الحركة عن سعيها الحثيث لكسب ود أطرافٍ إقليميةٍ وازنةٍ ومؤثرة على علاقة حماس مع المجتمع الدولي، أميركا تحديدًا، أو مع قوى فلسطينية محسوبة على مثل تلك الأطراف الإقليمية، كما في محاولات التنسيق مع التيار الإصلاحي الديمقراطي، محمد دحلان، وداعمه الإماراتي، المنخرط في ما يمكن وصفه بـ"تحالفٍ استراتيجيٍ صلبٍ مع الاحتلال الصهيوني وداعمه الأميركي".

إضافةً إلى ذلك، عادت حركة حماس إلى الالتزام بأهمّ قواعد العمل الفدائي، السريّة، وهو ما ينسجم مع النضال التحرري، ويتناقض مع العمل السياسي التقليدي (السلطوي)، فبعد أشهر عدوان الإبادة الأولى امتنعت قيادة الحركة في غزّة عن تأكيد ادعاءات الاحتلال المتعلقة باغتيال بعض قادة حماس، خصوصًا العسكريين، باستثناء استشهاد القيادي "يحيى السنوار"، الذي تمكن الاحتلال من الاحتفاظ بجثمانه، أيّ امتلاكه دليلاً غير قابلٍ للشكّ، رغم ذلك لم تُعلن حركة حماس عن خليفة السنوار في قيادة الحركة عمومًا، أو حتّى في قيادتها داخل قطاع غزّة، رغم أهمّية المنصبين، وهو ما قد يعني أحد الاحتمالات الثلاثة التالية: إما تأجيل الاختيار وإعلانه في أول فرصةٍ ممكنةٍ بعد إجراء انتخاباتٍ داخليةٍ، أو خشية الحركة اغتيال خليفة السنوار سريعًا، ما دفع الحركة إلى تأجيل الإعلان عن خليفته إلى ما بعد انتهاء العدوان ذاته، أو؛ وهو الخيار الذي يتمناه الكاتب، تبني الحركة آليات العمل السري، بمعنى عدم رغبتها في الإعلان عن تسلسلها القيادي كون الحركة "حركة تحررٍ وطنيٍ" لا حزبًا سياسيًا تقليديًا.

بين سعيٍ سابقٍ لانخراط حماس المؤثر (المهيمن) في الجسم السياسي الفلسطيني، وصولاً إلى سعيٍ حاليٍ أكثر وطنيةً وثوريةً يتجنب الدخول في متاهات العمل السياسي الفاسد والمفسد

ختامًا؛ لا تعني هيمنة تيار حماس التحرري/ المقاوم بالضرورة إطلاق عملياتٍ مقاومةٍ جديدةٍ من قطاع غزّة، بل قد نشهد مستقبلاً تنوعًا أكثر في نوعية العمل المقاوم ومكانه، وصبرًا وتخطيطًا بعيد المدى، وربّما امتناعًا عن تبني العمليات المقاومة علانيةً، أو قد نشهد بناء تشكيلاتٍ مقاومةٍ جديدةٍ تُحاكي تجربة "عرين الأسود"، و"كتيبة جنين". ذلك كلّه مرتبط أولاً؛ بأزمة الاحتلال الداخلية والخارجية، وثانيًا؛ بمتانة حاضنة المقاومة الاجتماعية ورغباتها، وثالثًا؛ برغبة/ أو عدم رغبة المجتمع الدولي في دعم استعادة الفلسطينيين لحقوقهم، ورابعًا؛ تنامي قوّة مجموعة دعم الفلسطينيين وقضيتهم على المستوى العالمي بنمطيها الشعبي والرسمي، وخامسًا؛ بمدى تطور صراع القوى الدولية الكبرى، ما يمنح قوى المقاومة والتحرر متسعًا أكبر للعمل والمقاومة.