خاص | العراق يواصل تسلّم المقاتلين الأجانب المعتقلين لدى "قسد"
استمع إلى الملخص
- أكد ياسر وتوت، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، أن هذه الخطوة تأتي ضمن التعاون الأمني والقضائي الإقليمي، مع إمكانية تسليم مزيد من المتهمين الأجانب لتفكيك المخيمات الإرهابية في سوريا.
- يحق للعراق محاكمة هؤلاء الأفراد وفقاً للقوانين العراقية، مما يعكس جدية العراق في فرض سيادة القانون وملاحقة الجرائم، مع استمرار التعاون الدولي لتسليم المطلوبين.
في تطور أمني لافت في الملف الأمني العراقي ـ السوري، تسلّمت بغداد يوم الجمعة الماضي، من (قوات سوريا الديمقراطية) "قسد"، 47 مقاتلاً أجنبياً يحملون الجنسية الفرنسية من مسلحي تنظيم "داعش"، وذلك تمهيداً لمحاكمتهم أمام القضاء العراقي بتهم الانتماء إلى التنظيم والمشاركة في نشاطاته.
الخطوة تأتي بعد سنوات من مماطلة فرنسية في ملف تسلّم مواطنيها الموجودين بعهدة قوات "قسد" في سجن غويران بالحسكة السورية، قسم كبير منهم من أصول مغاربية عربية. ويسعى العراق لإغلاق ملف المعتقلين الموجودين في سجون "قسد"، ضمن احتياطات أمنية تتعلق بإمكانية فرارهم وتهديدهم الوضع ومنها حدوده الشمالية مع الحسكة.
وأعلن جهاز المخابرات الوطني العراقي، الجمعة، أنه تسلم من الجانب السوري 47 مواطناً فرنسياً ينتمون إلى تنظيم "داعش" الإرهابي ومطلوبين إلى القضاء العراقي. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها نقل مواطنين فرنسيين متهمين بالانتماء إلى تنظيم داعش، من سورية إلى العراق لمحاكمتهم. ففي عام 2019، تسلم العراق من سورية 13 فرنسياً يشتبه بأنهم كانوا ينتمون إلى داعش لمحاكمتهم.
واليوم الأحد، كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر وتوت، لـ"العربي الجديد"، عن قرب تسلّم معتقلين أجانب جدد من الجانب السوري، في إطار سعي بلاده لإغلاق ملف المعتقلين الخطرين الموجودين لدى القوات الكردية بمحافظة الحسكة السورية. وقال إن بغداد تسلمت 47 متهماً يحملون الجنسية الفرنسية "ضمن سعي العراق لإغلاق هذا الملف بأسرع وقت ممكن".
وبين وتوت أنه ستتم "محاكمتهم أمام القضاء العراقي وفق القوانين النافذة، وبما يضمن العدالة والشفافية في الإجراءات القضائية". وتابع أن "الخطوة تأتي في إطار التعاون الأمني والقضائي الإقليمي، وجهود الحكومة العراقية المستمرة لتجفيف منابع الإرهاب وملاحقة عناصره أينما وجدوا، بما يحمي أمن العراق القومي ويعزز الاستقرار في المنطقة".
وأكد أن "هناك إمكانية لاستمرار تسليم مزيد من المتهمين الأجانب خلال الفترة المقبلة، في سياق خطة أشمل لتفكيك المخيمات التي ما زالت تحتضن بقايا التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية، والتي تمثل تهديداً مباشراً لأمن العراق والمنطقة بأسرها، خاصة أن عملية نقل هؤلاء الإرهابيين الأجانب لا تقتصر على بعدها القانوني فحسب، بل تحمل أهمية استراتيجية كبرى، إذ تسهم في تفكيك المخيمات التي تضم عناصر خطيرة من تنظيم داعش وأسرهم، والتي تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العراقي إذا ما بقيت من دون معالجة جذرية".
مشدداً على أن "هذا الإجراء لن يكون الأخير، إذ إن العراق يعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لاستمرار تسلم متهمين آخرين من جنسيات متعددة خلال المرحلة المقبلة، وبما يقطع الطريق أمام أي محاولات لإعادة تجميع هذه العناصر أو استغلالهم في تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، وإننا في لجنة الأمن والدفاع نؤكد دعمنا الكامل لهذه الإجراءات، ونشدد على ضرورة تكثيف الجهود الدولية من أجل إنهاء هذه البؤر الخطرة، وتحقيق الأمن لشعوب المنطقة".
ويستند العراق على قبول تسلمه المقاتلين الأجانب المنتمين إلى تنظيم "داعش"، إلى كونهم ارتكبوا أعمالاً إرهابية داخل الأراضي العراقية، ويشكلون تهديداً على أمنه، وهو ما يتيح للقضاء العراقي محاكمتهم وفقاً للقوانين النافذة. غير أن مسؤول أمني في بغداد، قال لـ"العربي الجديد"، إن بلاده "مضطرة لنقلهم، كون بلدانهم التي يحملون جنسياتها ترفض استقبالهم، ولا نريد بقاء وجودهم في سجن هش على جانب حدودنا"، في إشارة إلى سجن غويران الذي تديره قوات "قسد".
من جهته، قال المستشار العسكري اللواء صفاء الأعسم، لـ"العربي الجديد"، إن "تسلّم العراق 47 إرهابياً فرنسياً من الأراضي السورية يمثل خطوة استراتيجية مهمة لتعزيز الأمن القومي ومكافحة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، خاصة أن هؤلاء الأفراد كانوا ضمن مخيمات شمال سورية، والتي تشكل تهديداً مباشراً للعراق، حيث يسعى تنظيم داعش لاستغلالها لإعادة تنظيم صفوفه والتخطيط لعمليات إرهابية داخل الأراضي العراقية".
وبين الأعسم أن "تسليم هؤلاء الإرهابيين يأتي ضمن تعاون أمني دولي، يهدف إلى تفكيك المخيمات وملاحقة عناصر التنظيم، مع ضمان محاكمتهم أمام القضاء العراقي وفق المعايير القانونية، كما أن العراق يدرس حالياً إمكانية تسلّم دفعات جديدة من الإرهابيين الأجانب خلال الفترة المقبلة، في إطار الاستراتيجية الوطنية لتفكيك شبكات التنظيمات الإرهابية في سورية ومنع أي تهديد محتمل للأمن العراقي". وأكد المستشار العسكري أن "هذه الخطوة تمثل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن العراق ملتزم بحماية حدوده واستقراره، وبقدرته على إدارة ملف الإرهاب بجدية ومهنية، مع الالتزام بالقوانين الدولية والمعايير الحقوقية".
ويؤكد مراقبون أن هذه التحركات لا تنفصل عن جهود بغداد في تحصين أمنها القومي من التهديدات المستمرة التي تشكلها مخيمات الاحتجاز داخل الأراضي السورية، والتي تضم آلافاً من المقاتلين السابقين وعائلاتهم، وسط مخاوف من تحولها إلى بؤر خصبة لإعادة إنتاج الفكر المتطرف. وتثير هذه الخطوات تساؤلات حول قدرة العراق على استيعاب هذا الملف المعقد، والتوازن بين مقتضيات العدالة ومتطلبات الأمن والاستقرار.
في المقابل، قال الخبير في الشؤون القانونية سالم حواس، لـ"العربي الجديد"، إن "تسلم هؤلاء الأفراد يأتي في إطار التعاون القضائي والأمني بين الدول المعنية، ووفقاً للاتفاقيات الدولية المتعلقة بتسليم المتهمين والمطلوبين للعدالة، ومن الناحية القانونية، يحق للعراق محاكمة هؤلاء الأشخاص أمام محاكمه الوطنية وفقاً للقوانين العراقية المعمول بها، مع ضمان حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة لكل منهم".
وتابع حواس "أما بالنسبة لإمكانية استمرار تسليم أجانب آخرين خلال الفترة المقبلة، فهذا يعتمد على الاتفاقيات الثنائية بين العراق والدول المعنية، وكذلك على القرارات القضائية التي قد تصدر بحقهم، ومن المتوقع أن يستمر العراق في استقبال المطلوبين للعدالة من الدول الأخرى إذا توفرت الضمانات القانونية والإجرائية المطلوبة".
وأضاف أن "تسلم بغداد 47 فرنسياً من "قسد" في سورية، تعكس جدية العراق في فرض سيادة القانون وملاحقة كل من ارتكب جرائم على أراضيه، بما في ذلك الأجانب المتورطون في أعمال إرهابية أو جرائم ضد المدنيين، والمحاكمات التي ستجرى في بغداد". وختم الخبير في الشؤون القانونية بالقول إنه "من المرجح أن تستمر عمليات تسليم المطلوبين من الأجانب في المستقبل، وذلك نتيجة التعاون المستمر بين العراق والدول الأخرى، وهو مؤشر واضح على نجاح الدولة في تعزيز الأمن ومواجهة التهديدات العابرة للحدود، خاصة أن تسلم المطلوبين للعدالة يعزز صورة العراق كدولة مسؤولة وقادرة على تطبيق القانون بصرامة، ويبعث برسالة قوية لكل من يحاول المساس بأمن وسلامة البلاد".