دلالات إعلان إسرائيل الانتقال إلى "مرحلة الهجوم الكامل والحاسم"

26 مايو 2025
الاحتلال الإسرائيلي يحشد قواته في محيط قطاع غزّة، 18 مايو 2025 (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توسيع الحرب على غزة: قرر "الكابينيت" الإسرائيلي توسيع الحرب على غزة بعملية "عربات جدعون" للقضاء على حماس، مع تعبئة قوات الاحتياط.

- الدعم الأمريكي وأهداف العملية: تدعم إدارة ترامب العملية بتزويد إسرائيل بالأسلحة، وتهدف العملية للسيطرة على مناطق استراتيجية وهزيمة حماس.

- التحديات السياسية واستمرار الحرب: تسعى إسرائيل لتحقيق "النصر المطلق" قبل الانتخابات، بينما يضغط ترامب لتخفيف الضغط على غزة وإدخال المساعدات.

القرار الذي اتخذه "الكابينيت" الإسرائيلي، بعد انتهاء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الشرق الأوسط في السادس عشر من مايو/أيّار 2025، والقاضي بتوسيع الحرب، التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزّة، من خلال عملية عسكرية أطلق عليها اسم "عربات جدعون"، يبث رسالةً فحواها أن القناعة السائدة لدى المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل هي أنّه حان الوقت للانتقال إلى مرحلة الهجوم الكامل والحاسم في القطاع. وبموجب ما تُروّج له أبواق رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من الممكن أنّ يساهم هذا الهجوم في تحقيق أهداف الحرب، وأهمّها القضاء على حركة حماس، إلى جانب توجيه رسالةٍ شاملةٍ على المستوى الإقليمي.

قبل قرار "الكابينيت"؛ بدأ الجيش الإسرائيلي في إرسال أوامر تعبئة إلى عناصر تشكيلات الاحتياط، تمهيدًا لاستدعاء عشرات الآلاف منهم، بهدف توسيع نطاق الحرب، التي يشنها على قطاع غزّة. ووفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية سيرسل عناصر تشكيلات الاحتياط للحلول محل جنودٍ نظاميين ينتشرون في أنحاء إسرائيل والضفّة الغربية، بحيث يتاح إرسال هؤلاء الجنود للقتال في قطاع غزّة.

إن ما يمكن التنويه إليه، انطلاقًا من قرار "الكابينيت" وفي كل ما يتعلّق بالإجابة عن سؤال: الحرب في قطاع غزّة إلى أين؟، هو ما يلي:

كشف أخيرًا عن سلّم أولويّات القيادة الإسرائيلية الحقيقي، أولًا؛ القضاء على حماس، وبقاء قضية الأسرى هدفًا سطحيًا

أولًا؛ تؤكّد المصادر الحكومية الإسرائيلية أنّ ما سيتم في إطار عملية "عربات جدعون" سيكون المرحلة النهائية والحاسمة للقضاء على بقايا حكم حركة حماس في قطاع غزّة. في الوقت عينه؛ تنقل وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر سياسية مقربة من البيت الأبيض أنّ الرئيس ترامب يدعم إسرائيل في منحى تقويض حكم حماس. وبموازاة ذلك يتوقع أن تكون مدّة هذه العملية العسكرية، والحرب الإسرائيلية عمومًا قصيرةً، وألا تطول "زيادةً عن اللزوم".

وردًّا على ذلك أكّدت مصادر إسرائيلية رسمية أن مرحلة الحسم ستكون قصيرةً، وفق جدولٍ زمنيٍ صارمٍ مع غاياتٍ واضحةٍ، مع ذلك امتنعت هذه المصادر عن تحديد هذا الجدول الزمني. كما كالت المصادر المديح لإدارة ترامب، التي أطلقت قطارًا جوّيًا لتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة، مشيرةً إلى أنّ الجيش الإسرائيلي لم تعد تنقصه أيّة ذخائر، وتتوفر لديه كلّ أنواع الأسلحة، بعد أن أُرسلت إليه من طرف إدارة ترامب.

ثانيًا، أطلق الجيش الإسرائيلي المرحلة الأولى من هجومه المكثف الجديد على قطاع غزة، والذي أُطلق عليه اسم "عربات جدعون"، ويتضمن ضرباتٍ مكثفةً، والسيطرة على مناطق استراتيجية. وجاء في بيانٍ للجيش الإسرائيلي؛ أنه بدأ شنّ هجماتٍ مكثفةٍ، وحشد قواتٍ للسيطرة على مناطق استراتيجية في قطاع غزّة، وذلك ضمن التحركات الافتتاحية لعملية "عربات جدعون"، وتوسيع الحملة على غزّة، لتحقيق جميع أهداف الحرب، بما يشمل إطلاق سراح الأسرى، وهزيمة حماس. وبحسب ساسة إسرائيليين، تتضمن عملية "عربات جدعون" احتلال قطاع غزّة والاحتفاظ بالمنطقة، ودفع السكان المدنيين الفلسطينيين نحو جنوب القطاع، وتفكيك حركة حماس ومنعها من السيطرة على إمدادات المساعدات الإنسانية.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

بموجب ادعاءات وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عادت حماس إلى المفاوضات بفعل إعلان إسرائيل انطلاق عملية "عربات جدعون"، وغيّرت موقفها الذي أبدته حتّى لحظة بدء العملية، إذ عادت المفاوضات من دون وقفٍ لإطلاق النار، ومن دون مساعداتٍ إنسانية.

ثالثًا؛ تبين أن الحكومة الإسرائيلية معنيّةٌ باستمرار الحرب، وهنا يجدر التذكير بأنّ وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، قد أكّد خلال مؤتمر JNS (وكالة الأنباء اليهودية)، الذي عقد في القدس قبل فترةٍ وجيزةٍ، أنّ الحرب ستنتهي خلال عامٍ بحسب تقديراته، وسيجري ذلك في موازاة توقيع اتّفاقيات سلام. ديرمر الذي عيّنه نتنياهو رئيسًا لطاقم المفاوضات بشأن إطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزّة، هو الشخص الأقرب إليه. لذا يُمكن تفسير هذه الأقوال عنه بأنّها ترسم خطّته للعام المقبل. كما شدّدت تحليلاتٌ إسرائيليةٌ متطابقةٌ على أن ما يتعيّن فهمه من أقوال وزير الشؤون الاستراتيجية؛ أنّ نتنياهو ينوي الاستمرار في حالة الحرب هذه عامًا آخر على الأقلّ، كي يُعلن "تحقق النصر المطلق".

كذلك رأت بعض التحليلات أنّه لا يُمكن تجاهُل حقيقة أنّ الجدول الزمني الذي رسمه ديرمر يتماشى مع الوتيرة السياسية التي يسير فيها رئيس الحكومة، فـ"الحرب تسمح ببقائه السياسي وبقاء حكومته. إضافةً إلى أنّ استمرار القتال يوجد لنتنياهو فرصًا في الوصول إلى الانتخابات العامة المقبلة مع إنجازاتٍ، إمّا على صعيد إطلاق الأسرى، وإمّا اتّفاقيات السلام".

تنقل وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر سياسية مقربة من البيت الأبيض أنّ الرئيس ترامب يدعم إسرائيل في منحى تقويض حكم حماس

في هذا الخصوص تحديدًا، كشف أخيرًا عن سلّم أولويّات القيادة الإسرائيلية الحقيقي، أولًا؛ القضاء على حماس، وبقاء قضية الأسرى هدفًا سطحيًا. وتعتبر المؤسسة السياسية أنّ حماس لن تقبل إطلاق جميع الأسرى، لذلك يجب الامتناع عن الذهاب إلى هذا الاتجاه. وثمة من استنتج أنّ رؤية نتنياهو وديرمر، حسبما كُشف عنها في الوقت الحالي، تتماشى مع الأقوال العلنية التي صدرت عن عضو "الكابينيت" بتسلئيل سموتريتش، الذي قال إن إطلاق الأسرى ليس هدف الحرب الأهمّ.

بالرغم من ذلك؛ أكّد مصدرٌ مقربٌ من نتنياهو، إثر عملية "عربات جدعون"، أنّ الحرب على قطاع غزّة ستستمر بالحدّ الأقصى حتّى بداية فصل الشتاء المقبل.

رابعًا، تؤكّد المنابر التي تعمّم رسائل نتنياهو، ومنها "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن" (JISS)، أنّ مفتاح تحقيق أهداف الحرب يكمن بالأساس في تدمير حماس، عسكريًا وسياسيًا، أيّ القضاء التام على هذه الحركة كيانًا يسيطر على قطاع غزّة ميدانيًا، هذا الشرط أساسيٌ، لكن وعلى الرغم من ضرورته فإنّه بحدّ ذاته غير كافٍ، ويمكن الافتراض بأنّه حتّى في حال إيجاد بديلٍ سلطويٍ في القطاع مستقبلًا بعد هزيمة حماس، فإنّ التيارات العميقة ستستمر، وفي ظلّ هذه الظروف سيكون "تشكيل تهديدٍ جديدٍ لإسرائيل من قطاع غزّة" مُجرّد مسألة وقتٍ. لذا فإنّ الشرط المحوري لتحقيق هدف الحرب، القاضي بعدم وجود تهديدٍ لإسرائيل من قطاع غزّة على المدى الطويل، يتطلّب؛ في عرف هذا المعهد، سيطرةً أمنيةً كاملةً على قطاع غزّة، من خلال الوجود الميداني (وفق النموذج القائم في الضفّة الغربية منذ عملية "السور الواقي"، عام 2002)، وليس من خلال السيطرة عن بُعد (على غرار نمط السيطرة الذي اعتمدته إسرائيل في القطاع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023).

خامسًا، يؤكّد المعهد السالف نفسه، الذي ليس من المبالغة تقدير أنّه يعكس موقف نتنياهو وحكومته، أنّه من أجل تحقيق الهدوء لأعوامٍ طويلةٍ فإنّ إسرائيل مطالَبةٌ، من ناحيةٍ استراتيجيةٍ، إمّا "بتنفيذ برنامجٍ فعّالٍ وسريعٍ" لإزالة ما تصفه بأنّه "تطرّفٌ" وهو احتمالٌ ضعيف التحقق، وإمّا بتحقيق رؤية الرئيس الأميركي ترامب، "الهجرة الطوعية لسكان غزّة إلى دول العالم"!

بالنسبة إلى قضية الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزّة، فإنّ الاعتقاد الذي تروّج له هذه الأبواق، والمُتبنى من طرف نتنياهو، هو أنّ السيطرة الكاملة على قطاع غزّة، وانتزاع مسؤولية توزيع المساعدات من يد حماس من شأنهما أن يمثّلا رافعة ضغطٍ حيويةٍ تدفعها إلى قبول صفقة تبادلٍ تشمل، من ضمن أمورٍ أخرى، خروجًا آمنًا لعناصرها من القطاع.

سادسًا، على الرغم من كلّ ما تقدّم ما زال الإجماع السائد في إسرائيل هو أن الشخص الوحيد القادر على تغيير المعادلة تغيرًا جوهريًا يظلّ الرئيس ترامب، الذي لا يبدي اهتمامًا كبيرًا بغزّة، ولديه اهتماماتٌ مهمّةٌ أُخرى، في مقدمتها حرب الرسوم الجمركية، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والاتّفاق النووي الآخذ في التبلور بين الولايات المتّحدة وإيران.

أكّدت مصادر إسرائيلية رسمية أن مرحلة الحسم ستكون قصيرةً، وفق جدولٍ زمنيٍ صارمٍ مع غاياتٍ واضحةٍ

كما نستطيع استشعار مثل هذا الأمر لدى أبواق نتنياهو، إذ يبني بعضها توقعاته المقبلة، ومنها أنّه يجب الأخذ في الاعتبار أنّ نافذة الفرصة التي أُتيحت لإسرائيل للعمل بحرّيةٍ، شبه مطلقةٍ في غزّة، وهي تقرّ بأنّها حريّةٌ غير مسبوقةٍ في تاريخ حروب إسرائيل كلها، توشك على الإغلاق، وهناك تلميحاتٌ لذلك في تصريحات الرئيس ترامب في الأيّام الأخيرة، التي قال فيها إنه يتوقع من نتنياهو تخفيف الضغط على قطاع غزّة، والسماح بإدخال المساعدات والغذاء، كما أعرب عن أمله في إنهاء الحرب. وتتابع التحليلات نفسها، يدركون في إسرائيل تمامًا أن ترامب هو الحَكَم النهائي، وإذا ما غيّر موقفه فسيُجبر نتنياهو على تغيير مساره، حتى لو تسبب ذلك بانهيار ائتلافه الحكومي!