دور المسيّرات الروسية يتزايد في حرب أوكرانيا

12 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
مسيّرة "غيران" الروسية في كييف، 6 يونيو 2025(توماس بيتر/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- لعبت المسيّرات دورًا حاسمًا في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث استخدمت أوكرانيا مسيّرات "بيرقدار" لتدمير الدبابات الروسية، بينما اعتمدت روسيا على مسيّرات "شاهد" الإيرانية وبدأت في إنتاج "غيران 2" محليًا.
- شهدت روسيا زيادة بنسبة 540% في إنتاج "غيران 2"، مما سمح لها بتنفيذ هجمات ضخمة على أوكرانيا، وطورت تقنيات تمويهية ومسيّرات بعيدة المدى مثل "شاهد 238".
- اعتمدت أوكرانيا على شبكات الكشف الصوتي وفرق إطلاق النار المتنقلة لمواجهة المسيّرات، لكن الهجمات المستمرة تستنزف دفاعاتها الجوية وتزيد من تعقيد الوضع العسكري.

منذ الأيام الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، برز دور المسيّرات الروسية والأوكرانية، وتناقلت الوكالات العالمية مقاطع فيديو لتدمير دبابات ومدرعات روسية بواسطة مسيّرات "بيرقدار" التركية التي تستخدمها كييف، فضلاً عن توقف طوابير أخرى عن التقدم خوفاً من مصير مشابه. وفي حين استطاعت أوكرانيا الاستفادة بشكل أكبر من تجارب حرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، واستعانت بتركيا للحصول على "بيرقدار" لدعم أسطولها المحلي المتطور نوعاً ما من المسيّرات، كانت تجربة روسيا أكثر تواضعاً في بداية الحرب. وبعد شهور لجأت موسكو إلى حليفها الإيراني من أجل الحصول على مسيّرات "شاهد"، التي يتكرر اسمها يومياً منذ مطلع عام 2023، في تغطية هجمات المسيّرات الروسية على المدن والبلدات الأوكرانية. ورغم نجاحها في تطوير أنواع جديدة من المسيّرات الروسية في السنوات الأخيرة، ظلت مسيّرات "شاهد 136" المكون الأساسي في أسطولها الذي يستهدف العمق الأوكراني، تحت مسميات مختلفة بعد إطلاق الإنتاج في الداخل الروسي.


إنتاج المسيّرات الروسية من نوع "غيران 2" نما بنحو 540% في عامٍ واحد

زيادة إنتاج المسيّرات الروسية

وكشفت الهجمات الروسية الأخيرة عن زيادة كبيرة في أعداد هذه المسيّرات، إضافة إلى تغيرات نوعية لتمكينها من تجاوز شبكة أوكرانية معقدة من الحماية، وتحسين أدائها عسكرياً واستخباراتياً وزيادة قدرتها التدميرية. ونقلت مجلة "فوربس أوكرانيا" عن مديرية الاستخبارات الرئيسية في أوكرانيا إعلانها، الاثنين الماضي، أن روسيا أنتجت الشهر الماضي نحو 2700 طائرة مسيّرة "غيران 2"، وهو الاسم الروسي للمسيّرات الإيرانية من طراز "شاهد 136". وحسب مصادر المجلة، فإن إنتاج المسيّرات الروسية من هذا النوع نما بنحو 540% مقارنة بإنتاج مايو/ أيار 2024، وحينها لم يتجاوز الإنتاج 500 مسيّرة شهرياً. وبالاستعانة ببيانات وزارة الدفاع الأوكرانية، كشفت "فوربس أوكرانيا" أن روسيا أطلقت منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية شهر مايو/أيار الماضي ما يقرب من 13 ألف مسيّرة من نوع "شاهد"، بعضها كان لأغراض التمويه ولا يحتوي على متفجرات.

في مطلع شهر يونيو/حزيران الحالي، أفادت وزارة الدفاع الأوكرانية بأن الجيش الروسي أطلق 472 مسيّرة من نوع "شاهد" في أضخم هجوم بالمسيّرات منذ بدء الحرب. وبعدما كانت الهجمات تنفّذ بعشرات المسيّرات الروسية بدا أن توسع الإنتاج منح موسكو قدرة على زيادة عدد المسيّرات المهاجمة بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، ومن غير المستبعد أن تتحول الهجمات بمئات المسيّرات الروسية يومياً إلى حدث روتيني في حال استمرار معدلات الإنتاج الروسية الحالية، والاستيراد من إيران. وفي خريف 2022 ظهرت تقارير عن تزويد إيران روسيا بمسيّرات "شاهد 131" و"شاهد 136" لاستخدامها في الحرب في أوكرانيا. وبعد ذلك بوقت قصير، بدأت إيران برنامج نقل التكنولوجيا على نطاق واسع لتسهيل إنتاج هذه الأنظمة في روسيا تحت مسميات أبرزها "غيران 2". وحسب تحقيقات صحافية وتقديرات استخباراتية غربية وثقتها صور الأقمار الاصطناعية، فقد أنتجت روسيا ستة آلاف مسيّرة من طراز "غيران 2" في 2024 في مصنعين، الأول في منطقة ألابوغا الاقتصادية الخاصة في جمهورية تتارستان، والثاني في ايجيفسك في الأورال شرقي روسيا.


"فوربس أوكرانيا": أطلقت روسيا نحو 13 ألف مسيّرة في العام الحالي نحو أوكرانيا

إجراءات تمويهية روسية

وحسب تحقيق موقع "القصص المهمة" الاستقصائي صيف العام الماضي، بدأ تشغيل مصنع ألابوغا في مطلع عام 2023. وكان موقع الإنتاج يتألف من مستودعين بمساحة تقريبية تبلغ 80 ألف متر مربع. وكشفت صور نشرها تحقيق "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في الشهر الماضي، وتعود إلى شهر إبريل/نيسان الماضي، أن حجم المنشأة قد تضاعف، مع وجود خمسة مبانٍ جديدة على الأقل في محيط الموقع الأصلي. وقال خبراء المعهد إن ثلاثة من المباني الجديدة تحتوي على نفس الأقفاص المضادة للمسيّرات التي تم تحديدها في الموقع الأصلي، وهو إجراء احترازي اتّبعته روسيا للتمويه في أعقاب الهجوم الأوكراني على المصنع في إبريل 2024. وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، نقلت وكالة "رويترز" في تقرير عن جهات استخباراتية أوكرانية وأوروبية أن روسيا أطلقت خط إنتاج لمسيّرات بعيدة المدى في مدينة إيجيفسك في الأورال تحت اسم "غاربيا أي ألف 1" وهي مسيّرات تحاكي "شاهد 136" ولكن طورتها شركة "الماز أنتي" بمحركات صينية.

وتعد ضربات المسيّرات الروسية الضخمة ذروة سنوات من العمل الدؤوب في مصانع الدفاع الروسية. وبعدما كانت روسيا تشتري مسيّرات "شاهد" من إيران في البداية، بدأت في عام 2023 بإنشاء مصانع لتجميع ومن ثم تصنيع المسيّرات إيرانية التصميم داخل الأراضي الروسية. وأتاح لها هذا التحكم الأكبر في الإنتاج فرصة لتسريع وتيرة تصنيع مسيّرات "شاهد" تحت مسميات مختلفة. في الآونة الأخيرة، زودت روسيا مسيّرات "غيران 2" بمنظومتي "غربيرا" و"باروديا". وتهدف هذه المنظومات التمويهية البسيطة وميسورة التكلفة إلى إرباك الدفاعات الجوية الأوكرانية ورسم مسار للجسم الطائر. وطورت روسيا تدريجياً مسيّراتها بعيدة المدى وأدخلت تحسينات كثيرة. وأظهرت التحقيقات في مسيّرات "شاهد" التي أُسقطت، أن روسيا غلّفتها بطبقات من الكربون، ما يجعلها مقاومة لاكتشاف الرادار من خلال امتصاص الموجات بدلاً من عكسها. كما زودتها ببطاقات اتصال (SIM cards) لتمكينها من نقل البيانات إلى روسيا عبر شبكات الهاتف المحمول.

وفي 20 مايو الماضي، أفادت وسائل الإعلام الأوكرانية بأن روسيا طوّرت أيضاً الرؤوس الحربية التي تُزوّد بها مسيّراتها، ونقلت صحف أوكرانية عن مسؤولين دفاعيين قولهم إن "شاهد" بدأت باستخدام رؤوس حربية جديدة حارقة ومتشظية، مما يزيد من الأثر التدميري للضربة الجوية عبر إشعال الحرائق ونشر كميات كبيرة من الشظايا. ومع التحديث المستمر للمسيّرات ونظراً لثمنها الزهيد مقارنة بالصواريخ، ازداد اعتماد الجيش الروسي عليها كثيراً في الأشهر الأخيرة. وباتت روسيا قادرة على إطلاق مئات المسيّرات شهرياً نحو أهداف في عمق أوكرانيا من دون أن تكترث لعدد المسيّرات التي تُفقد في الطريق. في المقابل، تجد كييف نفسها مضطرة للتفكير في كيفية اعتراض جميع المسيّرات الروسية من دون أن تتكبّد تكاليف باهظة. وتزداد صعوبة المشكلة في ظل حاجة أوكرانيا الشديدة إلى منظومات الدفاع الجوي المحدودة أساساً على خطوط الجبهة، لإسقاط الطائرات الحربية الروسية، ما يجعل مسألة تحديد الأولويات مسألة شائكة.

مسيّرات "شاهد"

ويُفاقم هذا التحدي استخدام روسيا أخيراً مسيّرات "شاهد" الوهمية، وهي مسيّرات لا تشكل خطراً كبيراً بذاتها نظراً لأنها لا تحمل رؤوساً حربية، لكنها تشكّل معضلة لمنظومات الدفاع الجوي الأوكرانية التي لا تستطيع دائماً تمييزها عن المسيّرات الضاربة. وفي 27 مايو الماضي، قال المتحدث باسم قيادة القوات الجوية الأوكرانية، العقيد يوري إهنات، إن القوات الروسية تنشر عدداً متزايداً من المسيّرات الوهمية من دون رأس حربي لإجهاد أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية. وأوضح إهنات لصحيفة "إر بي كا أوكرانيا" أن هذه المسيّرات المُقلّدة لا تحمل رؤوساً حربية، وتُطلق بأعداد كبيرة لتحويل موارد الدفاع الجوي الأوكراني واستنزافها. ويُعدّ هذا التكتيك جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً لتعقيد كشف التهديدات والاستجابة لها. وقال إهنات: "في الهجمات الأخيرة، هناك قرابة 60% من المسيّرات قادرة على الضرب، وكانت النسبة المتبقية مسيّرات وهمية من دون متفجرات".

روسيا تنشئ خط إنتاج لطائرة "شاهد 238" التي تعمل بالطاقة النفاثة

وحسب تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في إبريل الماضي، سعت روسيا إلى تعزيز القدرات التشغيلية لمسيّراتها من خلال إدخال تعديلات تقنية على "غيران"، وتشمل التطويرات دمج هوائيات جديدة مقاومة للتشويش ومزودة بنمط استقبال متحكم به، وإدخال رؤوس حربية مختلفة، واستخدام روابط بيانات يمكنها استخدام شبكة الهاتف المحمول الأوكرانية. ووفقاً للمخابرات العسكرية الأوكرانية، فإن روسيا تقوم حالياً بإنشاء خط إنتاج لطائرة "شاهد 238" التي تعمل بالطاقة النفاثة. وفي مواجهة تصاعد هجمات المسيّرات الروسية على مدنها وقراها، اعتمدت أوكرانيا عدة تدابير مبتكرة لمواجهة التهديد الذي تشكله مسيّرات "شاهد" ونظيراتها الروسية. ومن بين هذه التدابير شبكات الكشف الصوتي منخفضة التكلفة التي توفر إنذاراً مبكراً بالتهديدات المقبلة، وفرق إطلاق نار متنقلة مزودة بمدافع رشاشة مثبتة على سيارات الدفع الرباعي، والتي أثبتت فعاليتها في تحييد "شاهد" بتكلفة معقولة. وبالإضافة إلى ذلك، عززت أوكرانيا قدراتها في مجال الحرب الإلكترونية، مستخدمةً تقنيات التشويش والخداع، التي تسبّبت في انحراف مسيّرات "شاهد" عن أهدافها المقصودة وعودتها إلى المجال الجوي الروسي أو البيلاروسي. وفي الآونة الأخيرة، بدأت أوكرانيا في تطوير وإرسال مسيّرات اعتراضية متخصصة لتحييد "شاهد". وأسهمت هذه التدابير، إلى جانب مشاكل الجودة والموثوقية في مسيّرات "شاهد" المنتجة بكميات كبيرة، في انخفاض نسبة نجاح المسيّرات في الوصول إلى أهدافها.

الصواريخ الاعتراضية الأوكرانية

في الوقت ذاته، تواصل أوكرانيا استخدام الصواريخ الاعتراضية المتطورة لمواجهة هجمات "شاهد"، مما يزيد الضغط على أنظمة الدفاع الجوي التي تعاني أصلاً من نقص، ومن المرجح أن يشتد هذا الضغط مع توسيع روسيا قدرتها الإنتاجية وتحسين الأنظمة المستخدمة وصقل تكتيكاتها العملياتية. ورغم أن البيانات الرسمية الأوكرانية تفيد بأنها تسقط ما يزيد عن 80% من المسيّرات الروسية (على سبيل المثال في هجمات مطلع الشهر الحالي قالت أوكرانيا إنها أسقطت 382 مسيّرة من أصل 472)، فإن روسيا تجني فوائد كبيرة من الهجمات المكثفة بالمسيّرات التي تعد زهيدة مقارنة بالصواريخ البالستية والمجنحة. كما تنهك الهجمات المتواصلة الدفاعات الجوية الأوكرانية. وفي ظل التقلّبات المحيطة بالدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا، تبدو كييف أكثر عرضة لاحتمال نفاد الذخائر المخصصة لمنظوماتها الدفاعية المتقدمة. وهذا بدوره يجعل من هجمات "شاهد" المتواصلة عاملاً معقّداً يعيق قدرة أوكرانيا على اعتراض الصواريخ الواردة، التي تحمل رؤوساً حربية أكبر بكثير، والتي عادة ما تستهدف مباني ومنشآت حيوية. وإضافة إلى تدمير البنى التحتية للطاقة، وخطوط الإمداد العسكرية الأوكرانية، وبعض المصانع الصغيرة، فإن التقنيات الحديثة في مسيّرات "شاهد" بنسختها الروسية توفر كنزاً استخباراتياً عبر تحديد نقاط الضعف في الدفاعات الأوكرانية، ونقل صور تحدد أماكن المصانع العسكرية الكبيرة لاستهدافها بالصواريخ البالستية والمجنحة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فالمسيّرات المزودة برؤوس متفجرة ثقيلة لا تستطيع الوصول إلى المناطق الأوكرانية البعيدة عن الجبهة.