استمع إلى الملخص
- تتطلب إعادة الإعمار تمويلاً ضخماً بقيمة 53 مليار دولار، مع قيود إسرائيلية على المساعدات. التمويل العربي قد يكون مشروطاً سياسياً، والملف الأمني يتطلب توافقاً فلسطينياً وضمانات لمنع الفوضى.
- تمتلك مصر أدوات دبلوماسية وقانونية لتعزيز موقفها، مثل معاهدة السلام واتفاقية المعابر، مما يسمح بإدخال المساعدات. يمكن تعزيز التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية وتشكيل قوة أمنية مدعومة عربياً.
تقول مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إن لجنة من دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين، تابعة لرئاسة الجمهورية المصرية، تعكف منذ أمس الأربعاء، على صياغة رد القاهرة على الموقفين الأميركي، والإسرائيلي الرافضين للخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة والتي اعتمدتها القمة العربية الطارئة أمس الأول، الثلاثاء. وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، يرجح أن تتم صياغة بيان رسمي يصدر عن وزارة الخارجية. ورفضت الولايات المتحدة الاقتراح المصري الذي تمت الموافقة عليه خلال القمة العربية وأكدت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال متمسكاً بخطته لإجلاء سكان غزة. ويقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي برايان هيوز، أول من أمس الثلاثاء، إن "سكان قطاع غزة لا يمكنهم العيش بشكل إنساني في منطقة مدمرة ومليئة بالذخائر غير المنفجرة"، مشدداً على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب متمسك برؤيته لإعادة إعمار غزة دون وجود حركة حماس. كما هاجمت إسرائيل، البيان الختامي للقمة، زاعمة أنه "فشل في معالجة حقائق الوضع بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول" 2023، وحثت دول الإقليم على "التحرر من قيود الماضي والتعاون لخلق مستقبل من الاستقرار والأمن في المنطقة".
عقبات أمام تنفيذ خطة القمة العربية
وتقول مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الخطة المصرية العربية لمستقبل قطاع غزة التي تمت الموافقة عليها في القمة العربية تواجه عقبات عديدة، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، ما يجعل تنفيذها أمراً بالغ التعقيد، موضحة أن أكبر العقبات الرفض الأميركي والإسرائيلي لها، ما يعني أن الخطة المصرية العربية لا تمتلك حالياً غطاءً دولياً قوياً يدعم تنفيذها، ما يفتح المجال أمام استمرار العراقيل السياسية واللوجستية.
مصادر دبلوماسية مصرية: تواجه الخطة تحديات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بإدارة قطاع غزة سياسياً وأمنياً بعد انتهاء الحرب
وتوضح المصادر أنه على المستوى الداخلي، تواجه الخطة التي تمت الموافقة عليها في القمة العربية تحديات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بإدارة قطاع غزة سياسياً وأمنياً بعد انتهاء الحرب، إذ تنص على تشكيل إدارة مدنية مؤقتة تتولى الإشراف على غزة على أن تتكون من شخصيات مستقلة وتكنوقراطية، لا تضم أي ممثلين عن حركة حماس، غير أن هذا الطرح قد يواجه معارضة من حماس، التي لا تزال تملك نفوذاً سياسياً وعسكرياً في غزة، حتى بعد الدمار الذي لحق بها نتيجة الحرب. وفي المقابل، فإن السلطة الفلسطينية، التي يُفترض أن تستعيد السيطرة على غزة وفقاً للخطة المصرية العربية، التي لا تمتلك النفوذ أو القوة الأمنية الكافية لفرض سيطرتها على الأرض. فمنذ خروجها من القطاع عام 2007، لم تتمكن السلطة من العودة إليه، وليس لديها جهاز أمني قادر على ملء الفراغ الذي قد ينشأ في حال انسحاب القوات الإسرائيلية. ومع استمرار الانقسام الفلسطيني، فإن إمكانية تشكيل إدارة مدنية جديدة تتطلب درجة عالية من التوافق السياسي، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن.
وإلى جانب هذه التعقيدات، أضاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال مشاركته في القمة العربية عنصراً جديداً إلى المشهد بإعلانه عن استحداث منصب نائب لرئيس السلطة الفلسطينية، وإصدار عفو عام عن المفصولين من حركة فتح، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لإعادة ترتيب البيت الفتحاوي استعداداً لما بعد الحرب. وهذه الخطوة فتحت الباب أمام عودة شخصيات كانت مستبعدة من المشهد الفلسطيني.
كذلك تواجه إعادة إعمار غزة نفسها تحديات هائلة. فإسرائيل لا تزال تفرض قيوداً صارمة على إدخال المساعدات ومواد البناء إلى القطاع، وهو ما قد يعطل أو يبطئ عملية الإعمار. كما أن مسألة التمويل تظل قضية محورية، إذ إن إعادة بناء غزة تتطلب مليارات الدولارات قدرتها الخطة بشكل أولي بـ53 مليار دولار، ورغم أن الدول العربية، خصوصاً الخليجية، قد تعهدت بالدعم المالي، فإن استمرار تدفق هذه الأموال قد يكون مشروطاً بترتيبات سياسية معينة، وهو ما يضيف مزيداً من الضغوط على الأطراف الفلسطينية والعربية المعنية بالخطة.
وفي السياق، يؤكد دبلوماسيون تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن لمصر التوجه نحو إقامة تعاملات اقتصادية وتجارية والحصول على تسهيلات استثمارية مع التكتلات العالمية مثل الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين، ولكن بتقييم دقيق للتوازنات حتى لا تتأثر علاقة مصر بالولايات المتحدة خاصة في ظل إدارة ترامب. كما أن الملف الأمني أيضاً يشكل أحد أكبر العوائق أمام تنفيذ أي ترتيبات جديدة في غزة. فالقطاع يعاني من دمار واسع في بنيته التحتية المدنية والعسكرية، وإعادة بناء مؤسساته الأمنية تتطلب درجة عالية من التوافق الفلسطيني، وضمانات عربية ودولية بعدم وقوع غزة في حالة من الفوضى الأمنية. ومع غياب اتفاق واضح بشأن من سيتولى المسؤولية الأمنية في غزة بعد الحرب، فإن أي ترتيبات سياسية تظل هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة.
أدوات مصرية
وتؤكد المصادر أنه بالرغم مما تواجهه الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة التي تمت الموافقة عليها في القمة العربية من تحديات كبيرة، أبرزها الرفض الأميركي -الإسرائيلي، لكنها تظل قابلة للتنفيذ إذا توفرت إرادة سياسية عربية موحدة، وتم توظيف الأدوات المتاحة بفعالية. حيث تهدف الخطة إلى منع التهجير القسري، وتأمين استقرار القطاع، وإعادة السلطة الفلسطينية إليه، في ظل بدائل أخرى تسعى إلى فرض إدارة دولية أو تهجير السكان وتحويل غزة إلى مشروع استثماري يخدم المصالح الإسرائيلية. وتقول المصادر إنه من الناحية الدبلوماسية، تمتلك مصر ثقلاً إقليمياً ودولياً يمكنها استثماره في تعزيز موقفها، فهي ليست مجرد وسيط في القضية الفلسطينية، بل طرف رئيسي له موقع جغرافي محوري يؤهله للعب دور فاعل. وتوضح أنه يمكن للقاهرة الدفع بالخطة إلى الأمام من خلال تصعيد الموقف عربياً ودولياً في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، ويمكنها توظيف علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، خاصة مع الدول التي تبدي تحفظات على السياسات الإسرائيلية مثل فرنسا وإسبانيا وأيرلندا، إلى جانب تعزيز التنسيق مع روسيا والصين اللتين تسعيان إلى تقويض الهيمنة الأميركية في المنطقة، ما يفتح المجال أمام دعم بديل عن الولايات المتحدة.
أيمن سلامة: لدى مصر أدوات أمنية يمكن توظيفها للضغط في اتجاه تنفيذ خطتها
وعلى الصعيد القانوني، تمتلك مصر أدوات يمكن استخدامها لإلزام إسرائيل ببنود معينة تتعلق بغزة، استناداً إلى اتفاقيات دولية قائمة. وتأتي معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية (كامب ديفيد) واتفاقية المعابر لعام 2005 أدوات ضغط مهمة، إذ تمنح الأخيرة مصر والسلطة الفلسطينية حق الإشراف والتحكم في معابر غزة، خصوصاً معبر رفح. وبموجبها، تستطيع القاهرة إدخال المساعدات الإنسانية ومواد الإعمار دون الحاجة إلى موافقة إسرائيلية مباشرة، ما يمنحها مساحة للتحرك حتى مع استمرار التعنت الإسرائيلي. كما أن أي محاولة إسرائيلية لعرقلة دخول المساعدات قد تُعرضها لاتهامات دولية بانتهاك القانون الإنساني وارتكاب جرائم حرب.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة أن الدول تمتلك العديد من الأدوات القانونية التي يمكن استخدامها ضد إسرائيل، إلا أنها تتردد في تفعيلها بسبب الضغوط الأميركية وردود الفعل المحتملة. ويوضح أنه وعلى الرغم من أن الخيار العسكري ليس مطروحاً، فإن لمصر أدوات أمنية يمكن توظيفها للضغط في اتجاه تنفيذ خطتها. ويقول، لـ"العربي الجديد": يعد معبر رفح ورقة مهمة في هذا السياق، كونه الشريان الوحيد لغزة في ظل الحصار الإسرائيلي، حيث تستطيع القاهرة تنظيم تدفق المساعدات وفق أولوياتها وربط ذلك بالقبول الدولي للخطة. علاوة على ذلك، يمكن تعزيز التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية والعمل على تشكيل قوة أمنية فلسطينية مدعومة عربياً لإدارة غزة خلال المرحلة الانتقالية، وهو ما سيجعل الخطة أكثر قبولاً على المستوى الدولي باعتبارها خطوة نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية.