سورية الجديدة من الدمار إلى النهضة؟

01 ابريل 2025
الاحتفالات في دمشق بإعلان اتفاق وقف إطلاق النار، 16 /1 /2025 (حسام هاك عمر/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العلاقات السورية-الإسرائيلية تتسم بالتوتر، حيث ينفذ الاحتلال ضربات جوية لمنع التهديدات، بينما تلتزم سوريا بـ"الاحتفاظ بحق الرد"، مما يثير تساؤلات حول تفاهمات سرية بين الطرفين.

- بعد الثورة السورية، ركز الاحتلال على محاربة النفوذ الإيراني، مما زاد من تعقيدات الوضع السوري اقتصاديًا واجتماعيًا، ويتطلب بناء دولة قوية مشاركة وطنية شاملة.

- يسعى الاحتلال لتطبيق مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي يتطلب إضعاف سوريا، بينما تحتاج الدول الإقليمية إلى ضمان استقرارها لمواجهة المشروع، مما قد يؤدي إلى تحالفات جديدة.

كانت العلاقات بين سورية والاحتلال الصهيوني متوترةً دائمًا، إذ كان الاحتلال يعتبر الجيش السوري وحزب الله، المدعوم من دمشق، تهديدًا له، رغم أنّ الجبهة بين البلدين كانت هادئةً منذ حرب تشرين 1973، إلّا أنّ الاحتلال نفذ ضرباتٍ جويةً متكررةً، مثل قصف موقع الكبر النووي المزعوم في 2007، لمنع أيّ تهديدٍ محتملٍ. في المقابل كان "الاحتفاظ بحقّ الرد في الزمان والمكان المناسبين"، الرد الوحيد لنظام الأسد على كلّ اعتداءٍ نفذه الاحتلال، إضافةً لهذا الرد كان هناك العديد من المؤشرات التي فتحت الباب أمام التساؤلات والأقاويل عن وجود تفاهماتٍ سريةٍ بين الطرفين.

لا يمكن القول بوجود "تحالفٍ" بين نظام الأسد والاحتلال الصهيوني، لكن من الواضح أنّها تفاهماتٌ غير معلنةٍ، تضمن لكلّ طرفٍ تحقيق مصالحه من دون الدخول في مواجهةٍ مباشرةٍ، فالنظام احتاج البقاء، والاحتلال أراد تحجيم إيران، وهكذا يستفيد الطرفان من دون اعترافٍ رسميٍ بهذه العلاقة السرية.

لم يتغير الوضع كثيرًا بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، مع تركيز الاحتلال على محاربة النفوذ الإيراني في سورية، مستغلًا فرصة دخول حزب الله وإيران على خط دعم النظام السوري، هنا بدأ الاحتلال يكثف غاراته الجوية لضرب مستودعات الأسلحة والقواعد العسكرية التي يراها خطرًا عليه، بل لم يسلم الجيش السوري نفسه من الضربات الصهيونية، بحجة منع تهديداتٍ مستقبليةٍ.

إنّ بناء الدولة شرطٌ أساسيٌ لمواجهة التحديات، وشعور السوريين بأنّهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لهم مصلحةٌ مشتركةٌ بوطنٍ مشتركٍ، هو شرطٌ أساسيٌ لبناء سورية قويّة

ما زالت التهديدات الإسرائيلية لسورية اليوم مستمرةً، كما يواصل الاحتلال الصهيوني استهداف الأراضي السورية، فمنذ اللحظات الأولى لسقوط الأسد استهدف الاحتلال كامل الجغرافية السورية، ما أدى إلى تدمير جل ترسانة الأسلحة التي كان نظام الأسد قد خزنها على مدى سنواتٍ، هذه الغارات ما زالت تتكرر بنمطٍ شبه يوميٍ.

كما وسع الاحتلال من احتلاله للأراضي السورية، واحتل مساحةً تفوق مساحة الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، وأصبح على مشارف العاصمة دمشق، بعد سيطرته على العديد من المواقع الاستراتيجية، لعل أهمّها قمة جبل الشيخ، التي تكشف مساحاتٍ واسعةً تغطي أربعة دول.

يُشعر الوضع السوري الحالي بنيامين نتنياهو بأنّ الفرصة باتت متاحةً لتطبيق مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي طرحه نتنياهو ضمن سياقاتٍ مختلفةٍ، بهدف إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالح سياسيةٍ وأمنيةٍ واقتصاديةٍ محددةٍ، كما يرتبط تنفيذه بتحقيق أهدافٍ رئيسيةٍ عدّة، منها: تعزيز التطبيع الإقليمي، وتقليل التركيز على القضية الفلسطينية. تفكيك دول المنطقة، أو تحويلها إلى دولٍ فاشلةٍ، وضمان تفوق وسيطرة الاحتلال في المنطقة، اقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا.

يصب "الشرق الأوسط الجديد" مباشرةً في مصلحة أوروبا والاحتلال الصهيوني، إذ تضمن السيطرة الصهيونية على المنطقة بعد اتمام عملية التطبيع مع الدول الخليجية، وتحديدًا مع السعودية؛ وضع حجر الأساس لمشروعَي (الخط الهندي الأوروبي) الاستراتيجي، وخط أنابيب غاز شرق المتوسط.

تمثّل سورية عقدةً استراتيجيةً يجب حلّها لضمان تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، لأنّها البديل الأهمّ لموانئ فلسطين المحتلة، من دون الحاجة إلى التطبيع السعودي- الصهيوني، ومن دون استبعاد قطر وتركيا من المشروع، والحل الصهيوني لهذه العقدة هو إضعاف وتفتيت سورية، وإبقاؤها دولةً فاشلةً تعتاش على المساعدات الدولية.

لم يتغير الوضع كثيرًا بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، مع تركيز الاحتلال على محاربة النفوذ الإيراني في سورية، مستغلًا فرصة دخول حزب الله وإيران على خط دعم النظام السوري

بعد تدمير سورية اقتصاديًا واجتماعيًا، إضافةً إلى تدمير البنية التحتية والأبنية السكنية، سَهّل نظام الأسد مهمة الاحتلال في سورية، وما زاد الطين بلةً الآن هو قوى الأمر الواقع المسيطرة في سورية، من هيئة تحرير الشام إلى قوات سورية الديمقراطية، وصولاً إلى بعض المرجعيات الدينية، وهذه القوى تزيدُ من الانقسام المجتمعي، من خلال محاولة التفرد، أو الدخول في نظام محاصصةٍ.

على اعتبار هيئة تحرير الشام الوريث الأساسي لنظام الأسد يقع عليها النقد الأكبر، إذ لم ترث الهيئة دولةً متهالكةً فحسب، بل ورثت العديد من الأساليب الأسدية في قمع وتقسيم الشعب السوري، لتكلل مؤخرًا بمجازر طائفيةٍ، راح ضحيتها المئات من المدنيين في الساحل السوري، كما أنّ سلسلة المسرحيات التي كان آخرها الإعلان الدستوري، إضافةً إلى التعيينات الحكومية التي اعتمدت على المحسوبية على حساب الكفاءة، زد على ذلك الخطاب الطائفي المنتشر، ذلك كلّه يدفع السوريين إلى التقوقع والتصلب قوميًا وطائفيًا، في وقتٍ تشتد الحاجة فيه إلى تضافر جهود الجميع، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، في سبيل إعادة بناء دولةٍ قويةٍ تكون قادرةً على حماية سيادتها ومواطنيها.

إذًا إنّ بناء الدولة شرطٌ أساسيٌ لمواجهة التحديات، وشعور السوريين بأنّهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لهم مصلحةٌ مشتركةٌ بوطنٍ مشتركٍ، هو شرطٌ أساسيٌ لبناء سورية قويّة. لذلك لا يجوز لأيّة قوىً في سورية احتكار السلطة، بل لا بدّ من مشاركة مختلف فئات الشعب، ومختلف ممثّليه على أسسٍ وطنيةٍ جامعةٍ، تضمن مبدأ العدالة للجميع. هذا ما لا يبدو عليه واقع الحال، فمن الواضح أنّ هيئة تحرير الشام تحاول الاستئثار بالسلطة، وكذلك الحال مع قوات سورية الديمقراطية، التي تسعى من جانبها إلى نظام محاصصةٍ مع الحكومة في دمشق، والقوتان تراهنان على داعميهما الإقليميين أو الدوليين.

كما يجب على دول المنطقة أن تعي مصلحتها الحقيقية ببناء سورية قويّةٍ قادرةٍ على مواجهة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي سيجرد العديد من الدول الدولية والإقليمية من أبعادٍ استراتيجيةٍ مهمّةٍ، ولعل أكثر الدول تضررًا هي الصين، وإيران والعراق وتركيا وقطر، لذلك تحتاج هذه الدول إلى ضمان استقرار وسيادة سورية، كونها المفتاح البديل لأيّ مشروعٍ بديلٍ في المنطقة، عالميًا أو عربيًا.

قد تقود مصلحة تلك الدول المشتركة إلى تحالفٍ ما، حتّى مع أعداء الأمس، كما أنّ بناء تحالفاتٍ جديدةً ندية الطابع سيساهم في معالجة الاقتصاد، الذي يفترض أن يصبح اقتصادًا تنمويًا، فالدول المدمّرة لا يمكن لها اعتماد اقتصاد السوق الحر، يتطلب بناء الاقتصاد توفر كوادر مؤهلةٍ، لذا لا بدّ من تطوير المؤسسات التعليمية، بخططٍ مدروسةٍ؛ كي تكون قادرةً على رفد الاقتصاد بالكوادر المطلوبة.

هذا كلّه يتطلّب الاستقرار، الذي لا يمكن له أن يشهد النور إلّا بنشر الوعي، وثقافة التسامح في المجتمع، وفرض قوانين تضمن المساواة الكاملة للسوريين كلّهم، بمختلف المحافظات. إنّ الوضع السوري معقدٌ ومتشابكٌ، وكلّ شرطٍ مرتبطٍ بغيره، والبداية تكون بدولة المواطنة الديمقراطية، لأن التعثر ببناء دولةٍ لكلّ السوريين سيدفع باتجاه موجةٍ ثوريةٍ جديدةٍ، التي كلّما كانت ممتدةٌ على كامل الجغرافية السورية، ولها قياداتٌ ثوريةٌ، كانت أقرب إلى النجاح.

المساهمون