عامان على فتح حزب الله جبهة الإسناد: الثمن يتخطى التقديرات
استمع إلى الملخص
- حزب الله استهدف جذب قوات الاحتلال إلى شمال فلسطين وتهجير المستوطنين لتخفيف الضغط على غزة، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك لمنع حرب شاملة، رغم اغتيال قادته.
- بعد وقف إطلاق النار، ركز حزب الله على ترتيب وضعه الداخلي ومواجهة التحديات الإقليمية، مع التأكيد على عدم تسليم سلاحه رغم الخسائر الكبيرة.
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن حزب الله افتتاح جبهة الإسناد اللبنانية على "طريق تحرير ما تبقى من أرض لبنان المحتلة، وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية المظفرة والشعب الفلسطيني المجاهد والصابر"، ونفذ عمليته الأولى، التي تبنّتها "مجموعات القائد الحاج الشهيد عماد مغنية"، باستهداف مواقع الرادار، وزبدين، ورويسات العلم الإسرائيلية، لتبدأ بذلك المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وتتوسع تدريجياً. وبقي حزب الله متمسّكاً بمعادلة "وحدة الساحات" لحين التوصّل إلى اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لوقف الأعمال العدائية، برعاية أميركية فرنسية، وذلك بعدما توسّع العدوان الإسرائيلي لبنانياً. مع العلم أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف والخروقات مستمرة يومياً وقد تجاوزت الـ4500 خرق.
قرار حزب الله بفتح جبهة الإسناد
وقرّر حزب الله بحسب ما أعلنه أمينه العام نعيم قاسم في خطاب قبل نحو شهر، خوض حرب الإسناد لجذب عدد كبير من قوات جيش الاحتلال إلى منطقة شمال فلسطين المحتلة، كما تهجير المستوطنين لخلق أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية في شمال فلسطين، وإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى بين الجنود الإسرائيليين. وهو ما يسهم، وفقاً لقاسم، في التقليل من القدرات الموجودة في منطقة غزة وغلاف غزة، والتخفيف عن أهل غزة، وهو ما يعطي رسالة للإسرائيليين بأنهم سيواجهون على جبهتين وبالتالي الأفضل لهم أن يوقفوا الحرب. حزب الله الذي أكد عدم التنسيق المسبق معه في معركة طوفان الأقصى، حرص خلال الفترة الأولى من فتح جبهة الإسناد على إبقاء المعارك ضمن قواعد الاشتباك، التي سرت عقب العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، منعاً لما كان يسمّيه تحقيق الأهداف الإسرائيلية بجرّه نحو حرب شاملة.
مصدر نيابي في حزب الله: الحزب على مسار الترميم والتعافي وعلى جهوزية للدفاع عن لبنان لمواجهة إسرائيل
وفضّل الحزب الدخول بعملية المساندة بشكل محدود ومراقبة التطورات، وذلك قبل أن تبدأ إسرائيل بتكثيف عملياتها، وتزيد من اغتيالاتها لقادة حزب الله في لبنان، ومن ثم توسّع عدوانها في سبتمبر/أيلول 2024، لتشتدّ العمليات العسكرية المتبادلة، خصوصاً بعد تفجيرات البيجر والاتصالات (يومي 16 و17 سبتمبر 2024) واغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله
(27 سبتمبر 2024) ومن ثم خلفه هاشم صفي الدين (الثالث من أكتوبر 2024).ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر الماضي، التزم حزب الله بالوقوف خلف الدولة اللبنانية، تاركاً للحكومة مسؤولية مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمرّ، وإعادة الإعمار، بينما انشغل أكثر بترتيب وضعه الداخلي بعد الخروقات الأمنية في بنيته، وما أظهرته إسرائيل من تفوق تقني واستخباراتي خلال المعركة. كذلك، بدأ دراسة خياراته ومواقفه لمواكبة التغييرات الإقليمية الكبرى التي حصلت سواء في سورية (سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024) أو إيران (الحرب الإسرائيلية عليها بين 13 يونيو/حزيران الماضي و24 منه)، وتلك المحلية، مع تراجع نفوذه داخلياً، في ظلّ عهد جديد في لبنان، أولى مهامه حصر السلاح بيد الدولة، وسط ضغوط دولية، خصوصاً أميركية، ورسائل إسرائيلية بالنار شبه يومية.
في الإطار، يقول مصدر نيابي في حزب الله لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب فتح جبهة الإسناد، لدعم فلسطين وللضغط العسكري على إسرائيل بجبهة أخرى وبالتالي تخفيف الضغط على جبهة غزة، وحرص على أن تكون ضرباته ضمن قواعد الاشتباك، وبسقوف مقبولة، لأنه ما كان يوماً يريد الحرب الواسعة، لكن إسرائيل رفعت مستوى عملياتها، وارتكبت مجازر كبرى، وقتلت قادة ووسعت عدوانها، متجاوزة كل الخطوط". وبرأي المصدر نفسه: "صحيح أن حزب الله تعرّض لضربات قوية، أبرزها تفجيرات أجهزة البيجر والاتصالات، واغتيال نصر الله وصفي الدين وقادة في صفوفه، ولكنه آلم بدوره العدو، بعدما لملم وضعه، وملأ الشواغر في المواقع، ونفذ سلسلة عمليات طاولت العمق الإسرائيلي ومواقع ذات أهمية كبرى إسرائيلياً، فكان أن تعرّض العدو لخسائر كبرى بما في ذلك اقتصادية ومادية".
وبحسب المصدر، فإنّ "حزب الله اليوم يعيد بناء قوته، وهو على مسار الترميم والتعافي وعلى جهوزية للدفاع عن لبنان لمواجهة إسرائيل، لكنه يترك اليوم الكرة في ملعب الدولة، وعلى الحكومة أن تتحمّل مسؤولياتها بذلك، إلا أنه في الوقت نفسه للصبر حدود، فلا يمكن الصمت طويلاً عن الاعتداءات الإسرائيلية اليومية"، مشيراً إلى أن "جبهة الإسناد التي فتحها حزب الله حققت الكثير من أهدافها، ونحن اليوم في مرحلة جديدة تتطلب مقاربات مختلفة". ويرى المصدر أن حزب الله "ليس بموقع ضعيف، كما يحاول البعض إظهاره، فهو أولاً منع العدو من تحقيق الكثير من أهدافه، ومن التقدم برياً، وخاض الحزب معركته رداً على العدوان، ولم يكن يريد الحرب يوماً، كما أنه متمسّك اليوم أكثر من أي وقت مضى بعدم تسليم سلاحه في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وبقاء الاحتلال في جزء من الأراضي اللبنانية عدم إطلاقه سراح الأسرى اللبنانيين لديه".
من جهته، يقول الكاتب السياسي خلدون الشريف لـ"العربي الجديد" إنه "نظرياً لم يكن بإمكان حزب الله إلا أن يتدخل لأن سرديته الفكرية والعقائدية والسياسية قامت على قاعدة فلسطين والقدس، وبالتالي لم يكن لديه خيار ثانٍ إلا التدخل، من هنا لا يمكن القول إنه أخطأ أم لا بالدخول بالحرب". ويعتبر الشريف أن "حرب الإسناد التي دخلها حزب الله من دون أدنى شكّ أساء في حسابها، فظنّ أن توازن القوى يسمح له بأن يدخل بحرب محسوبة، لكن حسابات الإسرائيلي كانت مختلفة تماماً، فاستطاع للمرة الأولى أن يستمر بحرب لسنوات، وهو أمر غير مسبوق بالحروب الإسرائيلية العربية". ويضيف: "وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ومن ثم اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يحترمه الإسرائيلي، ورغم خرقه المستمرّ له لا يزال يحصل على دعم دولي كبير للاستمرار في عمليات الضرب والقصف والقتل الممنهج، فيما حزب الله عاجز أو لا يرغب بالردّ بشكل أو بآخر". ويردف: "بالتالي نستطيع أن نقول إن حرب الإسناد خسّرت حزب الله قياداته الأساسية على رأسهم نصر الله، كما خسّرته ما سمّي بالردع الذي استمرّ منذ عام 2006 حتى عام 2024".
خلدون الشريف: ظنّ حزب الله أن توازن القوى يسمح له بأن يدخل بحرب محسوبة، لكن حسابات الإسرائيلي كانت مختلفة
وحول خطاب حزب الله بشأن استعادته عافيته وجاهزيته للدفاع بمواجهة إسرائيل، يقول الشريف: "لا دليل على صحة الخطاب، وقد يقول ذلك لتحسين وضعه التفاوضي الداخلي، خصوصاً أن الانتخابات النيابية قريبة، في مايو/أيار المقبل، ما يعني أن الجميع يحتاج لشدّ العصب، خصوصاً أن خطاب حزب الله لم يعد مرتبطاً بالحزب فقط بل على صعيد الطائفة الشيعية، في خطوة تأتي لخدمة الانتخابات وتحسين الظروف الانتخابية للحزب، إضافة إلى رفع معنويات بيئته".
خسائر كبيرة
من جانبه، يقول الكاتب السياسي حسن الدرّ، لـ"العربي الجديد"، "حرب الإسناد على المستوى العسكري كبّدت الحزب خسائر تاريخية وكبيرة، فخسر على صعيد القادة، على رأسهم نصر الله وصفي الدين، وقيادات عسكرية بعضها كان من مؤسسي الحزب، وكذلك على مستوى القدرات العسكرية، وخسارة المعادلات التي كان الحزب يفرضها على إسرائيل منذ عام 2006، إلى جانب عدد الشهداء، والجرحى، والدمار، والتهجير من بعض القرى الحدودية الجنوبية، وبقاء إسرائيل في نقاط تحتلها جنوباً، فهذه خسائر لا يمكن لأحد أن ينكرها".
في المقابل، يرى الدرّ أن "نصر الله (والحزب) ربح مصداقيته ومعركة الأخلاق والقيم، وبقي ثابتاً على موقفه بعدما ترك العالم كلّه غزة، فدفع دماءً ثمن هذه المواقف"، مشيراً إلى أننا "لا ننسى أيضاً في حرب 66 يوماً (عدوان أيلول)، الحزب ثبت على الأرض رغم كل الخسائر التي تعرّض لها، فمنع إسرائيل من أن تجتاح برّاً، رغم حجم النيران الإسرائيلية التي كانت تفوق الوصف، وأتى اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت إسرائيل عليه".