كلب بوتين ومبرّر "فنّ الممكن" في مذكّرات أنجيلا ميركل

05 ديسمبر 2024
أنجيلا ميركل في مسرح دوتشي ببرلين، 26 نوفمبر 2024 (أود أندرسون/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة أنجيلا ميركل: عادت ميركل إلى الساحة الإعلامية عبر مذكراتها "الحرّية"، متزامنة مع عودة ترامب واستمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، مما يثير تساؤلات حول تأثير سياساتها السابقة.
- محتوى المذكرات: تدافع ميركل عن سياساتها وتصف بوتين بالكذاب، معترفة بتساؤلاتها حول قراراتها، مؤكدة أن ما فعلته كان ضمن الممكن.
- العلاقات الدولية والتحديات: تتناول ميركل علاقتها مع ترامب، وتصف بريكست بالإهانة، وتدافع عن سياستها تجاه اللاجئين، مشيرة إلى ضغوط جسدية ونفسية وراء مغادرتها السلطة.

عاد اسم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إلى التداول مجدداً، مع ترويجها كتاب مذكراتها "الحرّية"، إثر انقطاع طويل لها عن المشهد السياسي والإعلامي، منذ مغادرتها منصبها في عام 2021، إثر أربع ولايات في الحكم. ويأتي صدور مذكّرات أنجيلا ميركل في وقت يعود فيه دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، هو الذي كان سبباً في توتر العلاقات بين واشنطن وبرلين حين كانت ميركل لا تزال مستشارة، واختبرت الصدام معه حول رؤيتين مختلفتين لـ"العالم الحرّ". كما يأتي الكتاب مع تواصل الغزو الروسي لأوكرانيا وبلوغه منعطفاً يهدّد بأن يصبح التلويح بالسلاح النووي في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، أمراً طبيعياً حول العالم. إلا أن الكتاب، من وجهة نظر ناقدين، لم يحمل جديداً، و"لا يستدعي التأمل"، وفق تعبير مجلة فورين بوليسي الأميركية، إذا ما قيس بما يمكن أن تحمله ذاكرة ميركل من أسرار سياسية، لاسيما في ما يتعلّق بالصراع الغربي مع روسيا، التي استعادت في كتابها تجربة تقصّد رئيسها فلاديمير بوتين "إخافتها" بكلبه، وهي قصة روتها ميركل في السابق عشرات المرّات.

وحطّت ميركل أخيراً في العاصمة الأميركية واشنطن، للترويج لكتاب مذكراتها من 700 صفحة، "الحرية: ذكريات 1954-2021"، الذي يمكن اعتباره اختصاراً لتجربة مُلهمة، لسيّدة وصفت بالمرأة الحديدية، صعدت إلى السلطة من ألمانيا الشرقية الشيوعية، لتتبوأ منصب المستشارة الألمانية، للمرة الأولى في تاريخ بلادها، في عام 2005، ولأربع ولايات متتالية.

دافعت ميركل عن الكثير من سياساتها التي وضعتها في إطار "فنّ الممكن"

وفي الكتاب، دافعت ميركل عن الكثير من سياساتها والتي وضعتها في إطار "فنّ الممكن"، في ظلّ الكثير من التحديات التي واجهت فترة حكمها، أبرزها ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، وأزمة اللاجئين واليورو، وتحديات المناخ، ووصول ترامب إلى السلطة، وكذلك دور ميركل المفصلي في معارضة انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو). وبحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن الكتاب لم يبرّئ ميركل من المسؤولية في الكثير من الأحداث، إذ يأتي صدوره، في وقت تعيش فيه ألمانيا أزمة حكم، وتنتظر انتخابات تشريعية مبكرة في فبراير/شباط المقبل، مع انهيار ائتلاف أولاف شولتز، من الحزب الديمقراطي الاجتماعي. وبينما كانت ميركل ربما تتوقع أن تلقى مذكراتها لدى الجمهور، طوقاً لحنين فترة حكمها، إلا أن مسؤولية ما، بدأ يلقيها الألمان على سياساتها، في ما وصلت إليه البلاد، وكذلك الغزو الروسي، والانفتاح التجاري على الصين، رغم الإجماع على أنها مستشارة محبوبة من الشعب. وفي كل ذلك، لا تتضمن مذكّرات أنجيلا ميركل أي اعتذار.

بوتين في مذكّرات أنجيلا ميركل

ولا يمكن إخفاء التأثير الذي تركته ميركل خلال فترة حكمها على الكثير من الأحداث العالمية، إلى حدّ اعتبارها "قائدة العالم الحرّ" وليس أميركا، مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 2017. وفي مذكراتها، تروي ميركل كيف طلب منها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، خلال عشاء في ذلك العام قبل مغادرته السلطة، البقاء في منصبها ومواجهة ترامب، حين أطلعته على رغبتها في اعتزال العمل السياسي، في ذلك العام.

ويحضر أوباما في فعاليات الترويج لكتاب مذكّرات أنجيلا ميركل في الولايات المتحدة، حيث يمثل مع المستشارة الألمانية السابقة، طبقة من السياسيين الذين يمكن وصفهم بالليبراليين، بمواجهة مدّ اليمين المتطرف حول العالم، وارتفاع أصوات السياسات الانكفائية. وأرادت ميركل تسليط هذا التشابه مع أوباما، بغض النظر عن صداقتهما العميقة، للترويج للكتاب.

وأشاد أوباما خلال فعالية مع ميركل في واشنطن أول من أمس، بالمستشارة السابقة "الودودة والمتحفظة، والتي تهتم بالحقائق والتحليل"، في إشارة إلى خلفيتها العملية وتخصصها في الكيمياء. وكُتبت مذكّرات أنجيلا ميركل قبل انتخابات الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الأميركية، التي فاز بها ترامب بولاية جديدة، لكن ميركل تحفظت عن الإشارة إليه في جولتها، معربة عن أملها أن تنتخب الولايات المتحدة يوماً سيّدة للحكم.

وتتضمن مذكّرات أنجيلا ميركل (70 عاماً)، الكثير من الفصول، ابتداء من طفولتها وولوجها عالم السياسة من ألمانيا الشرقية الشيوعية، إلى علاقتها بأزمات العالم حتى أزمة كورونا في نهاية عهدها، مع معاصرتها أربعة رؤساء أميركيين وأربعة رؤساء فرنسيين، بالإضافة إلى علاقتها الجدلية مع بوتين، والتي قد تكون أكثر الفصول جذباً في الكتاب.

ولا تقدم المستشارة الألمانية السابقة أي اعتذار للقرّاء، والألمان، عن سياسات اتخذتها، وتقرّ بأنها تساءلت مراراً ما إذا كان بالإمكان فعل أفضل مما فعلته، لحماية السوق الأوروبية وعدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتفادي الحرب الأوكرانية، ما يقودها إلى أنه خلال فترة حكمها، لم يكن بالإمكان فعل أكثر من المتاح، ما يجعلها غير شاعرة بالندم.

وصفت ميركل بريكست بالإهانة وبوتين بالكذاب

وتطرقت ميركل في الكتاب إلى "مناورات استعراض القوة" التي أجادها بوتين، واستذكرت، في قصص روتها سابقاً، كيف جعلها تنتظره خلال قمة الدول الثماني الكبرى التي استضافتها برلين في 2007 رغم أن "أكثر ما لا تتحملّه، عدم احترام المواعيد"، وكذلك زيارتها لمنتجع سوتشي على البحر الأسود في ذلك العام، حين انضم كلب بوتين من فصيلة لابرادور، كوني، إلى الصورة التذكارية بينهما، رغم علم بوتين بخوفها من الكلاب. وكتبت: "بدا أن بوتين يستمتع بالموقف، لكني لم أثره أمامه، ملتزمة بشعاري: لا تشرح أبداً، ولا تتذمر أبداً".

وفي لقاء آخر بينهما، أشار بوتين أمامها إلى منازل خشبية في سيبيريا، حيث قال لها إن "شعباً فقيراً كان سهلاً إغواؤه عاش هنا، وهذه المجموعات تمّ تشجيعها لاحقاً بالمال الأميركي للمشاركة في ثورة أوكرانيا البرتقالية في عام 2004". وأضاف أمامها: "لن أسمح أبداً أن يحصل أمر كهذا في روسيا". وقالت المستشارة السابقة في مذكراتها إن الزعيم الروسي أزعجها بـ"استعلائه" في خطاب بميونخ عام 2007، عندما تراجع عن محاولات تقارب بين روسيا والولايات المتحدة، وأنه "بدا كشخص دائم التحفظ لا يريد أن يعامل بشكل سيئ، وهو مستعد من أجل ذلك أن يستخدم كل الوسائل للبروز، بما في ذلك استعراض القوة بكلبه، وجعل الناس ينتظرونه" في إشارة إلى ما هو معروف عنه لناحية تقصّده التأخر عن مواعيده مع المسؤولين. ورأت أن "المرء قد يرى ذلك طفولياً... لكنه لن يمحي روسيا عن الخريطة".

ولذلك، دافعت ميركل في كتابها، عن صفقة حل لشرق أوكرانيا أبرمت في 2015، وعن شراء بلادها الغاز من روسيا، وأكدت أنه كان من الصواب مواصلة العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع روسيا حتى مغادرتها السلطة. وعن معارضتها ضمّ أوكرانيا لـ"ناتو"، أكدت أنها أرادت تجنب رد فعل عنيف من روسيا، لكن ذلك أحبط الأميركيين. وأكدت أنها لم تعتقد أن بوتين كذب عليها في البداية قبل "كل أكاذيبه الوقحة"، ولكنها قالت إنه كذب لاحقاً، عندما تعلق الأمر باستيلائه على القرم. رغم ذلك، ناشدت المستشارة الألمانية السابقة خلال ترويجها للكتاب، روسيا وأوكرانيا بالعمل لحلّ ديبلوماسي، ولكن "لا ينبغي لروسيا أن تكسب الحرب".

العلاقة مع ترامب

ومن ناحية أخرى، علّقت ميركل أيضاً على سياسة الهجرة، معترفة بأنّ الحد من الهجرة غير النظامية أفضل حل لصعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي المناهض للهجرة.

أما عن علاقتها بترامب، فرأت أنها بحثت عن علاقة "متناسبة... دون الانجرار للرد على كل الاستفزازات"، واعتبرت أنه "مفتون" ببوتين وبالزعماء الديكتاتوريين. وعن بريكست، أوضحت بأن الانسحاب هو "مثال لما يمكن أن يحدث من حسابات خاطئة"، مؤكدة أن "لم يكن أمامها أي احتمال ممكن لتجنب الانسحاب" الذي وصفته بـ"الإهانة" للمجموعة الأوروبية.

ومن بين أكثر التحديات التي واجهت عهدها، تدفق اللاجئين في 2015، وهو ما دافعت عنه ميركل أيضاً باعتبار "أنه لم يكن لألمانيا الحق في غلق الحدود"، مقرّة في الوقت ذاته بأن ذلك جعل اليمين المتطرف في بلادها "أقوى اليوم". وبشأن قرارها مغادرة السلطة بعد 16 عاماً من الحكم، تطرقت إلى ثلاثة حوادث ظهرت فيها علناً وهي ترتجف، لافتة إلى أن الأطباء أكدوا لها أن ذلك غير مرتبط بمرض عصبي بل هو "نتيجة استجابة جسدها للضغوط وتراكمات السنين".

وفي ردّ منه على كتاب مذكّرات أنجيلا ميركل الذي بات في الأسواق، قال الكرملين الأسبوع الماضي، إن وصفها للقاءاتها مع بوتين في عام 2007، يعكس تحيزها. ورأى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "إذا كتبت هي شيئاً كهذا، فإنها ربما لم تكن منفتحة على الحوار كما كان بوتين". وأضاف أن من المرجح أنها كانت تتخذ موقفا داخليا مناهضا لروسيا آنذاك، حتى وإن كان لا يمكنه أن يجزم بذلك. وقال إن بوتين أراد من خلال إدخال كلبه إلى غرفة المفاوضات خلق أجواء مريحة. وكان بوتين أكد أنه اعتذر لميركل عندما علم بخوفها من الكلاب. وقال الأسبوع الماضي: "أنجيلا، أعتذر، لم أكن أقصد أن أسبب لك أي إزعاج"، لكن وفقاً لميركل، فإن الوفد الألماني حينها "كان نقل طلبها المسبق إلى الجانب الروسي بإبعاد الكلب عنها".

(العربي الجديد)

تقارير دولية
التحديثات الحية