هل تعود العلاقات بين الرباط ودمشق من بوابة الصحراء؟

12 فبراير 2025
أحمد الشرع خلال مؤتمر صحافي في دمشق (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد المغرب ترقبًا سياسيًا بشأن مستقبل العلاقات مع سوريا، حيث تظل قضية الصحراء محورًا رئيسيًا في تحديد مسار هذه العلاقات، مع اتصالات محدودة بين وزيري خارجية البلدين ورسالة تهنئة من الملك محمد السادس.
- يرى محللون أن العلاقات تعتمد على موقف النظام السوري الجديد من قضية الصحراء، مع نية لفتح صفحة جديدة والتركيز على التعاون في مجالات مثل الأمن ومكافحة الإرهاب.
- أكد عبد الفتاح الفاتيحي على أهمية تطوير العلاقات على أسس جديدة تدعم السيادة الوطنية، مع دعوة لتعزيز التعاون الثنائي في إعادة إعمار سوريا وتجاوز الخلافات السابقة.

يسود الترقب السياسي في المغرب انتظارا لما سيؤول إليه مسار العلاقات بين دمشق والرباط في ضوء الاتصالات التي تجري منذ انتصار الثورة السورية، وذلك بعد سنوات من القطيعة والخلاف خلال عهد النظام السابق.

وتلقي عدد من الملفات بظلالها على مستقبل العلاقات الثنائية ومدى قدرة البلدين على تجاوز خلافات الماضي، وإعادة فتح السفارة المغربية في دمشق وتفعيل التعاون الدبلوماسي والسياسي في عدة ملفات، على رأسها قضية الصحراء.

وفي وقت اقتصر التواصل السياسي بين المغرب الرسمي والنخب السياسية السورية الجديدة إلى حد الساعة على اتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين، ورسالة تهنئة من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى أحمد الشرع بعد تعيينه رئيسا لسورية خلال المرحلة الانتقالية، دون أن يتطور الأمر إلى إيفاد وزير الخارجية ناصر بوريطة أو إعادة فتح سفارة المغرب المغلقة منذ عام 2012، يُطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كانت الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين ستفضي إلى تطبيع العلاقات وتجاوز الملفات التي كانت تقف عائقا أمام قيام علاقات طبيعية بين البلدين قبل سقوط نظام الأسد.

وبحسب محللين مغاربة، فإن مستقبل العلاقات بين الرباط ودمشق يتوقف بدرجة أولى على تعاطي الحاكمين الجدد في سورية مع ملف الصحراء الذي يشكل بوصلة السياسة الخارجية للمملكة و"النظارة التي ينظر بها إلى العالم" على حد تعبير العاهل المغربي. وشكلت قضية الصحراء منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي عنوانا بارزا لتوتر العلاقات والصراع بين الرباط ودمشق، حين اصطف الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مع ليبيا والجزائر في بدايات إنشاء جبهة "البوليساريو".

وفي الإطار، رأى الباحث في الدراسات السياسية والدولية، حفيظ الزهري، أن العلاقات المغربية السورية "تتجه بعد سقوط نظام الأسد نحو الوضوح، خصوصاً في ظل رغبة النظام الجديد بفتح صفحة جديدة مع المملكة ومراجعة عدد من المواقف المسيئة للعلاقات بين البلدين التي سادت في عهد النظام السابق لاسيما الموقف من الوحدة الترابية للمملكة التي تبقى من أبرز الملفات التي تواجه عودة تلك العلاقات إلى سكتها الطبيعية وتطويرها".

وقال الزهري في حديث لـ"العربي الجديد"، إن للنظام الجديد في دمشق نيات لإعادة سورية إلى حاضنتها العربية وتطبيع العلاقات مع الدول التي كانت لنظام الأسد قطيعة معها، مشيراً إلى أن مبادرة العاهل المغربي بمراسلة الشرع بمناسبة تعيينه رئيسا في المرحلة الانتقالية تدخل في سياق التعبير عن نيات المملكة الحسنة لفتح صفحة جديدة.

وبحسب الباحث المغربي، إن هناك آفاقا للمزيد من تطوير العلاقات بين البلدين وتبادل الخبرات في عدد من المجالات لاسيما المجال الأمني، وذلك لامتلاك المملكة "تجربة كبيرة في محاربة الإرهاب يمكن أن يستفيد منها النظام الجديد"، معتبرا أن "المطلوب اليوم هو فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية السورية، في وقت ترفع مطالب من الداخل السوري إلى النظام الجديد بهذا الخصوص؛ فالشعب السوري أظهر طموحه إلى علاقات متينة وواضحة مع المملكة المغربية".

واعتبر أن تهنئة الملك محمد السادس للرئيس السوري الانتقالي تفيد بإمكانية وجود تنسيق بين دمشق والرباط مستقبلا على كافة الأصعدة، مضيفا: "ننتظر تغييرا في مواقف النظام السوري على مستوى الأمم المتحدة، وإعلان مواقف جديدة ومتقدمة من قضية الصحراء المغربية التي يجب أن تكون من بين ملفات ذات أولوية ومن المفروض أن يُجرى بخصوصها نقاش بين الرباط ودمشق".

من جهته، قال مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" المغربي عبد الفتاح الفاتيحي، إنه يسجَّل اهتمام بالغ بإعادة تطوير العلاقات المغربية السورية على أساس سليم، لافتا إلى أن ذلك بدا من خلال رسالة التهنئة التي بعث بها الملك محمد السادس إلى الشرع. كما سبق ذلك إجراء وزير الخارجية المغربي محادثات مع نظيره السوري بشأن آفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث أعلن بوريطة دعم الرباط للشعب السوري وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، مشيرا إلى ضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة.

وأوضح الفاتيحي لـ"العربي الجديد"، أن الرباط "اعتمدت نهجا دبلوماسيا ذكيا في التعاطي مع الشأن السوري مكرسة التزامها بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأخذت مسافة واضحة من النظام السابق، وأغلقت سفارتها بعد التصعيد الذي شهدته الأراضي السورية، وهو ما يؤهلها اليوم للارتكاز على التغيرات التي طرأت على المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد لتجاوز الخلافات التي أثرت على العلاقات الثنائية. وبالتالي فتْح آفاق جديدة للتعاون تفرز إمكانيات واقعية لإعادة بناء العلاقات بين البلدين على أسس مشتركة".

وأضاف أن "أسس التعاطي التي تشمل تعزيز علاقات التعاون مع سورية ستبنى على مبدأ دعم السيادة الوطنية والترابية للبلدين"، مبينا أن المملكة المغربية "تمتلك رصيدا مهما من علاقات التعاون الدولي، وهي مؤهلة لتقديم الدعم والإسناد لإعادة إعمار سورية في مجالات التكوين المهني والفلاحة والمياه والبنية التحتية والصحة والتربية والتكوين وغيرها من القطاعات التي تعرف تطورا هائلا بالمملكة".

وكانت لافتةً خلال الأيام الماضية دعوة "جبهة الإنقاذ الوطني في سورية" كلا من الرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، وأسعد الشيباني، عميد الدبلوماسية السورية، "من باب العرفان بالجميل والحرص على الأخوّة السورية المغربية"، إلى "إصلاح كل الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها النظام البائد في حق العلاقات التاريخية بين سورية والمغرب". ودعت الجبهة، في مذكرة لها الأسبوع الماضي، السلطة الجديدة في دمشق إلى "المبادرة بقطع العلاقة مع جبهة البوليساريو"، و"الاعتراف بالسيادة الكاملة للمملكة المغربية على صحرائها وافتتاح مكتب قنصلي في مدينة العيون كبرى مدن المحافظات الصحراوية المغربية، واتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز العلاقات الثنائية".

المساهمون