استمع إلى الملخص
- المقاومة الفلسطينية ليست عبثية، بل هي جزء من حركة تحرر عالمية ضد المشروع الصهيوني الاستعماري، كما أظهرت وثيقة حماس 2017، مما يتطلب صموداً طويلاً.
- في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يُطرح تساؤل حول فعالية التضامن العربي الحقيقي في تغيير النظرة العالمية للقضية الفلسطينية.
بالعامية الفلسطينية يُقال: "مش يا طُخه أو اكسر مخه". وثمة حالة عربية، ليست طارئة لدى البعض تصر على اتخاذ مواقف تقوم على كسر جمجمة الحدث وأصحابه. منذ توقف الحرب على لبنان واصل البعض انفصامه الممتد منذ أكثر من عام، باعتباره من ناحية جبهات إسناد غزة "تمثيلية"، ثم في ناحية أخرى يبدي غضبه لوقف إطلاق النار. ببساطة هم غير مقتنعين بجدوى المقاومة بالأصل ثم يهاجمونها إذا ما قبلت وقف الحرب. وفي شطحات هؤلاء فإن ما جرى ويجري يُرد إلى "أوامر إيرانية". ومن حيث يدرون أو لا يدرون يوجهون سهام طعن وتشكيك بالفعل المقاوم في فلسطين، باعتباره "مرتبطاً بأوامر خارجية". ولعل ذات الرهط سيظهر أكثر "ثورية" إذا ما ذهبت المقاومة في غزة إلى اتفاق وقف النار.
صحيح أن ذم المقاومة والتشكيك بجدواها أو منطلقاتها ليس جديداً في حياة الشعوب، بمن فيها التي قاومت الاحتلال النازي، حيث كان ثمة من يهاجمها ويعتبرها "تخريباً ومخربين" (كما في الحالة الدنماركية مثلاً، حتى 1945). مع ذلك فهذا التيار الناطق بالعربية ينفخ أحياناً بسردية صهيونية، يقودها مستعربون صهاينة، تصل إلى حد تبرير الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، بتحميل الفعل المقاوم والضحايا مسؤولية تلك الجرائم. بالمناسبة، جربت فلسطين ذلك الأمر منذ ثورة 1936 ثم في ثورتها المعاصرة منذ 1965، متوسعاً باسم "الاعتدال" منذ "الجنوح" نحو السلم المقلوب على رأسه في أوسلو 1993، ذلك دون أن يعترف الاحتلال بأنه احتلال أصلاً.
فتارة يُظهر بعضهم خطاباً "ثورياً" منقطع النظير، يتمثل في أن "الحرب حياة" وتارة يحتكرون الوطنية وفرضيات الهزائم وموازين القوى على اعتبار أن "الحياة مفاوضات". هكذا ببساطة يكررون المثل الشعبي: "إما إطلاق النار عليه أو كسر جمجمته". مع ذلك، يمكن تذكير المستغربين لإصرار الفلسطينيين على مقاومة الاحتلال بأن مقاومتهم، منذ بداية المشروع الاستعماري الصهيوني، ما كانت يوماً "عبثاً وتطرفاً وإرهاباً"، حيث كشفت الأيام الوجه الحقيقي لدولة الإرهاب وجرائم الحرب.ولأن "الحرب هي امتداد للسياسة"، كما يُقال، فهي ليست بلا أثمان، ولا يكفي تمجيد الضحايا لتوقف مشاريع إبادتهم. إذ حتى حركة حماس تدرك ذلك، وقدمت في 2017 وثيقتها التي تعبر عن فهم دور أهداف حركة التحرر في مقاومة المشروع الصهيوني ليس محلياً، بل استعمار يضرب جذوره حول العالم، وذلك يتطلب نفساً طويلاً.
في نهاية المطاف، لا يريد الفلسطينيون تصويرهم تارة ملائكة وقديسين لا يعانون، وتارة أخرى مثل عشاق للموت فحسب، هم كبقية الشعوب التي قاومت محتليها ومستعمري أراضيها. فوق ذلك فإن المشروع الصهيوني، تحديداً فوق أرض فلسطين، ليس مجرد مشروع احتلالي، وقد كشف مسار الحرب على قطاع غزة بعض أوجهه التي طبقت منذ نكبة 1948 بعيداً عن الأضواء. اليوم الجمعة هو "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" (هو يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الذي اتخذت فيها الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين 1947)، فماذا كان يمكن أن يكون عليه الوضع لو أن الشوارع العربية، على امتداد سيرة قضية فلسطين، طبقت فعلياً هذا التضامن مع نخبها وأحزابها وقواها؟ أما كانت الرسالة إلى واشنطن والغرب لتكون على غير افتراض أن القضية الفلسطينية "ليست قضية العرب"؟