استمع إلى الملخص
- تسعى منظمات حقوق المهاجرين لإدماج الأطفال في المدارس الحكومية، لكن جهودها تتعثر بسبب الملاحقات القانونية، رغم تأكيد وزارة التربية على فتح المدارس لجميع الأطفال بالتعاون مع منظمات أممية.
- حرمان الأطفال من التعليم يعزز المخاطر الاجتماعية والاقتصادية، مما يستدعي اتخاذ إجراءات لتمكينهم من حقوقهم الأساسية لضمان مستقبل أفضل لهم وللمجتمع.
منذ تصاعد أزمة المهاجرين في تونس عام 2023، يرفض كثيرون منح أطفال مهاجري دول أفريقيا جنوب الصحراء حقوقهم في تلقي التعليم، إذ يعتبرونها خطوة تمهد لإمكانية توطينهم.
لا يزال نفاذ أبناء المهاجرين في تونس إلى حق الدراسة موضع جدل يتجدد سنوياً مع اقتراب العودة المدرسية، رغم أن البلاد صادقت على كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمي حقوق الأطفال على أراضيها في التعلم، مهما كانت الأوضاع القانونية لإقاماتهم.
خلال السنوات الماضية حاولت المنظمات التي تدعم حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الدفع نحو إدماج الأطفال في المدارس الحكومية، في اطار اتفاقات مع وزارة التربية، ثم تراجع دورها بعدما أحيل معظم ناشطيها على القضاء وسجنوا بتهم مساعدة مهاجرين سريين.
تعتقد عضو البرلمان فاطمة المسدي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأن تعليم أطفال المهاجرين من جنوب الصحراء يمكن أن يقوّض تونس وسيادتها. وسألت في أول منشور لها على "فيسبوك" بتاريخ 10 يونيو/ حزيران 2025: "هل ستكون السنة الدراسية القادمة أول سنة دراسية لأطفال المهاجرين غير النظاميين؟". وفي مقطع فيديو نُشر في اليوم نفسه، اعتبرت فاطمة أن "تدريس أبناء المهاجرين يدخل في خانة ما يمكن وصفه بأنه استعمار مبطن". ووفقاً للمسدي: "لا سبب للحديث عن تعليم أطفال المهاجرين بسبب التزوير الذي يتعلق بشهادات ميلادهم. وقد أدرج بعضهم في السجل المدني التونسي من دون أي إثبات هوية، لذا أعتقد بأن تسجيل الأطفال المهاجرين في المدارس التونسية وفقاً للإجراءات المطبقة حالياً يعني نهاية السيادة الوطنية".
ويكفل الدستور التونسي تعليم جميع الأطفال من دون تمييز. وتنص القوانين المحلية المطبقة على إلزامية التعليم الأساسي ومجانيته، لكنّ أبناء المهاجرين، خاصة أولئك المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء أو من عائلات تعيش في أوضاع هجرة سرية، يواجهون عقبات عدة في النفاذ إلى مقاعد الدراسة. ويعاني مهاجرون من دول جنوب الصحراء من صعوبة في تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية بسبب غياب الوثائق الرسمية أو الإقامات القانونية، إلى جانب عراقيل إدارية ترتبط بملف المعادلة أو إثبات المستوى الدراسي. وهم يشكون بالتالي من نظرة تمييزية أو من ضعف الدعم البيداغوجي لأبنائهم، خصوصاً في تعلم اللغة العربية أو الاندماج في المناهج التعليمية.
ويرى رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير أن حقوق أبناء المهاجرين في التعلّم مبتورة نتيجة التقصير في تطبيق القوانين والمعاهدات التي وقعتها الدولة التونسية، ويقول لـ"العربي الجديد": "لم تحدد مجلة حماية الطفل في تونس التي تعد النص القانوني المرجعي لحماية حقوق الأطفال، هويات الأطفال المعنيين بحماية حقوقهم، وهي تعتبر أن كل طفل موجود على التراب التونسي، سواء بالولادة أو الإقامة، يتمتع بحقوق يحفظها القانون".
ويشير عبد الكبير إلى أن حق التعلّم من أبرز الحقوق التي تحفظها مجلة حقوق الطفل، إذ يسلّط القانون عقوبات على أولياء الأمور الذين يتخلفون عن تسجيل أبنائهم في مؤسسات التعليم عند بلوغهم سن التمدرس، بينما يُلغى هذا الواجب عندما يتعلّق الأمر بأبناء المهاجرين. ويعتقد بأن حرمان أبناء المهاجرين من التعليم ينمي كل أشكال المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي قد تنتج عن أميّة أجيال من المهاجرين في المستقبل، ويقول: "سينشأ هؤلاء الأطفال في أوساط الجهل، وسيكونون لاحقاً هدفاً سهلاً لشبكات الاتجار بالبشر والجريمة والدعارة التي قد توظفهم في أعمال خطرة تهدد السلم الاجتماعي".
ويرى أن "تدريس أبناء المهاجرين سيُساعد في خلق بيئة اجتماعية متوازنة وأكثر قبولاً للقادمين من دول جنوب الصحراء". ويُشدد على أن "التعليم هو بوابة تحصين المجتمعات من كل مخاطر الجريمة". يتابع: "قد تستمر إقامة هؤلاء المهاجرين سنوات أخرى، وقد يعودون إلى بلدانهم لاحقاً، لكن يجب أخذ كل الاحتياطات اللازمة لإحاطتهم وتمكينهم من الحقوق الأساسية وفي مقدمها التعليم والصحة".
وبحسب بيانات كشفتها مفوضية شؤون اللاجئين عام 2022، بلغت نسبة أطفال اللاجئين وطالبي اللجوء 24% من عددهم المسجل في تونس. وخلال السنوات السابقة لم يتجاوز عدد المهاجرين المدمجين في المدارس بضع عشرات. واستطاعت المنظمة الدولية للهجرة تسجيل 19 طفلاً مهاجراً فقط في المدارس الابتدائية في مناطق مثل مدنين وجربة وجرجيس خلال بداية العام الدراسي 2022-2023.
وبسبب نقص الموارد وصعوبات الاندماج الاجتماعي يُقصى أبناء المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من دورة التعليم في تونس ما يؤثر على مستقبلهم ويزيد هشاشة أوضاعهم في المستقبل. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي حذرت الأمم المتحدة من حرمان الأطفال اللاجئين من التعليم وتأثيره على مستقبلهم، وأشارت مفوضيتها لشؤون اللاجئين في دراسة نشرتها إلى أن "أكثر 7 ملايين طفل لاجئ يحرمون من التعليم في دول تستضيفهم حول العالم. ونحو نصف الأطفال والشباب اللاجئين في أنحاء العالم لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس".
ويشير المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى "وجود عراقيل أخرى تتعلق بعدم تعميم مناشير على المؤسسات التعليمية تؤكد قانونية ترسيم (تحديد) أبناء المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء". يتابع: "يرفض مسؤولو المؤسسات التعليمية غالباً ترسيم هذه الفئة نتيجة اجتهادات شخصية رغم أن القانون التونسي يُجيز ذلك".
أيضاً يعتبر بن عمر أن "عدم تأهيل الأطفال غير الناطقين باللغة العربية في سن ما قبل الدراسة يجعل اندماجهم التعليمي صعباً، في وقت إن غياب تعليمهم يعني حرمانهم من فرصة الحصول على حياة أفضل في المستقبل، فالدراسة مفتاح الآفاق وتقرير المصير كي يستطيع الأطفال تأمين سبل عيشهم ومعيشة أسرهم في المستقبل".
في المقابل، تؤكد وزارة التربية التونسية أن المدارس مفتوحة لجميع الأطفال المقيمين على تراب الوطن، بصرف النظر عن الأوضاع القانونية لأولياء أمورهم، وتشير إلى وجود مبادرات يجري تنسيقها مع منظمات أممية، مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومفوضية شؤون اللاجئين لتأمين حق التمدرس لأبناء المهاجرين واللاجئين.