أفغانستان... مناطق الحدود والقبائل تدعم عائدين من إيران
استمع إلى الملخص
- الناشطون والمتطوعون، بما في ذلك النساء والتجار والجنود، قدموا دعمًا لا مثيل له للعائدين، حيث عملوا على مدار الساعة لتوفير الطعام والملابس والنقل، مما أبرز التعاون المجتمعي في أوقات الأزمات.
- تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تأثير الأزمة على ملايين الأفغان، مما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لتجنب عواقب كارثية، مع التركيز على الجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
رغم أنّ سكان أفغانستان واجهوا أزمات إنسانية مختلفة على مرّ سنوات طويلة، وكانت أوضاعهم المعيشية هشّة وضعيفة دائماً، لكنّهم أعانوا كلّ محتاج، وهو ما فعلوه مجدداً مع أبناء وطنهم الذين رحّلتهم إيران أخيراً.
في يونيو/ حزيران الماضي حين بدأت إيران ترحيل لاجئين أفغان بطريقة لم تتوقعها حكومة طالبان في كابول، أو حتى اللاجئون، وأيضاً الإيرانيون أنفسهم، واجهت الحكومة الأفغانية وضعاً صعباً مع عبور أمواج من العائدين الحدود، لكن سكان إقليم هرات والأقاليم المجاورة المحاذية للحدود مع إيران توجهوا إلى الحدود بقوافل ضمت سيارات وحافلات وشاحنات محمّلة بمواد غذائية وأنواع مختلفة من الاحتياجات التي كان من الضروري إيصالها إلى العائدين.
مئات من الشباب والرجال كانوا يصلون إلى الحدود في كل ساعة وينقلون معهم ما يحتاج إليه العائدون. ومن الحدود كانت نفس السيارات تنقل العائدين إلى داخل هرات وباقي المناطق مجاناً، ومن دون أي إيجار أو بدل مادي. وخفف هذا التعامل كثيراً أعباء الحكومة والجهات المسؤولة، وخففت معاناة العائدين.
يقول الناشط الأفغاني آغا قانوني الذي ينظم نقل الاحتياجات والمساعدات من مدن مختلفة إلى المناطق الحدودية التي يقطن فيها العائدون لـ"العربي الجديد": "يظهر خلال المعاناة والأزمات الوجه الحقيقي لكل مجتمع. يستحق هذا الشعب كل التقدير. رأيت شباناً يخدمون العائدين إلى أفغانستان وينقلون إليهم الطعام والشراب والدواء وكل ما يحتاجون، وكانوا يعملون على مدار الساعة من دون كلل أو ملل حتى إنهم نسوا طعامهم وشرابهم وملابسهم ونومهم، وتنافسوا في صرف الأموال وبذل الجهد، ولم يكتفوا بإيصال الطعام والاحتياجات الأخرى، بل نقلوا أغراض العائدين على الأكتاف مسافة أميال. رأيت الشبان ينقلون الأطفال على الأكتاف من الحدود أميالاً عدة، وفي الطريق أعطوا ما يمكن من احتياجات".
يتابع: "حين تدفق عائدون في منتصف الليل ولم يجدوا طعاماً قدم صاحب بقالة متوسطة الحال لم يكن يملك أموالاً كثيرة الطعام لهم، بعدما فتح بقالته ووزع كل يمكن أكله على الناس، وهو كان يبكي ويقول لو كان لدي هذه الدنيا لأعطيتكم إياها، أنتم مثل جسدي، الأولاد أولادي والنساء أخواتي والرجال إخواني. وحين حاول صحافيون أن يتحدثوا معه أو يصوروه على الهواتف الخليوية رفض، وقال إن ما فعله واجب".
ويوضح قانوني أنه رأى نساءً في مناطق قريبة يطبخون أي شيء يتوفر لديهن في المنازل، ويأتين بالطعام إلى الحدود لتوزيعه على العائدين. وهن لم يملكن أحياناً أوعية لتوزيع الطعام فكانوا يجلبونه بوعاء كبير، ثم يسألون ناشطي المؤسسات الموجودة هناك أن يساعدهن في توزيع الطعام. كما جلبن ملابس لأطفال ونساء، وهذه الأمور ليست غريبة لكننا شاهدناها هذه المرة في شكل غير مسبوق. كذلك جمع تجار في مدينة هرات ومدن أخرى المواد الغذائية يومياً ونقلوها عبر شاحنات إلى الحدود، بينما نصب عامة الناس والنشطاء خياماً ومطابخ نقالة طبخوا فيها كل ما تلقونه".
ويقول رئيس مؤسسة "إحساس" الخيرية عبد الفتاح جواد لـ"العربي الجديد": "أعطانا سكان هرات والمناطق المجاورة للمناطق الحدودية مع إيران درساً في التمسك بالقيّم. ما يفعلونه ويقدمونه لا مثيل له، وندعو كل سكان المناطق التي تقع على الحدود مع دول الجوار، مثل ولاية ننغرهار وقندهار المجاورتين لباكستان، إلى أن يظهروا نفس مستوى التعامل لأننا نتوقع أيضاً زيادة أعداد العائدين من باكستان".
ولا توجد إحصاءات دقيقة حول عدد الناشطين والشبان المتطوعين الذين يعملون ليلاً نهاراً في خدمة العائدين وتوفير ما يحتاجونه، لكنهم بالآلاف، وتتوجه قوافل يومياً إلى المناطق الحدودية. ويقول إمام الدين محمد، وهو طالب جامعي يعمل كمتطوع منذ 21 يونيو الماضي، لـ"العربي الجديد": "عدد المتطوعين والناشطين بالآلاف ولا يمكن جمعهم. تتوجه أعداد كبيرة إلى الحدود يومياً، لكن هناك حاجة إلى المزيد، إذ يعود إلى البلاد يومياً نحو 30 ألف شخص يحتاجون إلى خدمات وعناية. ولا تنحصر الخدمات على الحدود والمخيمات، بل تشمل المطابخ وجمع التبرعات والأموال، وأيضاً النقل إلى المناطق التي وصل إليها العائدون، وهذه الأعمال تحتاج إلى أعداد كبيرة من الناشطين".
ويذكر إمام الدين أن جنود الجيش الأفغاني وقوات حرس الحدود يساهمون أيضاً في الأعمال التي لا تنحصر في تلك الرسمية، بل ينقلون الأغراض والبضائع على أكتافهم من حافلة إلى أخرى، وكبار السن. رأينا فعلاً لحمة وطنية، التاجر والناشط والجندي، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، يخدمون بحسب ما يستطيعون العائدين بلا كلل أو ملل.
ويوضح إمام الدين أن "هذه بداية والطريق طويل لأنّ إيران ستُخرج باقي اللاجئين أيضاً، وهم أكثر من مليوني شخص، ثم إخراجهم بطريقة غير مناسبة ومهينة. رأينا بعض الشباب تعرضوا لضرب وعنف، ونساء يعانين من مشاكل نفسية بسبب سوء معاملة السلطات الإيرانية. ويحتاج كل ذلك إلى جهد كبير، وعمل يشمل الجوانب الصحية والاجتماعية والاقتصادية على المديين القصير والطويل.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أعلنت في 7 يوليو/ تموز عودة نحو 450 ألف أفغاني من إيران منذ بداية يونيو/ حزيران 2025، بعدما طلبت السلطات الإيرانية ممن لا يحملون وثائق رسمية مغادرة البلاد قبل 6 يوليو، وتوقعت أن يؤثر قرار إيران على أربعة ملايين أفغاني من أصل ستة ملايين يعيشون في أراضيها، وأشارت إلى أن أكثر من 1.4 مليون شخص عادوا أو أُجبروا على العودة إلى أفغانستان هذا العام وحده.
وأوضحت أن "معظم عمليات الترحيل من إيران تحصل في شكل مفاجئ وغير طوعي، وأعداد المهاجرين الأفغان الكثيفة تحتم على المجتمع الدولي دق ناقوس الخطر والتحرك بسرعة". وأضافت أن "تجاهل هذا الوضع وعدم التحرك قد يؤدي إلى عواقب كارثية، من بينها زعزعة استقرار اللاجئين العائدين وسكان المنطقة، وتكرار حالات النزوح الداخلي، وبدء موجات هجرة جماعية جديدة".
وشهدت إيران في السنوات الأخيرة تدفقاً كبيراً في أعداد المهاجرين غير النظاميين من أفغانستان التي تعاني من مشكلات أمنية وسياسية واقتصادية. ويقدر المسؤولون الإيرانيون عدد الأفغان المقيمين في البلاد بنحو ستة ملايين شخص، بينهم أكثر من مليوني شخص يقيمون فيها بشكل غير قانوني.