أنامل نسائية تكسب الرزق وتصنع بهجة رمضان في المغرب

24 مارس 2025   |  آخر تحديث: 01:45 (توقيت القدس)
داخل محل لبيع الحلويات الرمضانية في المغرب (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في المغرب، تزداد أهمية المهن النسائية خلال رمضان، حيث تعتمد حسناء على مهاراتها في صناعة الفطائر التقليدية لتوفير لقمة العيش لأطفالها وسط تحديات البيع وارتفاع الأسعار.

- ماريا العلمي تدير محلاً في فاس للحلويات الرمضانية، وتتميز منتجاتها بالجودة والأسعار المعقولة، مما أكسبها قاعدة زبائن واسعة محلياً ودولياً.

- تبرز مهن أخرى مثل إعداد ورقة "البسطيلة" والطبخ المنزلي وخياطة الملابس التقليدية، مما يعكس دور النساء في الحفاظ على التقاليد وتلبية احتياجات المجتمع.

يتزايد الإقبال في المغرب خلال شهر رمضان على العديد من المهن النسائية، مثل تحضير الحلويات والفطائر التقليدية، والخياطة والتطريز

تتخذ الأربعينية المغربية حسناء مشوار مكانها على كرسي خشبي في أحد الأسواق الشعبية بمدينة الدار البيضاء، وأمامها طاولة صغيرة تعرض عليها أنواعاً شهية من الفطائر التقليدية التي تزيّن المائدة الرمضانية. بابتسامة رضا، تقول: "لم أختر هذا الطريق، لكن الحياة أجبرتني عليه. بعد وفاة زوجي، وجدت نفسي وحيدة مع أطفالي الستة، وكان لا بد لي من البحث عن رزق حلال. صناعة الفطائر مهارة ورثتها عن أمي، فقررت أن أجعل منها مصدر عيشي".
في بيتها الصغير، تستيقظ حسناء باكراً، تدخل المطبخ حيث تستعد ليوم طويل. تشاركها ابنتها الكبرى في تحضير عجين "المسمن"، الذي يتميز بقوامه الرقيق وطبقاته المقرمشة، أما "البطبوط"، فهو خبز دائري يَنتفخ عند طهيه ليصبح خفيفاً وهشاً، إضافة إلى "البغرير"، وهو فطير إسفنجي يزيده العسل والزبدة لذة، بينما تتولى الطهي على مقلاة ساخنة. الرائحة الشهية تعيدها إلى ذكريات أيام زمان، حينما كانت تساعد والدتها في إعداد الفطائر.
مع اقتراب موعد العصر، تحمل حسناء سلتها الممتلئة بالفطائر الدافئة، وتنطلق إلى السوق الشعبي في الحي الحسني، حيث اعتادت أن تفرش طاولتها الخشبية في ركنها المعتاد. يتوافد الزبائن، بعضهم من رواد السوق الدائمين، وآخرون ينجذبون إلى رائحة الفطائر التي تعبق في المكان. تقول: "البيع في السوق ليس سهلاً، خاصة بالنسبة للنساء، فأمامهن تحديات كثيرة زادها ارتفاع الأسعار، وما أجنيه لا يكاد يكفي لشراء حاجيات أطفالي".
في أحد الأحياء العتيقة بمدينة فاس، تنبعث رائحة حلوى "الشباكية"، و"البريوات" و"المقروط" ممتزجة برائحة السمسم المحمص، من محل تديره ماريا العلمي، المعروفة بإتقانها لهذا النوع من الحلويات الشهيرة. 

والشباكية هي حلوى مغربية تقليدية، تُحضّر غالباً في شهر رمضان وتتكون من دقيق القمح الكامل، واللوز محمص ومطحون، والسمسم والزعفران واليانسون، المعروف أيضاً باسم "النافع"، وتتميز بتشكيلها الذي يشبه الشبكة أو الأزهار الصغيرة، وتغطى في مراحلها الأخيرة بالعسل والسمسم، ما يجعلها محبوبة خلال الإفطار بعد يوم طويل من الصيام. أما البريوات فهي مصنوعة من ورق "البسطيلة" المحشو بالمكسرات، وتُقلى في الزيت وتُغطى بالعسل. في حين يتميز المقروط الفاسي بحشوة عجوة التمر، وقوامه المقرمش.
تشرف ماريا على سير العمل، وتحرص على الجودة والنظافة، وتقول: "هذا العمل يوفر لنا دخلاً مهماً، كما أننا نقوم به بكل حب وتفان. نحاول أن نحافظ على أسعار معقولة رغم موجة الغلاء التي تشهدها عدة سلع كالزيت والزبدة واللوز والسمسم والعسل، وتبلغ كلفة الكيلوغرام من شباكية اللوز 140 درهماً (14.48 دولاراً)، وهو سعر مناسب مقارنة بجودة وطعم الحلوى، في حين يصل ثمن الكيلوغرام من بريوات اللوز إلى 130 درهماً". 

لدى ماريا زبائن أوفياء، بعضهم من خارج المدينة، وتشير إلى أن هناك إقبالاً خاصاً من مدن مثل الدار البيضاء والرباط والمحمدية، وأحياناً تسافر الحلوى إلى خارج الوطن". بينما تواصل ماريا تحضير الحلويات الرمضانية وبيعها، تنشغل أخريات في مهن أخرى مرتبطة بهذا الشهر، مثل إعداد ورقة البسطيلة، التي تتكون من الدقيق والملح، وتُستخدم بكثرة في المطبخ المغربي لصناعة حلويات البريوات الشهيرة أو طبق البسطيلة المميز. 

يكثر الإقبال على الفطائر والحلويات في رمضان، إبريل 2022 (Getty)
يكثر الإقبال على الفطائر والحلويات في رمضان، إبريل 2022 (Getty)

حليمة الغرباوي واحدة من الأيادي الماهرة التي تعد هذه الورقة التي تشهد رواجاً كبيراً في رمضان. تعكف على تحضيرها بعناية فائقة داخل محل في أحد أحياء الدار البيضاء. تقول لـ "العربي الجديد": "تحضير ورقة البسطيلة هو مصدر رزقي، ومن خلاله أستطيع تأمين احتياجاتي اليومية ومساعدة عائلتي، خصوصاً في رمضان حيث يزداد الاستهلاك. تحضير ورقة البسطيلة يتطلب دقة وتركيزاً في فرد العجينة فوق الصاج لتكون رقيقة ومرنة بما يكفي لاستخدامها في عدة حشوات سواء ذات الطعم الحلو أو المالح". 
ومع تنوع المهن المرتبطة بالعادات الغذائية التي تضفي طابعاً خاصاً على المائدة الرمضانية، يبرز أيضاً الطبخ المنزلي بوصفه أحد الأعمدة الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا الشهر، خصوصاً للنساء العاملات اللواتي لا يجدن وقتاً للطهي، ما يدفعهن إلى الاستعانة بطباخة تجيد فنون الطبخ التقليدي والعصري.

تحضر خبز البطبوط في رمضان بالرباط، 25 إبريل 2020 (الأناضول)
تحضر خبز البطبوط في رمضان بالرباط، 25 إبريل 2020 (الأناضول)

تنفذ رقية الشامي هذه المهمة لدى إحدى العائلات، وهي تتحرك بخفة داخل المطبخ، تعد شوربة الحريرة التقليدية، والتي تتكون أساساً من الطماطم والعدس والحمص واللحم مع الكرافس، إضافة إلى مزيج من التوابل مثل الكركم والزنجبيل والقرفة. في الوقت ذاته، تراقب الفرن من كثب في انتظار أن ينضج طبق البسطيلة المحشو بقطع الدجاج واللوز، بينما تعد أيضاً سلطة خضر متنوعة بألوانها الزاهية وطعمها المنعش، وتُحضر كيك البرتقال بنكهته الفواحة. بذلك، تكون قد أعدت مائدة رمضانية مليئة بالنكهات العريقة التي تجمع بين التقليد والابتكار. 

ولا يمكن الحديث عن المهن الرمضانية من دون استحضار خياطة الملابس التقليدية وتطريزها كالجلابة والقفطان والكيمونو، والتي تُصبح جزءاً أساسياً من المشهد اليومي في رمضان، سواء في المساجد أو خلال الزيارات العائلية وتمتد إلى أن تشكل صورة احتفالية خلال عيد الفطر. ففي ورش الخياطة المنتشرة في مختلف أسواق المغرب، تنهمك العديد من النساء في تصميم وتطريز أزياء تلبي الاحتياجات وترضي الأذواق وتساير آخر صيحات الموضة. 
تقول فاطمة: "أعمل منذ سنوات في خياطة الجلابيب والقفاطين التقليدية، غير أن الحركة تنتعش أكثر خلال رمضان، إذ أتلقى طلبيات كثيرة، ما يعكس الإقبال الكبير الذي يشهده هذا المجال في هذا الوقت من السنة. المغربيات يعشقن الأناقة والأصالة، والجلابة زي يجمع بينهما، لذا فإنهن يحرصن على طلبه، إضافة إلى القفطان والكيمونو العصري. لكن العمل ليس سهلاً، فبين قطع القماش المختلفة الأشكال والألوان، والإبر المتفاوتة الأحجام، هناك مشقة وتحديات كبيرة، ويتطلب الأمر تركيزاً وجهداً كبيرين في التصميم والخياطة والالتزام بالموعد المحدد. رغم التعب، فإن رؤية الزبونة سعيدة بالنتيجة النهائية يعطيني دافعاً للاستمرار".

المساهمون