أيديولوجيات في الحسكة تتراشق المناهج الدراسية

03 يونيو 2025
أطفال في مدرسة في الحسكة، 2 يناير 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أدى سيطرة الإدارة الذاتية على المدارس في الحسكة إلى أزمة تربوية تهدد مستقبل الطلاب، حيث يواجهون خيارات صعبة بين مناهج غير معترف بها ومناهج النظام السوري.
- الانقسام التعليمي أدى إلى تمايز اجتماعي بين الطلاب، حيث يلتحق الفقراء بمدارس الإدارة الذاتية أو يتركون الدراسة، بينما يلتحق الأغنياء بالمدارس الخاصة، مما يفاقم الفجوة التعليمية.
- يعاني الطلاب من "الصدمة التعليمية" بسبب حرمانهم من تقديم الامتحانات، مما يزيد من التوتر النفسي والاجتماعي ويهدد بتحول الانقسام إلى قطيعة دائمة.

تعمّق الانقسام التعليمي في محافظة الحسكة، وأصبح يُشكل تهديداً مباشراً لمستقبل عشرات الآلاف من الطلاب؛ بعد أن استغلت الإدارة الذاتية سقوط النظام السوري، وفرضت سيطرتها على المدارس التي كانت سابقاً خاضعة لسيطرة النظام السابق من حيث الإدارة والتمويل والقرار التعليمي والسياسي، وكانت تقع ضمن نطاق سيطرتها التعليمية، وبالتالي نشأت أزمة تربوية جديدة.

يواجه الطلاب وأهاليهم واقعاً قاسياً يُهدد مستقبلهم العلمي، ويزيد من حد~ة الانقسام الأسري والهويّاتي في مجتمع متنوّع عرقياً ودينياً

وجد الطلاب وأولياء أمورهم أنفسهم أمام الاختيار ما بين مناهج وشهادات وامتحانات غير معترف بها، ومشكوك في بنيتها المعرفية، وأدلجتها، ومنهاج حكومي سوري بات من الصعب الوصول إليه، والاضطرار لتحمّل مخاطر وتكلف مصاريف كبيرة للوصول إلى امتحانات الشهادتين في عموم المحافظات السورية.
ووفقاً لمصدر من مديرية التربية والتعليم في الحسكة، "رفضت وزارة التربية والتعليم السورية أي شراكة إشرافية مع الإدارة، وعدم وجود أي منافذ لتسجيل الطلاب في الحسكة، ليواجه الطلاب وأهاليهم واقعاً قاسياً يُهدد مستقبلهم العلمي، ويزيد من حدة الانقسام الأسري والهويّاتي في مجتمع متنوّع عرقياً ودينياً"، المصدر أضاف: "حالياً، الطلاب في الحسكة منقسمون على واقعهم التربوي والتعليمي، فمنهم من ينتمي لمدارس تتبع الإدارة الذاتية بمناهج لن تفتح له أبواب الجامعات، ولا تعترف وزارة التربية السورية بها، ومنهم من تحمل كل شيء من فقر واقع التعليم وبؤسه لدى النظام طمعاً في الاعتراف بالشهادة وإتمام التعليم والتحصيل العلمي، ولكن بالنهاية مُنع وحُرم من التقدم للامتحانات في بلدته ومدينته".
"ما بين قرار سياسي هنا ورفض هناك، أخشى أن يضيع عامٌ كامل من عمري، مع ما يقارب 30 ألف طالب في الحسكة مهددّين بخسارة عامهم الدراسي، وربما مستقبلهم بالكامل. بعضهم فكّر بالهجرة، وآخرون يحلمون بأن يأتي "قرار من فوق" ينصفهم" وفقاً للطالبة كاترين.

سيطرت الإدارة الذاتية على 115 مدرسة في القامشلي وريفها كانت تابعة لوزارة التربية السورية، في حين كان النظام يسيطر على 125مدرسة، ولم تتمكّن الإدارة الذاتية من فرض مناهجها على عشر مدارس كنسية، وأغلقت 30 مدرسة خاصة

المشهد التعليمي قبل سقوط النظام

طبقت جهتان مختلفتان منهاجين مختلفين للمراحل التعليمية: الابتدائية والإعدادية والثانوية. وتوزعت البنية الإدارية والجغرافية للتعليم في الحسكة على قسمين متداخلين: 
1. المدارس في الأحياء والقرى الكردية والعربية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وتطبق مناهج أصدرتها الإدارة الذاتية، وقد طبعت بثلاث لغات: الكردية والعربية والسريانية. يدرس أبناء كل قومية لغتهم الأم في سنوات الدراسة الثلاث الأولى، وبدءاً من الصف الرابع، تُدخَل لغة محلية أخرى إلى جانب اللغات الأجنبية، لكن ذلك لم يطبق على الطلاب السريان، مع أعداد قليلة نسبياً للطلبة من المكون العربي الملتحقين بمناهج الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى "وجود إشارات لنظريات زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان وأقواله، ما عدّه كثيرون أدلجة سياسية مباشرة". قالت مصادر عديدة في الإدارة الذاتية إنه جرى تخفيفها خلال السنتين الفائتتين.
2- القرى العربية الخاضعة لسلطة دمشق والواقعة جنوب المدينة، والمربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي ومدرسة أخرى في حي الوحدة المتنازع عليه بين الطرفين، كانت تطب~ق مناهج النظام السوري السابق، ولا وجود لغير اللغة العربية مع التشديد على تدريس مواد التربية القومية، الوطنية، المغذية سيطرةَ حزب البعث على مفاصل الدولة، ودروس التاريخ التي لا تحتوي على أيّة إشارات ولو بسيطة إلى المكوّنات السورية الثقافية التاريخية. 
وسيطرت الإدارة الذاتية على 115 مدرسة في القامشلي وريفها كانت تابعة لوزارة التربية والتعليم السورية، في حين كان النظام يسيطر على 125مدرسة، ولم تتمكّن الإدارة الذاتية من فرض مناهجها على عشر مدارس كنسية، وأغلقت 30 مدرسة خاصة، اضطرت لنقل مقارها إلى المربعات الأمنية. والمفارقة هي أن الأغلبية العظمى من أبناء موظفي الإدارة الذاتية وقياداتها مسجلة في مدارس الحكومة السورية لمختلف المراحل التعليمية. وتقول الإدارة الذاتية إن لديها 2300 كادر إداري وتعليمي، ولدى الحكومة السورية 2800، ويتراوح متوسط رواتب العاملين الشهرية في هيئة تربية وتعليم الإدارة الذاتية ما بين 85 -100 دولار، ومتوسط رواتب مدرسي الحكومة السورية ما بين 20 و30 دولاراً شهرياً في أحسن الأحوال. ووفقاً للمرشدة الاجتماعية ميادة عليكو فإن "الاختلاف في المناهج والمدارس واللغة والكادر والأيديولوجيا الحزبية خلق تمايزاً اجتماعياً. فـالطلاب الفقراء المسحوقون الذين لا يتمكنون من التسجيل في المدارس الخاصة مضطرون إلى التسجيل في مدارس الإدارة الذاتية أو ترك الدارسة، بينما الأغنياء يلتحقون بالمدارس والمعاهد الخاصة الأكثر أماناً للطلاب ومستقبلهم، وأبناء الطوائف المسيحية يلتحقون بمدارس الكنيسة، ما خلق فجوة بين الطلاب من مختلف المكونات". وتقدر إحصائيات خاصة للإدارة الذاتية عدد الطلاب المسجلين في مدارسها في القامشلي بـ15 ألفاً و900، ويتراوح عدد طلاب الشعبة الصفية الواحدة بين 20 و30 حدّاً أقصى، ووفقاً لإحصائيات مقدّمة من مديرية التربية بالحسكة، فإن لديها 32 ألف طالب بمعدل وسطي بين 70 و80 طالباً في الصف الواحد، وثمّة فئة ثالثة تتلقّى خدمات تعليم رسمية، بطريقة غير رسمية، عبر الدورات الخصوصية في المنازل أو المعاهد الخاصة، وهم ممن لا يمكن إحصاؤهم بدقة نتيجة غياب البيانات الرسمية، إلى جانب المسجلين رسمياً لدى مدارس الطرفين. 

تعلّم المنهاج الرسمي يجرى بالسر وكأنه مؤامرة

لكن المشكلة الأساسية في صعوبة الإحصاء الدقيق لعدد المتسرّبين والمسجلين. وبمتابعة الوضع الميداني، تُلاحَظ كثافة كبيرة جداً لعدد الأطفال والشباب المراهقين في عمر الدراسة وهم يعملون في المنطقة الصناعية وغيرها من الأماكن. ولدى السؤال عن وضعهم التعليمي، قالت ستة مصادر: "نحن مسجلون في مدارس الدولة، كُنا نلتزم بالدوام فقط أيام الامتحانات، وأحياناً أيام المذاكرات، وكنا ننجح بغض النظر عن فحوى ومحتوى الورقة الامتحانية، وقسم منا مُسجل لدى الإدارة الذاتية أيضاً، وأحياناً نحصل على دورات خصوصية في المنزل أو متابعة من الأهالي". توجه معد التحقيق إلى المجمع التربوي في القامشلي الذي أشار مصدر ضمنه إلى "اتفاق شفهي غير مكتوب بين الجميع، مديرية التربية بالحسكة، مدراء المدارس، المجمع التربوي، يجرى استقبالهم من دون دوام وفق مبلغ متفق عليه، وبالنهاية، يُرفَّعون للعام الذي يلي من دون تلقّي أيّ معلومات أو دروس"، مضيفاً: "لذلك لا تُمكن معرفة العدد الحقيقي للمتسربين تعليمياً".

125 مدرسة ضمتها الإدارة الذاتية إلى 125 أخرى

منع امتحانات الشهادتين

مع سقوط النظام السوري، وضعت الإدارة الذاتية يدها على ما تبقّى من المدارس، وأغلقتها ومنعت الصفوف الانتقالية من تقديم الامتحانات، ورغم إعادة فتح بعضها في بداية الفصل الثاني، أُعيد إغلاقها، ليستمر مسلسل فتح المداس وإغلاقها حوالي الشهر، حتى سُمح للصفوف الانتقالية بالدوم في المدارس. ومع غياب أيّ اتفاق على السماح لهم بتقديم الامتحانات، وبل جرت مصادرة أغلب الاختام الخاصة بالإدارات في أغلب المدارس. وبالرغم من النجاح النسبي لمسار تطبيق اتفاق الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي (10 مارس/ آذار) من خلال تطبيق اتفاقات خاصة بخصوص وقف إطلاق النار في "سد تشرين"، وانسحاب "قسد" من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، إلا أن هذا الأمر لم ينطبق على التعليم.
تواصلنا مع المكتب الإعلامي لوزير التربية ومنسقّي التغطية الإعلامية لأعمال الحكومة ومكتب تنسيق وزارة الإعلام، ووسطاء ضمن وزارة التربية السورية، لكن من دون الحصول على أيّ إجابات. ووفقاً لمصدرين داخل مديرية التربية في الحسكة أكّدا أن وزارة التربية مصرة ولن تتنازل عن "الإشراف على الامتحانات لطلاب الشهادتين، بما فيها موضوع حماية الامتحانات التي تحتاج إلى إجراءات نزيهة تحقق تكافؤ الفرص للجميع، وضمان عدم تدخل أيَّ جهة في العمل الامتحاني، ولا يزال الحوار مستمرّاً للتوصل إلى صيغة تضمن احتواء الموضوع وتغليب مصلحة الطالب، لكن لا نتائج واضحة بعد"، ووفقاً للمصدرين، "الطلاب والمدرسون والمناهج والامتحانات تابعون لوزارة التربية السورية، ولم يكن لهم أيَّ علاقة بمدارس الإدارة الذاتية أبداً، وخلال السنوات السابقة، في عهد النظام البائد، جرت الامتحانات بشكل طبيعي، وكان لطلاب محافظة الحسكة مراكز وتحصيل علمي متقدم على مستوى سورية، بأي حق تطلب الإدارة الذاتية الإشراف على الامتحانات ومراقبتها وتصحيح الأوراق الامتحانية، وربط مدارسها وجامعاتها بمدارس وجامعات الدولة، وفقاً لمبدأ استغلال الظرف، علماً أن عملية الدمج تحتاج لنقاشات طويلة وإجراءات وتدخلات في المنهاج، يُمكن البدء بها فوراً، ولا تحتاج سوى إلى تفاهمات وضمانات ثقة، لكن ليس على حساب مستقبل ومصلحة الطالب والامتحانات، وبالرغم من تكرار اللقاءات بين وفد هيئة التربية للإدارة الذاتية مع وزارة التربية السورية برعاية منظمات دولية، لكن لا نتائج واضحة. وحالياً ووفق تنسيق بيننا مع الوزارة، جرى تمديد تسجيل طلاب الشهادة وبمقدورهم اختيار أيَّ محافظة للتسجيل فيها، في حال لم تُجرى الامتحانات في الحسكة"، واختتم المصدران حديثهما: "خلال أيام قليلة قادمة، إن لم يُتوصَّل إلى حل، فإن مستقبلاً أسود ينتظر المنطقة، ويكون الطالب قد تعرض للحيف والظلم وفقد أبسط حقوقه، وفي ما يخص طلاب المرحلة الانتقالية، يُمكن إيجاد دورات فاقد تعليمي بإشراف وزارة التربية والمنظمات الدولية، وهو أمر يحتاج لبعض التنسيق، لكن ليس بمستوى صعوبة وضع امتحانات الشهادتين".
حاولنا التواصل مع أكثر من مصدر قيادي في هيئة التربية والتعليم للإدارة الذاتية من دون جواب. في حين أكدت مصادر خاصة أن منظمة يونسكو سعت إلى إجراء تقارب بين الطرفين وتنظيم آليات لإجراء الامتحانات، لكن الشروط المسبقة منعت التوصل إلى تسوية، واتفق الطرفان على استمرار اللقاءات، ثم لم يُسمح بعد بتسجيل الطلاب في الحسكة.

أبناء قيادات كامل المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية والإدارية منقسمون بين تربية وجامعات الإدارة الذاتية ومثيلاتها لدى النظام السوري سابقاً وحالياً

تواصلنا مع عدة مدرّسين لدى الإدارة الذاتية والحكومة السورية بشأن قرار حرمان الطلاب من الامتحانات وتداعيات القرار. حيث قالت المدرسة شاهيناز محمد، مدرسة لدى الحكومة السورية من أهالي القامشلي، إن "حرمان الطلاب من الامتحانات قرار غير تربوي بالدرجة الأولى، خاصة أنه صادر من جهات تدعي التربية والتعليم، لماذا يُزج بالتعليم والطلاب في الصراعات السياسية، يبدو أن من يضع يده على أيّ مؤسسة تتحول إلى ملكية خاصة به"، وتضيف: "لو توفرت الإرادة السياسية السليمة والنية الصافية، لكانت الأمور سهلة، خصوصاً امتحانات الشهادة الإعدادية التي تحولت إلى مرحلة انتقالية، ويمكن تدوين الأسئلة في الحسكة سرّاً، وتقديم الطلاب للامتحانات، وأن يقوم طاقم التربية في الحسكة بالإشراف على الامتحانات والتصحيح وإصدار النتائج التي تتشابه مع أي صف انتقالي آخر، لكن الإدارة الذاتية ترفض حتّى هذا الحل، في حين أن المشكلة الأساسية هي في امتحانات المرحلة الثانوية التي تعتبر مصيرية للانتقال إلى التعليم العالي".
وقال مُدرّس تابع للإدارة الذاتية: "حتى لو اتفقت دمشق والإدارة الذاتية على إرسال أسئلة الامتحانات من دمشق توزيع الأدوار للمراقبة والتصحيح وإصدار النتائج، فإن الأهالي لن يقبلوا، القضية تعود لغياب الاعتراف الرسمي بجامعات ومدارس الإدارة الذاتية، ذهنية الأهالي والطلاب لا تتقبّل التحاقهم بمدارسنا، ولا تتدخّل الإدارة الذاتية في الامتحانات خوفاً على مصير مستقبلهم"، مضيفاً: "الأفضل تحسين وضع الجامعات التابعة للإدارة الذاتية، والاعتراف بها، ما سيوفر على الطلاب والأهالي الكثير من المصاريف، إضافة إلى الحد من الكثير من المشاكل والنزاعات والخلافات بين الأطراف"، في حين تعود شهناز للحديث قائلة: "كل ما يُشاع من الإدارة الذاتية حديث فارغ، الهدف هو السيطرة على العقول، واستغلال الأعداد الكبيرة للطلاب في مشاريعهم السياسية، وزرع الأدلجة في عقولهم، ولو بقوا جاهلين فلا مشكلة لديهم" مختتمة حديثها: "لا يوجد لنا وصول أو نفاذ أو تواصل بوصفنا موجّهين ومدرسين مع دمشق، ولا أحد يملك أي جواب أو حل، القضية هي سياسية بحتة والجميع يسعى للحصول على مواقعه والطالب يدفع الضريبة"، وهو ما أكّده المُدرس لدى الإدارة الذاتية: "نسأل، لا نحصل على جواب، لا يُمكننا حلّ أيّ شيء، ليس في يدنا أيّ قرار أو إمكانية التدخل باعتبارنا قيمة مضافة إيجابية".

ماذا قال الطلاب والأهالي؟

في غرفته الخاصة بالدراسة، يضع أراز يوسف جدول عمله وبرنامجه الدراسي اليومي ويتحدث والقلق والخوف باديان بوضوح على وجهه: "ما مصيرنا؟ لا أعلم، كُنت استعد منذ سنتين عبر الدورات الخصوصية، حرمت نفسي من كل شيء في سبيل الحصول على معدل ممتاز لأكون متفوّقاً في التحصيل العلمي، يخولني تسجيل كلية الطب البشري، لكن هذا القرار شكل صاعقة بالنسبة ليّ، أغلب الأوقات أفكر في المكان الذي سأقدم فيه الامتحانات أكثر من الدراسة، أشعر بشيء غريب لا يُمكن وصفه، كل الحكومات في العالم يجب أن تكون في خدمة التعليم والطلاب، وليس أن تكون ضدهم"، يُضيف: "السفر وتقديم الامتحانات خارج المحافظة صعب ومكلف جداً". وأراز كغيره من الطلاب، تنحصر اهتماماته حالياً بالتعليم والشهادة الجامعية، لكنه يقول: "أحزن كثيراً حين لا أجد لغتي الأم، الكردية، موجودة في المناهج، أو غياب الحديث عن الهويّة والتاريخ الكردي، أتمنّى من الحكومة الجديدة أخذ هذه القضايا بعين الاعتبار ضمن مناهجها"، مختتماً: "قراري واضح ولن أتراجع عنه، لو غاب التوفيق من الله عني، سأسافر وأهاجر من هذه البلاد ولن أندم عليها، فقرار الإدارة الذاتية بمثابة المقصلة بالنسبة لنا".
ويقول ملاذ الخضر، من أهالي جل آغا في ريف المالكية: "ابنتي تُفكّر طوال اليوم بمصيرها وأين ستقدّم الامتحانات أكثر مما تدرس، مضطر لإرسالها مع والدتها إلى حلب للتقديم، فأنا مشغولٌ بمتابعة أمور أرضي الزراعية ومن الصعب السفر، يبدو أن لا خيار أمامنا سوى هذا الخيار، سأبقى أقول إن الإدارة الذاتية هي المسؤولة الأولى والأساسية عن كل ما حصل لنا، أمرهم عجيب، الطالب والتعليم خط أحمر، حتى أعضاء مناصري الإدارة الذاتية ناقمون عليها بسبب هذا القرار"، ووفقاً لفاطمة عزم الموظّفة لدى الإدارة الذاتية: "سيتقدّم ولدي لامتحانات الشهادة الإعدادية وابنتي للثانوية العامة الفرع الأدبي، مناهج الإدارة غير معترف بها، وأنا محتارة جداً من أين سنؤمن ثمن مصاريف الامتحانات، التي نحتاج لما يزيد عن ألف دولار، علماً أن راتبي مع زوجي لا يصل إلى 250 دولاراً شهرياً، أيام صعبة وسوداء تنتظرنا، عدا الآثار النفسية والسلوكية وتغيير جو الامتحان على أبنائنا".

مُدرّس تابع للإدارة الذاتية: حتى لو اتفقت دمشق والإدارة الذاتية على إرسال أسئلة الامتحانات من دمشق توزيع الأدوار للمراقبة والتصحيح وإصدار النتائج، فإن الأهالي لن يقبلوا.

آثار نفسية واجتماعية

عادة ما يعاني طلاب الشهادات من توتّرات وخوف من رهبة الامتحانات، لكن للمحرومين من تقديم الامتحان في مناطقهم مخاوف أخرى لم تكن موجودة سابقاً. ... قالت المرشدة النفسية، لافا هسام، من مدينة ديرك المالكية: " توصف الحالة النفسية للطلاب المحرومين من تقديم امتحانات الشهادتين بأنها حالة من التوتر الحاد، والإحباط، والقلق الوجودي. هؤلاء الطلاب يمرّون بما يُعرف في علم النفس بالـ"صدمة التعليمية"، حيث يُجبر الطالب على مواجهة واقع يتناقض مع جهوده الطويلة وتطلعاته المستقبلية، ما يولد شعوراً بالعجز وفقدان السيطرة. في كثير من الحالات، نلاحظ أعراضاً نفسية مثل اضطرابات النوم، انخفاض في الدافعية، ومؤشرات على بداية اكتئاب أو قلق مزمن"، ووفقاً لها، فإن التأثيرات ستكون "بعيدة المدى وقد تكون عميقة، فالشعور باللاجدوى يمكن أن يؤدي إلى عزوف بعض الطلاب عن متابعة تحصيلهم العلمي. وحرمانهم من فرصة الاعتراف الرسمي بجهودهم التعليمية قد يؤدي إلى اهتزاز ثقتهم بالمنظومات التعليمية والسياسية، فيُضعف الانتماء المجتمعي ويزيد من احتمالية الانخراط في سلوكيات سلبية أو البحث عن بدائل غير رسمية للتعليم، بعضها قد يكون محفوفاً بالمخاطر، كانخراط الطلاب في سلوكيات عنيفة أو مؤذية وتسبّب أضراراً على المدى البعيد". وتلفت لافا إلى خطورة الوضع على الإناث أكثر من الذكور، وتؤكّد وجود "تفاوتات ملحوظة في الاستجابة النفسية حسب الجنس والخلفية الاجتماعية. الإناث غالباً ما يُظهرن أعراضاً داخلية مثل القلق والاكتئاب بشكل أكبر، نظراً إلى الضغوط الاجتماعية المضاعفة، بما في ذلك نظرة المجتمع إلى "فشل" الفتاة في الدراسة. أما الذكور، فقد يعبرون عن الضغط النفسي بشكل خارجي، من خلال الغضب أو اللامبالاة أو الانسحاب من الأُطر التعليمية".

جوانب مخفية

وأرجعت عدّة مصادر متقاطعة أسباب رفض الإدارة الذاتية إجراء الامتحانات لطلاب الشهادتين إلى أن "الإدارة الذاتية تطالب بالاعتراف بجميع الشهادات الصادرة عن مدارسها وجامعاتها، وبما يلزم ذلك من إتمام الدراسات العليا والتوظيف والعمل على تلك الشهادات، واعتبارها شهادات سورية أصيلة، بالإضافة للاعتراف بالمناهج التعليمية والدخول في حوارات للدمج والعمل المشترك، وثالث الأسباب أن أبناء قيادات كامل المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية والإدارية منقسمون بين تربية وجامعات الإدارة الذاتية ومثيلاتها لدى النظام السوري سابقاً وحالياً، وهو ما أحدث فجوات تعليمية ووظيفية ومستقبلية بين الطرفين ضمن الفريق الواحد، أحدهم فقد المستقبل مع مناهج الإدارة والآخر حصل على ما يُريد عبر مناهج وشهادات النظام السوري. وهو ما دفع لخيار إما تتساوى فرصهم في التعليم أو يتساوون في الوضع القانوني والتربوي".

وإذاً.. 
في ظل تزايد عدد الطلاب المحرومين من التقدّّم للامتحانات، وغياب أي بوادر للتنسيق بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، يبقى جيلٌ كاملٌ معلقاً بين الهويّة والاعتراف. ومع كل عام دراسي جديد، تتعمّق الفجوة وتزداد المخاوف من أن يتحول الانقسام التعليمي إلى قطيعة دائمة بين مكونات المجتمع في الحسكة. فهل من أفق لحل يحفظ حق الطالب في التعليم، بعيداً عن التجاذبات السياسية؟