استمع إلى الملخص
- تفشي مرض الحصبة يُعزى إلى عدم تطعيم الأطفال، حيث تتجاوز نسبة غير المطعمين 40% في بعض المناطق، مما يعرض الأطفال لأمراض خطيرة، ويتفاقم الوضع بسبب الظروف الأمنية ونقص الدعم.
- هناك دعوات لزيادة الوعي بأهمية التطعيم، مع التأكيد على دور علماء الدين والزعامة القبلية في توعية المجتمع لحماية صحة الأطفال.
لا تزال قضية تطعيم الأطفال إشكالية في أفغانستان، إذ يرفض بعض الآباء، خصوصاً في المناطق الريفية والنائية، تطعيم أولادهم، وتنتشر في المجتمع شائعات وخرافات حول مخاطر التطعيم
بالتزامن مع تفشي مرض الحصبة في أفغانستان، أثيرت مجدداً قضية تطعيم الأطفال، إذ يعتبر الأطباء أن تجاهل التطعيم من أهم أسباب تفشي الحصبة وصعوبة معالجة بعض الحالات، علاوة على تفشي أمراض معدية أخرى، ويرجعون الأمر إلى عدم وجود وعي كاف يقنع الآباء بتطعيم أطفالهم. ورغم الجهود الدولية المضنية المبذولة خلال العقدين الماضيين، لا تزال الأعراف القبلية وقلة الوعي والتعليم، إضافة إلى الفساد المستشري في حملات التطعيم، من أهم العقبات التي تواجه جهود توسعة تطعيم الأطفال في أفغانستان.
وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الأطفال غير المطعمين في بعض مناطق أفغانستان تتجاوز 40%، ما يشير إلى أن مئات آلاف الأطفال يحرمون من التطعيم، وهم بالتبعية معرضون لخطر الإصابة بأمراض كثيرة، من بينها الحصبة وشلل الأطفال. كما تشير التقارير الأممية إلى أن الوضع الأمني المتدهور قبل سيطرة طالبان على السلطة، كان من أهم أسباب حرمان الأطفال من التطعيم، بينما أصبح عدم وجود الدعم الكافي لهذا القطاع من أهم العقبات منذ حكم طالبان، علاوة على نشر معلومات مضللة بشأن حملات التطعيم، من بينها أن للتطعيم آثاراً سيئة على صحة الأطفال في المستقبل.
ومن بين أبرز المعلومات المضللة المنتشرة بين الأفغان أن التطعيم يسبب العقم، أو أنه مؤامرة غربية لتدمير الأجيال، إضافة إلى شائعات مفادها أن حملات التطعيم وسيلة للتجسس على المجتمع، وأنه يجب الحذر منها. وثمة شريحة كبيرة من الآباء يظنون أن التطعيم لا ينفع، وأن الأمراض المعدية مثل الحصبة وغيرها ستصيب الأطفال في كل الأحوال، خاصة في المناطق النائية.
من مديرية خوجياني بإقليم ننغرهار في شرقي أفغانستان، يقول المواطن جميل الرحمن خان وزير، لـ"العربي الجديد": "عندما كنت طفلاً قبل أربعة عقود، كنا نعيش في صحة كاملة، ولم تكن هذه التطعيمات موجودة، ولم نكن نسمع عن هذه الأمور التي تتحدث عنها وسائل الإعلام يومياً في هذا الزمن. كانت صحتنا في ذلك الحين أقوى رغم هشاشة الوضع المعيشي، لكن منذ أن بدأ انتشار هذه التطعيمات تدهورت الصحة، والشباب اليوم يواجهون مشاكل صحية متعددة، من بينها مشاكل في الإنجاب، وأعداد كبيرة يواجهون العقم، وبعد بلوغهم الأربعين من عمرهم يظهرون كأنهم تجاوزوا الستين، أما الأشخاص من الأجيال التي ترعرعت بلا تطعيم، فيعيشون حتى الثمانين في صحة. نؤمن بأن التطعيم مؤامرة غربية قد يكون وراءها أكثر من هدف، منها تدمير الجيل المستقبلي، والتجسس، ونشر العدوى والأمراض". يضيف خان وزير: "أشجع جميع الآباء على الابتعاد عن التطعيمات أياً كان نوعها، وأناشد علماء الدين وأساتذة المدارس والجامعات الحديث عن هذه القضية، وخاصة أننا لا نعرف مصدر تلك التطعيمات، ولا من يصنعها، وما أهدافه، علاوة على أن الأمراض لا تنتهي مع وجود التطعيمات، بل تزيد في بعض الأحيان".
في المقابل، يقول سيد رحيم، وهو معلم في مدرسة حكومية بالمديرية نفسها، لـ"العربي الجديد": "كل الشائعات التي انتشرت بخصوص التطعيمات هي محض أكاذيب، والعالم تطور، وبات لكل مرض دواء، وخطوات وقائية تمنع الإصابة به، من بينها التطعيمات، ونرى الأطفال الذين حصلوا على التطعيم ضد الحصبة أقل عرضة للخطر، حتى لو أصيبوا بالمرض فإنهم يتعافون سريعاً، بخلاف الآخرين الذين لم يأخذوا التطعيمات. كان الكثير من الأطفال يموتون في الماضي من دون معرفة الأسباب، وربما كانت هذه الأمراض السبب في وفاتهم، فالعالم لم يكن متطوراً كما هو الحال الآن".
في الشأن نفسه، يقول الطبيب محمد كريم أفغان يار لـ"العربي الجديد": "كنا نسمع من الكبار أنه في الماضي كانت الجوائح تأتي تباعاً، وتلك الناجمة عن أمراض مثل الملاريا والسل، كانت تقتل آلاف الناس، والآن بفضل العلم والتعليم والتطورات التي حصلت في مجال الطب، أصبحت كل تلك الأمراض عادية، وتتم معالجتها ببساطة، من هنا يتضح أن كل تلك الشائعات والخرافات نابعة من الجهل وقلة الوعي". ويؤكد أفغان يار أن "هناك عدة شرائح في المجتمع الأفغاني عليها أن تقوم بدورها في التوعية، من بينها علماء الدين، لكن بعضهم بدلاً من نشر الوعي، يقومون بدور سلبي للغاية، من هنا علينا النظر إلى القضية بعمق، وأن نتجنب الحكم على أساس العواطف، أو المساهمة في نشر شائعات لا يؤيدها علم ولا عقل. إلى جانب علماء الدين، على الزعامة القبلية أيضاً أن تقوم بدورها، وأن تقنع الآباء بضرورة تطعيم الأطفال، فمن دون ذلك سنخسر الكثير من صحة ومستقبل أطفالنا".