الخوف والتشاؤم وغيرُهما

06 مايو 2025
طفلة في جرمانا قرب دمشق تنظُر من شرفة منزلها إلى عربة عسكرية (30/4/2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه سوريا تحديات كبيرة تشمل التهديدات الإسرائيلية والشقاق الطائفي المتزايد، مما يثير القلق ويدفع البعض للتفكير في الهجرة الدائمة.
- النقاش حول مستقبل سوريا يتراوح بين التفاؤل بقدرة السوريين والسلطة الانتقالية على تجاوز الأزمات بدعم عربي وإقليمي، والتشاؤم بسبب افتقار السلطة للكفاءة.
- دعم السلطة الانتقالية الحالية يعتبر خياراً مهماً لتجنب الفوضى، مع ضرورة ممارسة النقد البناء لضمان تحسين الأداء والنجاح في هذه المرحلة الانتقالية.

لا بأس من بعض وعْظٍ مُلحٍّ في غضون ما يتتابع على سورية من وقائع مُقلقة. والعظة هنا أنّ علينا، جميعاً، يُرضينا أداء السلطة الراهنة في سورية أم يُغضبنا، أن نخافَ على سورية. هذا واجبٌ شديد الضرورة، أن يبدأ أيُّ كلامٍ عن هذا البلد، سوريين كنّا أم عرباً أشقّاء، بالخوف عليه، فالذئبُ الإسرائيلي لا يجهر برغبته في افتراس سورية فحسب، وإنما يُزاول عدواناً عليها كلّما عنّ له أن يفعل، للاستعراض وتوجيه رسائل إلى أهل القرار أحياناً ولتحطيم أي مقدّراتٍ عسكريةٍ أحياناً أكثر. وليس هذا الذئبُ وحدَه ما يوجِب الخوف المطلوب، فثمّة الشقاقُ الطائفيُّ الذي لا تُخفي نفسَها تعبيراتُه بين المجموع السوري، وكانت الخشية، لمّا انهار نظام آل الأسد، وهرب رئيسُه الساقط، قبل خمسة شهور، أن يحتدّ في مظهر احترابٍ أهليٍّ مسلّح، ولمّا لم يقع شيءٌ والحمد لله، عُدّ هذا نجاحاً للذين قادوا معركة ردع العدوان وأنجزوا النصر فيها، غير أن وقائع تتالت، موضعيةً هنا وهناك، ثم كارثة الساحل في مارس/ آذار الماضي، أشعلت غابةً من القلق الذي يسوّغ أرطالاً لازمةً من الخوف على سورية. وهذه وقائع جرمانا والسويداء وصحنايا، الأسبوع الماضي، معطوفةً على ما يسمّيها من هم أكثر درايةً من صاحب هذه المقالة "خطوط تماسّ" طائفية في حمص وريف حماة، تُنبئ أن القصّة أكبر (وأعمق؟) من تفلّت مجموعاتٍ مسلحةٍ غير منضبطة، وأكثر من جنوح زعيمٍ محليٍّ هنا أو هناك إلى استقواءٍ بخارج إسرائيلي أو غيره، وإنما هي، في الجوهر، أن ثمّة ما يُباعد سوريين عن بعضهم، أن وطنهم لا يجمع هؤلاء مع أولئك، أن تربّصاً ما يقوى في هذا ضدّ ذاك. وفي الأثناء، يُخبرنا من يُخبرنا أن سوريين، من هذه الأقلية وتلك، بمفرداتٍ ذائعة، ينشطون في تدبير أمور هجرتهم عن البلد إلى أي مطارح في العالم، فلم يعُد الميل فيهم إلى اغترابٍ من أجل عمل وتحصيل موارد العيش والرزق، وإنما ترك البلد من دون رجعة. ويتردّد أن نساءً من أولئك يتعرّضن لخطف، وأن تحريضاً طائفياً لا ينفكّ يشيع، ضدّهم وضد غيرهم.
ليس المقام أكاديمياً، ولا نقاشاً نخبوياً بين باحثين ومثقفين، لننشغل بتعيين من تسبّبوا في هذا الحال، في النظام الساقط، أو في سلطة ما بعد 8 ديسمبر، إنما هو أن نبدأ أيّ كلامٍ عن سورية، وهو كلامٌ ليس في الوسع أن نغادره لو رغبنا، بالخوف على سورية، للسببَيْن أعلاه، إسرائيل وذاك الشقاق الطائفي مجتمعيّاً، ولغيرِهما أيضاً. ولكن هذه الدعوة هنا إلى هذا الخوف لا تعني الاكتفاء بالمكوث فيه، وإنما أن يكون عتبةً أولى إلى ما بعدَه. وهنا، نجدُنا أمام خيارَيْن: التفاؤل أو التشاؤم. هذا حالنا، كلما اجتمع صحبٌ سوريٌّ، ومعهم محبّون لسورية وأهلها، يشرّق الحديث ويغرّب، في الذي يتراكم من حوادث وتلقانا تتقاطر إلينا من أرياف هذا البلد ومدنه وقراه وساحله وشرقه وغربه. نُصادف بعضَنا يتغلّف كلامُه بتفاؤلٍ بقدرة السوريين، وبقيادة سلطة الحكم الانتقالي الراهنة، على تجاوز كثيرٍ من الأوضاع والمتاعب والقلاقل والتحدّيات، سيّما إذا سوندوا عربياً وإقليمياً، وعاونهم الأقربون بما يلزمهم، وهم في شديد الحاجة إلى إغاثتهم بغير قليلٍ مما لدى العرب، في غير شأنٍ. والظاهر مما توبع في الشهور الخمسة الماضية أن ثمّة حماساً سعودياً وقَطرياً وأردنياً في هذه الوجهة. ونُصادف بعضنا الآخر في تشاؤمٍ حادّ، لا يرَوْن لدى السلطة الراهنة أيّ جدارة، ويرمونها بانعدام الكفاءة، ونُقصان الأهلية، ويحدّثونك عن أخطاءٍ وخطايا اقترفتها في هذا الأمر وغيره. وبالتالي، لا يجدون أنفسهم قادرين على التفاؤل بأن سورية في مستقبلها القريب ستَخرُج من الحطام الثقيل الذي تقيم فيه، فلا مؤشّرات، بحسبهم، تزيح عنهم التشاؤم الذي يستبدّ بهم.
ولكن، أليس ثمّة طريق ثالث غير ثنائية التشاؤم أو التفاؤل، سيّما أن لكل منهما أسانيده التي تجعلهما وجيهَيْن، ولو بحدود هنا وهناك؟. ليس سوى إجابة وحيدة، وعذراً للوعظ في الإلحاح عليها في مختتم هذه السطور، وهي أن سلطةً انتقاليةً قائمةً إذا انهارت لا سمح الله، فثمّة الفوضى والجحيم، ولا يملك أي عاقلٍ إلّا الاصطفاف في ضفّتها، بأن نكون مع نجاح تجربتها، على ما في هذه التجربة، في ظرفٍ شديد الحساسية والصعوبة، من ارتباكات وأخطاء وخطايا. وهذا اصطفاف من شروطه واستحقاقاته أن يشهر أصحابه النقد والانتقاد اللازمَيْن.

المساهمون