الصحة النفسية ضرورة للصمود وسط الأزمات وفي كلّ يوم

10 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 16:27 (توقيت القدس)
نزوح إلى وسط قطاع غزة، 21 سبتمبر 2025 (إياد البابا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر، مركزة في 2025 على الصحة النفسية في حالات الطوارئ الإنسانية مثل أزمة غزة وتشرد الملايين.
- تلعب أونروا دورًا حيويًا في دعم الصحة النفسية في غزة، مقدمة الإسعافات النفسية رغم التحديات ومحاولات التفكيك.
- تحذر يونيسف في لبنان من تأثير الأزمات على صحة الأطفال النفسية، مؤكدة على ضرورة إعطاء الأولوية للصحة النفسية كحق أساسي لضمان مستقبل أفضل للأطفال.

تبدو الأمم المتحدة بمختلف وكالاتها مستنفرة لإحياء اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يحلّ في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ عام. وقد راحت الوكالات تتناول موضوع الصحة النفسية كلّ واحدة انطلاقاً من نطاق اختصاصها، مع التشديد على أنّ "لا صحة من دون صحة نفسية". وتختصر منظمة الصحة العالمية القضية مؤكدةً أنّ "الصحة النفسية ضرورية لرفاهنا العام، وهي بأهمية الصحة البدنية نفسها".

ويأتي اليوم العالمي للصحة النفسية لعام 2025 ليصوّب على الصحة النفسية في حالات الطوارئ الإنسانية، وما أكثر أزمات اليوم. وتركّز حملة هذا العام على الحاجة الملحّة لدعم الصحة النفسية والاحتياجات النفسية والاجتماعية للأشخاص المتضرّرين من حالات الطوارئ الإنسانية الراهنة، من بينها نكبة الفلسطينيين في قطاع غزة، على سبيل المثال، وكذلك تشرّد ملايين البشر على طرقات اللجوء والنزوح حول العالم.

في هذا الإطار، يبدو قطاع غزة المنكوب نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة من بين الأهداف المباشرة لهذا اليوم. وبالفعل تؤكد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنّ "في أوقات الأزمات، تُعَدّ الصحة النفسية أمراً بالغ الأهمية"، مبيّنةً أنّ فرقها الصحية "تواصل تقديم الإسعافات الأولية النفسية، والاستشارات الفردية والجماعية، ودمج الدعم النفسي والاجتماعي في خدمات التعليم والصحة" في القطاع "حيث الدمار والنزوح والقصف والخوف والموت والجوع واقع يومي". وتشدّد وكالة أونروا، التي تتعمّد إسرائيل محاربتها بكلّ قواها منذ أكثر من عامَين هادفةً إلى تفكيكها، على أنّها تظلّ "أبرز مقدّمي الدعم النفسي والاجتماعي" للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.

تجدر الإشارة إلى أنّ جهات عدّة تحاول، منذ الأيام الأولى من الحرب على قطاع غزة، التركيز على الضرر اللاحق بالصحة النفسية للفلسطينيين المحاصرين والمستهدفين، من بينها الأطفال والنساء، في وقت ينصبّ فيه الاهتمام على الجروح البدنية. وتشدّد تلك الجهات، الأممية والدولية، على أنّ الفلسطينيين جميعاً، أو معظمهم، في حاجة ماسة إلى عناية بصحتهم النفسية أو إلى دعم نفسي، أو إلى التفاتة ما على أقلّ تقدير، وسط كلّ ما يعيشونه ويقاسونه، ولا سيّما الصدمات التي تخلّف لدى كثيرين اضطرابات نفسية عديدة، من بينها اضطراب ما بعد الصدمة.

وفي لبنان، تحذّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، من أنّ "سنوات من الأزمات المتداخلة"، من الأزمة الاقتصادية بدءاً من عام 2019 إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان التي بدأت في عام 2023 ولم تنتهِ مع وقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تجعل "صحة الأطفال النفسية لخطر جسيم". وتشدّد على أنّ "الصحة النفسية حقّ أساسي من حقوق الإنسان"، بالتالي "لا بدّ من منحها الأولوية ليتمكّن كلّ طفل من الأمل والحلم ومستقبل مليء بالفرص".

وكانت منظمة يونيسف قد أصدرت تقريراً في فبراير/ شباط الماضي، تناولت فيه أحوال أطفال لبنان بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ولا سيّما ما يتعلّق بالتراجع المسجّل لديهم على صعيد الصحة النفسية، وكذلك في مجالَي التغذية والتعلّم. وأكدت أنّ الحرب ألحقت "أضراراً كارثية بحياة الأطفال"، ما زالت آثارها تتردّد حتى بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ. وسلّطت الضوء على تأثير الأذى الجسدي والصدمات النفسية وفقدان التعلّم وسوء التغذية على صحّة أطفال لبنان ونموّهم، مشيرةً إلى "طفولة مدمّرة".

من جهتها، توضح المنظمة الدولية للهجرة أنّ "في حالات الطوارئ، قد تُشكّل الصحة النفسية الفارق بين النجاة والانهيار". وتؤكد أنّ من شأن خدمات الصحة النفسية "إنقاذ الأرواح من خلال مساعدة الناس على التأقلم والتعافي واكتساب القوة وسط الفوضى" القائمة في حالات الطوارئ. وتبيّن المنظمة أنّ في مثل تلك الحالات، يتضرّر شخص واحد من بين كلّ ثلاثة أشخاص، على صعيد صحته النفسية. وهو أمر يستوجب التحرّك، وإتاحة المجال أمام المتضرّرين وغيرهم للحصول إلى الخدمات اللازمة في هذا المجال.

وتشدّد المنظمة، في هذه المناسبة، على أنّ "الصحة النفسية لا تقلّ أهمية عن الصحة البدنية"، وتلفت إلى التحديات التي تواجهها في سبيل الحرص على سلامة الاشخاص، ولا سيّما أنّ تمويل الرعاية الصحية النفسية "ضئيل" وأنّ العمل على "ضمان عدم تخلّف أيّ كان عن الركب ليس بالأمر السهل". وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى إيمانها ووقناعتها بأنّ "من خلال حماية الصحة النفسية في حالات الطوارئ، نساعد المجتمعات على التعافي وإعادة التواصل وبناء مجتمعات أقوى"، مبيّنةً أنّ الصمود وسط الأزمات يبدأ برعاية نفسية مناسبة.

وفي إطار حملة هذا العام من اليوم العالمي للصحة النفسية، تشرح الأمم المتحدة أنّ الأزمات، من قبيل الكوارث الطبيعية والنزاعات وحالات الطوارئ الصحية العامة، تسبّب ضائقة نفسية، فيعاني شخص واحد من بين كلّ خمسة أشخاص من اضطراب في الصحة النفسية. وتبيّن أنّ دعم الصحة النفسية للأفراد في خلال هذه الأزمات ليس مهماً فحسب، إنّما من شأنه أن ينقذ الأرواح، ويمنح الناس القوة على التأقلم، ومساحة للتعافي والتعافي وإعادة البناء، ليس فقط بالنسبة إلى الأفراد إنّما كذلك المجتمعات.

بدورها، في سياق يوم الصحة النفسية، تشدّد منظمة الصحة العالمية، المعنيّة الأولى بهذا اليوم المدرج على رزنامة الأمم المتحدة، على أنّ "الشفاء، عند وقوع الأزمات، لا يقتصر على الجانب الجسدي فحسب، بل يشمل كذلك قلوبنا وعقولنا". وتشرح أنّ "جعل الصحة النفسية في صميم كلّ استجابة طوارئ من شأنه أن يُنقذ الأرواح ويُعزّز القدرة على الصمود ويحمي المجتمعات"، مضيفةً أنّ "على القادة جعل الصحة النفسية أولوية في الاستجابة للطوارئ، لأنّ التعافي يتجاوز مجرّد البقاء على قيد الحياة".

المساهمون