القضاء الليبي يلاحق تزوير الجنسية واختراق الهوية المجتمعية

03 مايو 2025
تعزز ثغرات إدارية التزوير في ليبيا، 4 إبريل 2025 (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النيابة العامة في ليبيا تراجع 282,447 ملفاً لمنح الجنسية لضبط الإجراءات وملاحقة المتورطين في التزوير، مع صدور أحكام قضائية ضد مسؤولين وموظفين حكوميين متورطين.
- تزوير الجنسية يهدد النسيج الاجتماعي في ليبيا، حيث يسهل التشابه الثقافي واللغوي بين القبائل التزوير، ويزيد غياب الرادع القانوني والانفلات على الحدود من تفاقم المشكلة.
- الإجراءات القضائية تعكس جدية الدولة، والباحث العيساوي يقترح العودة لآليات قديمة لمنح الجنسية وإنشاء سجلات إلكترونية لمكافحة التزوير.

في منتصف إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت النيابة العامة في ليبيا أنها راجعت 282,447 ملفاً تعلقت بمنح الجنسية، في إطار حملة نفذتها لمكافحة التزوير الذي قالت، في بيان رسمي، إنه "يهدف إلى العبث في بيانات المواطنة"، مشيرة إلى أن "الخطوة تهدف إلى ضبط إجراءات منح الجنسية، والتحقق من كون المتقدمين ذوي أصول ليبية، وملاحقة المتورطين بتزوير الوثائق عبر تحريك دعاوى جنائية ضدهم لحماية حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". 

وسبق هذا الإعلان صدور أحكام قضائية في حق العديد من المتورطين بتزوير أوراق الجنسية الليبية. ففي منتصف فبراير/ شباط الماضي، قررت النيابة العامة حبس مسؤولين في مصلحة الأحوال المدنية على ذمة تحقيق في تهم تتعلق بتزوير 200 قيد عائلي لصالح أشخاص غير ليبيين، من خلال "العبث ببيانات الإقامة والانتقال كي يستطيعوا الحصول على ميزات غير شرعية مثل وظائف عامة وجوازات سفر". 
وبعد أربعة أيام فقط أعلنت النيابة العامة حبس موظفين حكوميين وخمسة وافدين في مدينة طبرق (شرق) تورطوا، بحسب التحقيقات التي أجريت، بتزوير بيانات وهمية لعائلات، منها بيانات زوجة وتسعة أبناء وهميين، ما سمح بحصول مغتربين على أرقام وطنية استخدموها في الحصول على وظائف واستخراج جوازات سفر.
وفي مارس/ آذار الماضي، قضت محكمة جنايات مصراته شرق العاصمة طرابلس بسجن أربعة ضباط في مصلحة الجوازات والجنسية، بعدما إدانتهم بتهمة "تزوير أختام حكومية ووثائق رسمية بغرض التربح غير الشرعي".
ولم تكن هذه الوقائع الأولى، إذ صدرت العام الماضي العديد من الأحكام المشابهة، أحدها من محكمة الجنايات في طرابلس في فبراير، وقضى بسجن 58 من أفراد عصابة، بينهم موظفون حكوميون، أدينوا بتزوير وثائق في مصلحة الجوازات والجنسية، ما عكس تفشي الظاهرة على نطاق واسع قد يصعب ضبطه في حال عدم حصول تحرك رادع سريع.
ويحذر مراقبون من تداعيات خطيرة لتزوير الجنسية على النسيج الاجتماعي الليبي، لا سيما في ظل الظروف الأمنية الهشة التي تعيشها البلاد منذ سنوات. 
ويصف الباحث في مركز الدراسات الاجتماعية (حكومي) عبد الرؤوف العيساوي تزوير الهوية الوطنية بأنه "اختراق خطير لوحدة الهوية المجتمعية"، ويلفت إلى أن "الخطر سيزداد بسبب امتداد جذور قبائل ليبية إلى دول مجاورة".

يحذر مراقبون من مخاطر تزوير الهوية الوطنية الليبية، 27 يوليو 2024 (محمود تركية/ فرانس برس)
يحذر مراقبون من مخاطر تزوير الهوية الليبية، 27 يوليو 2024 (محمود تركية/ فرانس برس)

ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التشابه الثقافي واللغوي لأفراد القبائل الممتدة على جانبي حدود ليبيا مع المناطق المجاور قد يسهّل حصولهم على الجنسية خصوصاً أن التشابه الثقافي واللغوي يصل أحياناً الى حدّ التطابق الكامل، ما يعطي أيضاً موظفين ذريعة لقبول التزوير وتنفيذه على أرض الواقع استناداً إلى الصلاحيات الممنوحة إليهم. كما أن ليبيا تعاني من غياب الرادع القانوني الذي يمنع هذه المخالفات المؤثرة على الواقع الداخلي للبلاد، ومن انفلات على الحدود يسهّل في الوقت ذاته محاولة قبائل الحصول على أوراق ثبوتية مزورة من موظفي دوائر الجنسية المتواطئين".
ويشدد العيساوي على "ضرورة التعامل مباشرة مع القادة الاجتماعيين كإحدى وسائل الحدّ من الظاهرة الخطرة"، ويحذر من "أن التهديدات التي تواجهها قيم المواطنة عبر تحويل الانتماء الى ورقة تشترى تنذر بتبعات اجتماعية واختراقات في التركيبة السكانية قد تتفاقم مع الوقت".
وفيما يُشيد بجهود القضاء والنيابة العامة في ملاحقة الظاهرة ومكافحتها، يعتبر الباحث الليبي أن الأحكام التي صدرت ضد متورطين يمكن أن توجه رسالة رادعة مهمة، كما أنها تظهر جدية الدولة في التعاون مع المسألة باعتبار أن الأحكام طاولت مسؤولين وضباطاً في مكاتب مصلحة الجوازات والجنسية، لكنه يقترح أيضاً أن تستعين السلطات القضائية بـ"الآليات القديمة التي تأسست عليها عملية منح الجنسية الليبية منذ خمسينات القرن الماضي، لأنها تعتمد على إثبات الانتماء إلى القبائل الليبية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتكشف وقائع التزوير والإجراءات التي اتخذتها النيابة العامة في شأنها عن نمط متكرر في ارتكاب جرائم خاصة بتزوير الجنسية. ويوضح أن "التزوير قائم على استغلال ثغرات إدارية، مثل تواطؤ موظفين حكوميين، أو الإفادة من سجلات لأشخاص متوفين، أو تزوير عقود الزواج، لذا نشدد على أهمية إنشاء سجلات إلكترونية باعتبارها إحدى الوسائل ذات الفعّالية الكبيرة لمكافحة ظاهرة إنتاج مواطنين هم فعلياً بلا جذور حقيقية في المجتمع الليبي".

المساهمون