الكتب المدرسية المستعملة في المغرب ملاذ للفقراء في مواجهة الغلاء

19 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 17:00 (توقيت القدس)
تخفف الكتب المدرسية المستعملة عبء مصاريف الموسم الدراسي لدى أسر مغربية (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تنتشر أسواق الكتب المدرسية المستعملة في المغرب مع بداية كل عام دراسي، لتلبية احتياجات الأسر ذات الدخل المحدود عبر توفير كتب بأسعار منخفضة، مما يخفف الأعباء المالية المرتبطة بتكاليف التعليم.

- يعمل الباعة بجد لتنظيم الكتب وعرضها بأسعار تنافسية تتراوح بين 20 و50 درهماً، بهدف مساعدة الأسر في تجاوز الأعباء المالية، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة.

- رغم الفوائد المالية، لا تلبي الأسواق جميع احتياجات الأسر بسبب تغييرات الطبعات، مما يعكس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ويؤثر نفسياً على الأطفال مقارنة بكتب زملائهم الجديدة.

مع كل دخول مدرسي، تعود مشاهد بيع الكتب المدرسية المستعملة وشرائها إلى الواجهة في الدار البيضاء ومدن مغربية أخرى. في الشوارع والأسواق والأزقة، تنتشر البسطات والعربات الصغيرة، حيث تُعرض الكتب في انتظار زبائن يبحثون عن بدائل أقل كلفةً. وتجد كثير من الأسر في هذه الأسواق غير الرسمية فرصةً لتدبير مصاريف الدراسة، ببيع ما تبقّى من كتب العام الماضي واقتناء أخرى تناسب المستوى الجديد.
عبد الغني (24 عاماً)، بائع كتب مستعملة في ساحةٍ قريبةٍ من سوق الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء غربي المغرب، بدا منشغلاً في ترتيب كتبه المدرسية استعداداً لقدوم زبائنه. يستخرجها من علب كرتونية واحدةً تلو الأخرى، ثم يصفّها بعنايةٍ فوق البسطة في محاولة لإبراز عناوينها وجعلها في متناول الأيدي.
كانت يداه تتحركّان بهمّةٍ ونشاطٍ، وهو يرصّ العناوين بعنايةٍ فوق البسطة، فيما تتعقب عيناه المارة بحثاً عن أول زبون يتوقف عنده. يقول لـ"العربي الجديد":  إنّ هذا العمل الموسمي ينشط خلال هذه الفترة من السنة، فبيع الكتب المدرسية المستعملة يخفف على الأسر المصاريف، وفي الوقت نفسه، يضمن لنا دخلاً يساعدنا على تدبير أمورنا".

كتب مدرسية مستعملة معروضة للبيع في أحد أسواق المغرب (العربي الجديد)
كتب مدرسية مستعملة معروضة للبيع في أحد أسواق المغرب (العربي الجديد)

يضيف: " نحرص على أن تكون الأسعار في متناول الجميع. فالكتب المستعملة تُباع عادة بين 20 و50 درهماً (ما بين دولارين وخمسة دولارات) حسب حالتها والطلب عليها، فالفرق بين سعر الجديد وسعر المستعمل كبير، ما يشجع الأسر على الإقبال علينا. فهناك من يوفّر نصف المصاريف تقريباً باعتماده على هذه السوق، خصوصاً العائلات التي لديها أكثر من طفل يدرسون في مستويات مختلفة".
غير بعيد عن عبد الغني، وفي السوق نفسها، كانت امرأة أربعينية تحمل في يدها لائحة كتب مدرسية. توقفت عند بائع مجاور وسألته: "هل لديك كتب السنة الأولى ثانوي علمي؟" أجابها بابتسامة: "نعم، بعضها متوفر." شرع يساعدها في جمع ما تبحث عنه من فوق البسطة، يمدّ لها كتاباً تلو الآخر، بينما تتفحّص هي العناوين وتقارنها بما في قائمتها. لم تجد كل ما تريده عنده، لكنّها اقتنت منه ما توفر بعد أن فاوضته في السعر، ليمنحها تخفيضاً مناسباً. وقبل أن تغادر، وعدها قائلاً: "عودي بعد يومين، وسأحاول تدبير باقي المقررات".
يقول هذا البائع لـ"العربي الجديد" إنه يزاول هذا النشاط الموسمي منذ سنوات، اعتاد خلالها شراء الكتب من الأسر والتلاميذ ليعيد عرضها من جديد فوق بسطته، قبل أن تعود بسرعة إلى حقائب تلاميذ آخرين. ويضيف بنبرة واثقة: "المهم هو أن يواصل الأبناء دراستهم من دون أي عقدة نقص، فليس مهماً إن كان المقرر جديداً أو مستعملاً، ما دام يؤدي الغرض نفسه".
ويشير إلى أنه يشعر بمعاناة الأسر التي تثقلها التكاليف المدرسية وأعباء الحياة، خاصة ذوي الدخل المحدود أو العائلات التي لديها أكثر من ابن في مراحل مختلفة "هؤلاء يبحثون عن حلول وسط، وأنا أحاول أن أراعي ظروفهم في الأسعار، لأن هدفي ليس الربح فقط، بل أيضاً مساعدة الناس البسطاء، وأنا منهم، على تجاوز هذه المرحلة التي باتت ترهق ميزانياتهم، خصوصاً مع الغلاء الذي نعيشه اليوم".
وفي ساحة أخرى بحي الألفة في الدار البيضاء حيث تصطف بسطات بائعي الكتب المستعملة إلى جانب القرطاسية والمحافظ ولوازم الدخول المدرسي، كان تلميذان يتقدمان بخطوات نحو أحد الباعة وهما يحملان بين أيديهما كتباً للمستوى الأول إعدادي. سلّماها له ليعاينها بدقة؛ قلّب صفحاتها واحدة تلو الأخرى، فبدت في حالة جيدة، بلا تمزيق ولا اهتراء.
رفع رأسه إليهما قائلاً: "أعرض عليكما 40 درهماً (نحو أربعة دولارات) مقابلها، لكن التلميذين، وقد اعتادا هذه الأجواء في الأسواق، أصرا على التفاوض بهدف زيادة السعر، وفي النهاية، توصلا إلى اتفاق ببيعها بخمسين درهماً (قرابة خمسة دولارات). سلّما الكتب بارتياح، وتلقيا المبلغ، ثم انطلقا مسرورين، وقد نجحا في تحويل كتب العام الماضي إلى مبلغ يساعدهما في اقتناء مستلزمات أخرى للدخول المدرسي.
وبالقرب من أحد الباعة، كان أب يرافق ابنه وهو يتفحّص كتب الرياضيات واللغة الفرنسية يقول: "عندي ثلاثة أبناء في مراحل دراسية مختلفة، إذا اشتريت لهم كل شيء جديداً فلن تكفيني أجرتي وسأضطر للاقتراض. لذلك نلجأ إلى هذه الأسواق لأنها تخفف عنا الكثير. فمثلاً كتاب جديد في المكتبات يصل ثمنه إلى 120 درهماً (نحو 12 دولاراً)، بينما أشتريه هنا مستعملاً بـ40 درهماً فقط (حوالى أربعة دولارات). المهم أن يتابع أبنائي دراستهم".
وبينما كان يتفحّص أحد التلاميذ كتبه المستعملة التي حصل عليها للتو، يوضح: "بالنسبة لي لا يهم إن كان الكتاب جديداً أو قديماً، المهم أن أجد فيه الدروس كاملةً وأستطيع أن أراجع منها. أحياناً أفرح أكثر عندما أجد ملاحظات أو رسوماً كتبها تلميذ قبلي، أشعر أن حياة أخرى مرت من الكتاب".

كتب مدرسية مستعملة معروضة للبيع في أحد أسواق المغرب (العربي الجديد)
كتب مدرسية مستعملة معروضة للبيع في أحد أسواق المغرب (العربي الجديد)

أبدى تلميذ آخر شيئاً من الحرج: "أحياناً أشعر بعدم الراحة عندما أفتح كتاباً مستعملاً، خصوصاً إذا كانت صفحاته مطوية أو مليئة بخربشات تلميذ سابق. زملائي في القسم بعضهم يأتون بكتب جديدة، وهذا يجعلني أشعر بالفرق. لكن في النهاية، أتفهم أن والديّ لا يستطيعان شراء كل شيء جديداً، والمهم أن أتمكن من متابعة دروسي".

كتب مدرسية مستعملة معروضة للبيع في أحد أسواق المغرب (العربي الجديد)
تساهم الكتب المستعملة في تخفيف عبء مصاريف الدخول المدرسي (العربي الجديد)

غير أن سوق الكتب المستعملة لا تفي دائماً بجميع حاجيات الأسر، إذ يظل الحصول على بعض العناوين أمراً صعباً، خاصة المقررات التي يطرأ عليها تغيير في الطبعات أو تعديل في محتواها. وغالباً ما يضطر الآباء، بعد جولات طويلة بين البسطات، إلى شراء بعض الكتب الجديدة من المكتبات لتكملة القائمة. هذا التفاوت يجعل السوق الموسمية حلاً جزئياً يخفف العبء، لكنه لا يلغي تماماً ثقل المصاريف مع كل دخول مدرسي.
بدوره، يقول المتخصص الاجتماعي والباحث في علم النفس محمد حبيب، لـ"العربي الجديد"، إن انتشار أسواق الكتب المدرسية المستعملة في المغرب يكشف عن تفاوت اجتماعي واقتصادي صارخ بين الأسر. ففي حين لا تتجاوز تكلفة الكتب في التعليم العمومي خمسمائة درهم، فإنها قد تصل في التعليم الخصوصي إلى ألفي درهم، وهو ما أكدته تقارير المندوبية السامية للتخطيط. هذا التفاوت يجعل الأسر الميسورة قادرة على شراء الجديد كل موسم، بينما تضطر الأسر الهشة إلى اللجوء إلى أسواق الكتب المستعملة باعتباره خياراً وحيداً. هنا تلتقي المعطيات الميدانية مع ما قاله ماركس عن إعادة إنتاج الفوارق الطبقية عبر التعليم، ومع ما أبرزه بورديو حول "الرأسمال الثقافي" الذي يميز أبناء الطبقات الميسورة عن غيرهم.

لكن هذه الظاهرة ليست مجرد اضطرار اقتصادي، بل تحمل، وفق حبيب، أيضاً بُعداً تضامنياً داخل الأحياء الشعبية. تبادل الكتب بين الأسر أو الإخوة والجيران يخفف العبء النفسي والمالي، ويجسد ما يسميه علماء الاجتماع بـ"رأس المال الاجتماعي"، أي قوة الروابط التي تنشأ لمواجهة الأزمات في هذه الحالة.
في المقابل، يظل للتجربة أثر نفسي على الأطفال أنفسهم، إذ قد يشعر بعضهم بالحرمان حين يقارن كتبه البالية بكتب زملائه الجديدة، وهو ما يعكس البعد النفسي للحرمان النسبي. بذلك، تتحول الكتب المستعملة إلى مرآة تكشف في آن واحد هشاشة البنية الاقتصادية للتعليم، وحيوية المجتمع وقدرته على ابتكار حلول من الداخل.

المساهمون