استمع إلى الملخص
- أُجبرت 90% من المرافق الطبية في مناطق النزاع على الإغلاق، مما يحرم ملايين السودانيين من الرعاية الصحية، وسط اتهامات متبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع للطواقم الطبية بالتعاون مع الفصيل الآخر.
- تواجه الطواقم الطبية تهديدات إضافية مثل المجاعة، حيث يعاني 26 مليون شخص من جوع حاد، مع تعليق أنشطة بعض المستشفيات بسبب الأوضاع الأمنية، وسط تحذيرات من تدهور سريع في الخدمات الصحية.
بعد 20 شهراً من الحرب، تبدو المنظومة الصحية في السودان متهالكة وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة، في حين رُصدت مجاعة في انحاء من البلاد إلى جانب انعدام الأمن. وعلى الرغم من القصف المتواصل، يقول الطبيب السوداني محمد موسى إنّه مستمرّ في عمله كما غيره من الأطباء، في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس. ويشهد السودان منذ منتصف إبريل/ نيسان 2023 حرباً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو ما أدّى إلى مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتشريد 12 مليون شخص ما بين نازح ولاجئ، وتسبّب في "أكبر أزمة إنسانية" في العالم، بحسب لجنة الإنقاذ الدولية (آي أر سي).
ويشير موسى، المتخصّص في الطبّ العام والبالغ من العمر 30 عاماً، من مستشفى النو الذي يُعَدّ من آخر المنشآت العاملة في أم درمان بولاية الخرطوم، "لقد خدّرتنا التفجيرات". ويؤكد أنّ "لا خيار" أمام العاملين في القطاع الصحي "إلا الاستمرار"، على الرغم من كلّ ما يحيط بهم، ولا سيّما أزيز الطلقات النارية وهدير الطائرات الذي يهزّ الأرض تحت أقدامهم. وفي مستشفى النو الذي يستهدفه القصف وفقاً لبيانات منظمة أطباء بلا حدود، يفيد أفراد من الطاقم الطبي بأنّهم يعالجون جروحاً ناجمة عن طلقات نارية في الرأس والصدر والبطن وحروقاً بالغة وكسوراً في العظام، ويلجأون إلى عمليات بتر أطراف حتى لدى أطفال لا تتجاوز أعمارهم أربعة أشهر.
وتضمّ ولاية الخرطوم، حيث يقع مستشفى النو، 87 مستشفى تعرّض نصفها تقريباً لأضرار كبيرة في الفترة المتراوحة بين منتصف إبريل 2023 و26 أغسطس/ آب 2024، وفقاً لما تظهره صور أقمار صناعية نشرتها جامعة "يال" في الولايات المتحدة الأميركية وجمعية الأطباء السودانيين الأميركيين. وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سجّلت منظمة الصحة العالمية 119 هجوماً على المرافق الصحية، شملت تفجيرات وإطلاق قذائف مدفعية وإطلاق الرصاص والنهب والاقتحام.
في هذا الإطار، يقول مستشار الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود كايل ماكنالي لوكالة فرانس برس إنّ "ثمّة تجاهلاً كلياً لحماية المدنيين"، مشيراً إلى "دمار واسع النطاق" أدّى إلى "تدهور الخدمات الصحية". من جهته، صرّح المتحدّث باسم نقابة الأطباء السودانيين سيد محمد عبد الله لوكالة فرانس برس بأنّ "كلّ واحد من المعسكرَين (المتحاربَين في السودان) يظنّ أنّ الطواقم الطبية تتعاون مع الفصيل الآخر، الأمر الذي يؤدّي إلى استهدافها".
وتفيد بيانات نقابة الأطباء السودانيين بأنّ نحو 90% من المرافق الطبية في مناطق النزاع أُجبرت على إغلاق أبوابها، الأمر الذي يحرم ملايين السودانيين من الرعاية الصحية. وتكشف كذلك أنّ قوات الدعم السريع دخلت إلى منشآت صحية لتوفير العلاج لجرحاها أو لملاحقة "أعدائها"، وقد نفّذ مقاتلوها عمليات انتقامية ضدّ أطباء بعد وفاة رفاق سلاح في أثناء تلقّيهم العلاج، فيما يُتّهم الجيش بتنفيذ غارات جوية على المستشفيات. تضيف النقابة أنّ نحو 78 من العاملين في مجال الصحة قُتلوا منذ بداية الحرب في مواقع عملهم أو في منازلهم.
تجدر الإشارة إلى أنّه في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، علّقت منظمة أطباء بلا حدود أنشطتها بمعظمها في مستشفى بشائر الجامعي، أحد المستشفيات الوحيدة التي كانت لا تزال عاملة في جنوب الخرطوم، بعدما اقتحم مقاتلون المنشأة. ويؤكد عبد الله أنّ "لا مبرّر لاستهداف المستشفيات أو الطواقم الطبية لأنّ الأطباء لا يميّزون بين مريض وآخر". من جهة أخرى، يواجه الأطباء في السودان تهديد المجاعة كذلك، علماً أنّ نحو 26 مليون شخص في البلاد يعانون من جوع حاد، بحسب البيانات الأخيرة الصادرة عن الأمم المتحدة.
🔴 Update from South #Khartoum, #Sudan
— MSF Sudan (@MSF_Sudan) November 19, 2024
Médecins Sans Frontières (MSF) has resumed full operations at Bashair Teaching Hospital in South Khartoum after a brief suspension due to security concerns following an armed incursion.
Following discussions with interlocutors on the… pic.twitter.com/uNcJWlxgxk
وبين منتصف أغسطس ونهاية أكتوبر الماضيَين، كان العاملون في مستشفى الأطفال في أم درمان يقدّمون الرعاية الصحية لنحو 40 طفلاً يومياً، كثيرون منهم في حالة حرجة، وفقاً للطبيبة نورة إدريس التي استُبدل اسمها لدواع أمنية. وتقول هذه الطبيبة لوكالة فرانس برس: "في كلّ يوم، يلقى ما بين ثلاثة أطفال وأربعة حتفهم لأنّ حالتهم ميؤوس منها أو بسبب نقص الأدوية".
ويحذّر المتحدّث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان عدنان حزام، في تصريح إلى وكالة فرانس برس: "من دون مساعدة فورية للمنشآت الصحية نخشى تدهوراً سريعاً" في الخدمات. ويشير إلى أنّ "القانون الدولي الإنساني يحمي الطواقم الطبية والمستشفيات ومركبات الإسعاف، لكنّ لا قيمة تُذكر لهذه المبادئ في السودان". من جهته، يقول الطبيب محمد موسى: "في بعض الأيام، نشعر بأنّ الوضع لا يُحتمَل، لكنّنا لا نستطيع التوقّف (عن أداء المهام)"، مؤكداً: "هذا واجبنا تجاه الناس الذين يتّكلون علينا".
(فرانس برس)