استمع إلى الملخص
- يرى إدريس السدراوي أن الترحيل يمثل مقاربة أمنية ضيقة تتعارض مع التزامات المغرب الدولية، ويؤكد على أهمية الإدماج وضمان حقوق المهاجرين.
- يشير محمد رشيد الشريعي إلى أن الترحيل يتم في ظروف لا تراعي الكرامة الإنسانية، ويقترح وضع إطار قانوني شفاف ودعم المدن المستقبلة بموارد إضافية.
أثارت مقاطع فيديو توثق عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من المغرب على متن حافلة انطلقت من مدينة الدار البيضاء نحو مدينة بني ملال، خلال الأسبوع الماضي، انتقادات حقوقية وصل صداها إلى البرلمان، وطالبت النائبة مريم وحساة، وزير الداخلية بالكشف عن الأساس القانوني والتنظيمي لإجراءات ترحيل المهاجرين، والتدابير التي تعتزم الوزارة اتخاذها لضمان احترام مبادئ المساواة بين المواطنين والمقيمين.
وتكرر السلطات المغربية ترحيل مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء من المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط، ومن مدن الشمال مثل الحسيمة وطنجة، والفنيدق والناظور، إلى مدن داخلية مثل تزنيت وورزازات وبني ملال وآسفي، رغم ما يثيره ذلك من سجالات حادة. وفي 3 سبتمبر/أيلول الماضي، وصلت إلى مدينة الرشيدية (جنوب شرق) ثلاث حافلات تقلّ مهاجرين أفارقة جرى ترحيلهم من عدد من مدن الشمال.
يقول رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية)، إدريس السدراوي، لـ"العربي الجديد"، إن "ترحيل المهاجرين ممارسة مقلقة من المنظور الحقوقي، لأنه يمس بالكرامة الإنسانية، ويخالف روح الدستور الذي ينص بوضوح على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً، كما أنه يتعارض مع الاختيارات الوطنية التي قدّمها المغرب باعتباره بلداً رائداً في مجال الهجرة واللجوء".
ويضيف السدراوي: "عمليات الترحيل هي مقاربة أمنية ضيقة للتحكم في تدفقات المهاجرين نحو الحدود الشمالية أو المدن الكبرى، والاقتصار على البعد الأمني لا ينسجم مع التزامات المغرب الدولية، خاصة الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة، كما أن هذه الممارسات تناقض التوجهات الملكية التي أكدت مراراً أن الهجرة ليست جريمة، واختيار المغرب سياسة إنسانية جديدة للهجرة منذ 2013، قوامها الإدماج وضمان الحقوق".
بدوره، يقول رئيس المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، محمد رشيد الشريعي، لـ"العربي الجديد": "هناك إجماع في الأوساط الحقوقية على أن عملية الترحيل تتم غالباً في ظروف لا تراعي الكرامة الإنسانية، إذ يتم نقل المهاجرين في حافلات أو شاحنات، وتركهم في المدن الصغيرة أو في أماكن نائية. الأسباب المحتملة تشمل الرغبة في تفريغ المدن الكبرى، أو المناطق الحدودية من المهاجرين، خاصة تلك القريبة من الحدود الأوروبية، أو التي تشهد محاولات عبور جماعي، لكن تظل عملية الترحيل مقاربة أمنية أكثر من كونها إنسانية أو اجتماعية".
ويوضح الشريعي: "نعتبر بوصفنا منظمة حقوقية أن هذه العمليات تخرق حقوقاً إنسانية مثل الحق في السكن الكريم، والاستقرار، والكرامة، كما أن طبيعة المدن المستقبِلة غالباً ما تفتقر للبنية التحتية الكافية، ولا تتوفر فيها الوظائف أو الخدمات الأساسية لاستيعاب المهاجرين الجدد، ما يثير شعوراً بالتهميش لأن فرصهم في المدن الصغيرة تكون أقل من المدن الكبرى التي تضم المزيد من الأنشطة الاقتصادية".
ويتابع: "يبدو أن هذه الممارسات ليست معزولة أو مؤقتة، بل جزء من سياسة متكررة يمكن رصدها من خلال بلاغات منظمات حقوقية تفيد برصد حالات ترحيل جماعي دورية، ولا يوجد دليل على أن الدولة توقفت عن هذا الأسلوب رغم التحذيرات من اتباع هذا المسار. ونقترح وضع إطار قانوني واضح وشفّاف، وتحديد القوانين والإجراءات التي تسمح بترحيل أو نقل المهاجرين داخلياً، فضلاً عن إشراك القضاء والمؤسسات الحقوقية ذات الصلة في مراقبة عمليات النقل والترحيل لضمان عدم حدوث انتهاكات".
ويضيف الناشط الحقوقي: "في حال استمرار الترحيل، ينبغي دعم المدن المستقبلة بموارد إضافية، وخلق فرص لتمكين المهاجرين من العيش الكريم، والمساهمة في المجتمع المحلي، مع إنشاء مراكز استقبال مؤقتة مجهزة بالخدمات الأساسية، واعتماد بطاقات إقامة مؤقتة تسمح للمهاجر بالتنقل والعمل، ووضع خطة تواصل تشرح للمواطنين والمهاجرين أسباب الترحيل وأهدافه لتفادي التوترات".
بينما يشدد إدريس السدراوي على "ضرورة اعتماد مقاربة حقوقية شاملة في ملف الهجرة تنطلق من احترام الكرامة والحقوق الأساسية للمهاجرين، وتفعيل برامج الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لهم، كما أوصت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وخطة العمل الوطنية للهجرة، إضافة إلى إشراك المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في تنفيذ السياسات العمومية في مجال الهجرة. استمرار الترحيل يعكس تناقضاً بين الخطاب الرسمي والالتزامات الدستورية والدولية التي جعلت المغرب بلد استقبال وإدماج، لا بلد عبور أو ترحيل".