انعدام الفرص يفاقم هجرة الجزائريين السرية

12 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:54 (توقيت القدس)
يجد جزائريون في الهجرة السرية ملاذاً، جنوب إسبانيا، 25 يوليو 2020 (خيسوس ميريدا/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تمكن سبعة قاصرين جزائريين من الوصول إلى جزيرة إيبيزا الإسبانية بعد سرقة قارب، مما يثير تساؤلات حول دور العائلات الجزائرية في مراقبة أبنائها وسط المخاطر.
- الباحث زين الدين خرشي يفسر الهجرة السرية في الجزائر كتعبير عن موقف سياسي بسبب شلل الدولة، مشيراً إلى أن الهجرة أصبحت ثقافة مدفوعة بغياب الأفق وانعدام الأمل.
- دعا النائبان أحمد صادوق وعبد الوهاب يعقوبي إلى جلسة نقاش برلمانية لمناقشة ظاهرة الهجرة السرية، مؤكدين على فشل المنظومات الجزائرية في صناعة الأمل وإتاحة الفرص.

أثارت قصة القاصرين الجزائريين السبعة الذين تمكنوا مؤخراً من الوصول بمفردهم إلى جزيرة إيبيزا على السواحل الإسبانية تساؤلات بشأن دور العائلات الجزائرية ومدى حرص أولياء الأمور على مراقبة أبنائهم المراهقين وسط عالمٍ محفوف بالمخاطر.
ونشر الفتيان السبعة الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 سنة مقطع فيديو شرحوا فيه ظروف رحلتهم على متن قارب سرقوه من مرفأ في العاصمة الجزائرية، حيث أبحروا لمسافة تزيد على 200 كيلومتر، من دون قائد يُتقن قيادة القارب، ومن دون التمتع بأي خبرة أو معرفة مُسبقة بالإبحار والاتجاهات.

ويفسّر الباحث المتخصص في علم الاجتماع وقضايا الهجرة والتحولات الاجتماعية، زين الدين خرشي، ظاهرة الهجرة السرية في الجزائر، والتي تُعرف مجتمعياً بـ"الحرقة"، بأنّها تعبير عن موقف سياسي، في ظل شلل الدولة وحالة الإغلاق السياسي، ما يدفع الشباب إلى الهروب من واقع غير متغيّر ومن دون أي أفق، بنظرهم. ويقول خرشي لـ"العربي الجديد" إن قصة القاصرين السبعة تشير إلى تراجع كبير بدور العائلة الجزائرية تجاه أفرادها، ما قد يدفع ببعض العائلات إلى مراقبة الأولاد والمراهقين ورفع درجات اليقظة تجاه ما يشاهدونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وعمّا إن كان هؤلاء القُصّر ضحايا الصور النمطية التي تروّج أوروبا باعتبارها ملاذاً آمناً، يوضح خرشي أن وسائل التواصل الاجتماعي لها بالطبع تأثيرها الكبير، أضف ذلك إلى الرغبة الجامحة في الهجرة، مشيراً إلى أن "قصة القاصرين السبعة قذفت بهذه الفئة العمرية التي كانت تعيش على الهامش إلى الأضواء، في حادثة تمثل هروباً من واقع متأزم يقتل الأمل ويحرم الجزائريين من التمتع بقوى اجتماعية وازنة تساعد بصياغة حلول لمختلف التحديات المجتمعية".

ويرى أن "حالة الانسداد والغلق والجمود والتعطيل التي صارت ترافق كل تفاصيل حياة الجزائريين، تفاقم ظاهرة الهجرة السرية، مع العلم أن معدلات الهجرة تراجعت بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة الأولى من فترة الحراك الشعبي في عام 2019".

الشلل السياسي يدفع بالجزائريين نحو البحر، إسبانيا 25 يوليو 2020 (خيسوس ميريدا/ Getty)
الشلل السياسي يدفع جزائريين نحو الهجرة، 25 يوليو 2020 (خيسوس ميريدا/ Getty)

ويلفت الباحث الجزائري إلى أن ظاهرة الهجرة لها خصوصيتها في الجزائر، مقارنةً ببلدان مجاورة مثل تونس والمغرب ومصر، كونها تتغذّى من وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف. ويعتبر أن "الهجرة السرية في الجزائر تأتي ضمن سياق سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي، عنوانه غياب الأفق وانعدام الأمل بالنسبة للشباب. وقد تشكلت ثقافة عامة مشجعة على الهجرة، ويُعدّ الشباب والشابات أكثر الفئات المؤمنة بالهروب والهجرة باعتبارهما الحل الوحيد والأكثر عقلانية"، مؤكداً أن "الهجرة صارت غاية بحد ذاتها، ولم تعد مجرد وسيلة للعمل في الخارج ثم العودة إلى البلاد، إنما تحولت إلى ثقافة لها أبطالها وسرديتها وأساطيرها ولغتها وقاموسها الخاص".

ويستغرب خرشي "غياب أي رد فعلي رسمي أو شبه رسمي من الحكومة الجزائرية حول القضية، وكأن الأمر لا يعني السلطات". ويتابع: "تبقى الهجرة السرية موقفاً سياسياً إزاء وضع معيّن، وهناك جو عام طارد وغير محفّز في الجزائر. كما أن الوضع المتأزم وحالة التعطيل التي تشهدها البلاد يثيران هواجس عديدة لدى شرائح واسعة من المجتمع الجزائري، حيث يتجادل المواطنون بشأن حقيقة التعطيل ومدى ارتباطه بجهات معيّنة خططت له أم أنه مجرد حدث طارئ. لكن الأهم من ذلك هو الشعور العام السائد بأن البلد معطّل، وبأن القوى المجتمعية والاقتصادية وقوى الدولة جميعها مكبّلة. وقد انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي خطاب شبابي يتحدث عن شخصية المسؤول الكهل، بوصفه المسؤول عن هذا التعطيل".

وبرزت مواقف سياسية تدعو إلى وقف ظاهرة الهجرة السرية، حيث دعا النائبان أحمد صادوق وعبد الوهاب يعقوبي، البرلمان الجزائري إلى تنظيم جلسة نقاش عام تُخصص لمناقشة ظاهرة الهجرة السرية وكيفية معالجة جذورها، من أجل الخروج بتوصيات مُلزمة للجهاز التنفيذي على شكل خطة متكاملة تنخرط في تنفيذها مختلف المؤسسات والجهات ذات الصلة.

وأعلن النائب صادوق أن حادثة هروب القُصّر تعكس فشل كل المنظومات والمقاربات المعتمدة في الجزائر، بمختلف مفاصلها ومؤسساتها، حيث فشلت في صناعة الأمل وجعل البلاد مكاناً جاذباً، وأخفقت لناحية إتاحة الفرص وإشاعة الحريات واحتواء المواطنين، ولا سيّما الشباب، ما يعكس فشل المنظومة الاجتماعية، ومن ضمنها الأسرة الجزائرية التي تخلّت عن دورها، أضف إلى إخفاق المنظومات الإعلامية والدينية، والمنظمات والجمعيات الأهلية، وحتى أغلب الأحزاب الجزائرية في المساهمة بتأطير الشباب واستيعابهم.

المساهمون