بحيرة طبريا... حكايات عن الأديان واقتراب الخطر البيئي
استمع إلى الملخص
- تحظى البحيرة بأهمية دينية في الديانات السماوية الثلاث، مما يجعلها وجهة سياحية مهمة، رغم افتقار الجانب الأردني للبنية التحتية المناسبة.
- تواجه البحيرة تحديات بيئية واقتصادية خطيرة، مثل انخفاض مستوى المياه وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر على الزراعة ويزيد من الحاجة إلى محطات التحلية.
تكتسب بحيرة طبريا المحاطة بهالة دينية كبيرة أهمية جيوسياسية كونها مصدراً رئيسياً للمياه العذبة في المنطقة، ما يجعلها محور نزاعات إقليمية في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة.
ليس سهلاً أن يقف شخص على بعد كيلومترات قليلة من بحيرة طبريا، حيث المثلث الأردني الفلسطيني السوري، ولا يستطيع أن يروي ظمأه من مياهها العذبة، فبحكم الإحتلال الإسرائيلي يمكن أن يروي هذا الشخص فقط ظمأ عينيه وشوقه الذي لا ينتهي، وليس ظمأ جسمه، فالبحيرة مأسورة كما الأرض.
سُميت البحيرة نسبة إلى مدينة طبريا المحتلة المجاورة التي بُنيت عام 20 ميلادية، وحملت اسم الإمبراطور الروماني طيباريوس قيصر، ويُطلق عليها أيضاً اسم بحيرة الجليل لأنها تقع جغرافياً في إقليم الجليل. وتقع في الجزء الشمالي من مسار نهر الأردن بين منطقة الجليل شمالي فلسطين وهضبة الجولان المحتلتين، ومساحتها 166 كيلومتراً مربعاً وطول سواحلها 53 كيلومتراً، ويبلغ أقصى عمق فيها 46 متراً.
وتعتبر البحيرة أحد أهم موارد المياه العذبة لسكان مدن ومناطق يسكنها مستوطنون يهود، وتزود الاحتلال الإسرائيلي بنحو ثلث حاجته من المياه. وتحصل بحيرة طبريا على مياهها من روافد أنهار الأردن وبانياس واليرموك في سورية، وأخرى مصدرها لبنان.
ويرتبط انحسار مياه طبريا في أذهان المسلمين بالحديث النبوي الذي يربط جفاف البحيرة بظهورالمسيح الدجال، ويأجوج ومأجوج ، ويعد من بين علامات الساعة الكبرى في التراث الإسلامي. كما ترتبط البحيرة في الديانة المسيحية بمعجزات منسوبة للسيد المسيح، وتحظى أيضاً برمزية خاصة عند اليهود، إذ تقول روايات إنه دُوّن قربها "التلمود الفلسطيني" أو "التلمود الأورشليمي"، والذي يُعد من أهم النصوص الدينية في التراث اليهودي.
يجلس حمادة تحت خيمة للاستراحة من عمله في مزرعة أبقار بالأردن، تقع قرب المثلث الحدودي، حيث تظهر بوضوح معالم بحيرة طبريا، ويقول لـ"العربي الجديد" خلال مراقبته مياه البحيرة الساكنة: "انحسرت مياه البحيرة فعلاً، فقد كانت تصل إلى الأراضي الأردنية، وحالياً تباعدت".
وتفيد بيانات بأن مستوى المياه في بحيرة طبريا وصل إلى 212 متراً تحت سطح البحر، ما يعني أن البحيرة تقترب من الخط الأحمر السفلي بمقدار متر واحد فقط، وهذا حدّ تحذيري يشير إلى بداية الخطر البيئي. والخط الأحمر السفلي (ناقص 213 متراً) هو النقطة التي تصبح فيها مياه البحيرة غير صالحة للاستخدام البشري والزراعي، ويبدأ النظام البيئي البحري في التأثر بشكل ملحوظ، بحسب ما يقول خبراء بيئيون.
وتشكل بحيرة طبريا التي تخضع بالكامل للاحتلال منذ عام 1948، أحد العناصر المؤثرة في اقتصاد إسرائيل، خصوصاً في قطاعات الزراعة والسياحة والصيد التجاري، إذ تُستخدم مياهها لري السهول الفيضية المحيطة بها، والتي تُنتج مجموعة كبيرة من المحاصيل، منها الموز والحمضيات والخضار والعنب والنخيل والزيتون والمانغا. كما تُنقل كميات كبيرة من مياه البحيرة لري الأراضي الزراعية في المناطق الأكثر جفافاً في الوسط والجنوب، ما يساهم بشكل كبير في زيادة الإنتاج الزراعي للاحتلال.
كما تُعد بحيرة طبريا وجهة شهيرة للسياحة الداخلية والخارجية، ويزورها الحجاج لأن الدين يحضر بقوة فيها، فعلى مشارفها، وفي الجانب الأردني تحديداً، يقع كهف النبي عيسى الذي اكتشف عام 1994، وبحسب نصوص الإنجيل، يعتقد أنه الكهف الذي أقام فيه السيد المسيح 40 يوماً، وكان أولى محطاته في شرق النهر، خلال رحلته من الجليل إلى كفر ناحوم إلى جدارا، المدينة الهيلينستية القديمة التي كانت لفترة في حلف المدن العشر، وتقع أنقاضها اليوم في بلدة أم قيس بلواء بني كنانة الذي يطل على بحيرة طبريا.
وبحسب الإنجيل أيضاً، شهدت بحيرة طبريا معجزة طرد الأرواح الشريرة من مجنونَين اثنين، وخروج الأرواح الشريرة منهما ودخولها في قطيع خنازير فرّ وغرق في البحيرة أمام أهل جدارا. كما حدثت في البحيرة، بحسب الإنجيل، معجزة سير السيد المسيح على المياه عندما هاجت أمواجها، وذلك لإنقاذ تلاميذه الذين كانوا في سفينة.
وفي وقت ينفذ الإحتلال الإسرائيلي مشاريع سياحية عدة على ضفاف البحيرة ومناطق محيطة، يفتقر الجانب الأردني المطل على البحيرة إلى بنية تحتية سياحية، كما أن الطريق الذي يوصل إلى البحيرة ضيّق، ويتضمن مسرباً واحداً مليئاً بالحفر، رغم أنها منطقة جذب سياحي مهمة.
وأقام عدد من سكان المنطقة على مشارف بحيرة طبريا وأماكن تطل عليها "بيوت شعر"، ووضعوا فيها طاولات وكراسي لاستقبال زوار وسياح وتقديم مياه ومرطبات لهم. وهم يعتمدون في معيشتهم على المجموعات السياحية التي قلّ حضورها إلى المنطقة بسبب الحرب العدوانية الاسرائيلية على قطاع غزة، والحروب التي تشنها دولة الإحتلال الإسرائيلي على أكثر من بلد في الجوار، ما صنّف المنطقة بأنها "غير آمنة".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، حذرت سلطة المياه الإسرائيلية من كارثة بسبب جفاف بحيرة طبريا والأنهار المتدفقة في منطقة الشمال، وأوضحت أن درجات الحرارة المرتفعة تحطم أرقاماً قياسية عاماً بعد آخر، وأن جفاف العام الحالي لا مثيل له منذ قرن، استناداً إلى معطيات وبيانات تشير إلى شُح المياه في منطقة الشمال، خصوصاً بعدما شارف نهر بانياس الذي ينبع من سورية، والذي يعد أحد روافد نهر الأردن، على الجفاف.
وذكرت أيضاً أن "استهلاك الزراعة الإسرائيلية لكميات المياه المختلفة على أنواعها العذبة والمكررة والمالحة، والمقدرة بنحو 1.2 مليار متر مكعب سنوياً، يتصاعد في وقت يزداد عدد السكان والطلب على المياه، أما كمية الأمطار فلا تزداد بالوتيرة ذاتها، بل حتى تقل".
ورأت سلطة المياه الإسرائيلية أن "الحل لمواجهة الكارثة يتمثل في إنشاء مزيد من محطات التحلية لأن أكبر مستهلك للمياه هو قطاع الزراعة.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قالت الباحثة الفلسطينية في هندسة البيئة، سميّة فلاح: "ليست مسألة المناخ هامشية، فكمية الأمطار كانت قليلة خلال العام الماضي، إلى جانب انخفاض منسوب مياه الأنهار". وشددت على أن "الحركة الصهيونية على مدى عقود عبثت بالطبيعة الفلسطينية وطوّعتها لخدمة المشروع الاستيطاني، وربط المستوطنين بالأرض عبر زراعتها".