بعد المؤبد.. الحرية تطرق باب عائلة الأسير الفلسطيني حابس بيوض
استمع إلى الملخص
- بدأت العائلة إجراءات السفر إلى مصر لرؤية حابس، رغم قيود الاحتلال. اعتقل حابس عام 2000 بتهمة قتل جنديين، وحكم عليه بالسجن المؤبد، مما شكل صدمة للعائلة.
- فرحة العائلة منقوصة بسبب إبعاد حابس وبقاء أسرى آخرين. قررت العائلة عدم توزيع الحلوى احتراماً للشهداء، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في الحرية.
بعد 23 عاماً من الاعتقال المؤبد، تستعد عائلة الأسير الفلسطيني حابس بيوض من رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، لاستقباله ضمن صفقة التبادل المرتقبة وسط فرحة ممزوجة بمرارة الإبعاد، لكن الحرية طرقت باب العائلة بعدما حررت المقاومة ابنها الذي كان يقضي حكماً بالسجن المؤبد.
لم يمنع انتصار بيوض (77 عاماً)، من المشاركة دون انقطاع في فعاليات مساندة الأسرى شيء سوى كسور في قدمها بعدما تعثرت خلال عودتها من أحد الاعتصامات قبل ثلاثة أشهر، فقد كانت بيوض لا تترك مناسبة دون أن ترفع صورة ابنها حابس (51 عاماً)، الأسير في سجون الاحتلال والمحكوم بالسجن مدى الحياة، ليتوج كل ذلك بالحرية. وتواصل حابس مع شقيقه، أول أمس السبت، مبلغاً إياه بأنه سيخرج في صفقة التبادل بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، وسيكون أحد المبعدين عن الضفة الغربية، بينما ورد اسمه، صباح اليوم الاثنين، ضمن قائمة الأسرى المفترض الإفراج عنهم بالصفقة.
بعدما استخدمت والدة حابس مساعد المشي الطبي، جلست في باحة المنزل بين أبنائها وأحفادها والابتسامة مرتسمة على شفتيها تحمل الصورة ذاتها التي لطالما رفعتها في الاعتصامات، رغم أنه سيفرج عن ابنها خارج الضفة، ورغم أنها لا تعلم إن كان سيسمح لها بالسفر أم لا، إلا أنها تقول لـ"العربي الجديد"، إنها تشعر بأن الله قد عوضها عن كل الصبر الذي صبرته. تقول والدته إنها استقبلت نبأ قرب الإفراج عن ابنها بكل فرح، واستقبلت إبعاده برحابة صبر، فالمهم عندها أنه سيخرج وأنها ستراه سعيداً، وأن تحتضنه، وهو الذي لم يغب عن تفكيرها لحظة واحدة، "لم يغب عني لأن الابن مهجة القلب، يمكن أن يفرط الإنسان بكل شيء إلا بابنه، الأم لا يمكنها أن تفرط بابنها، والحمد لله أنني وصلت إلى هذه المرحلة، وأدعو الله أن يفرج عن بقية الأسرى، وأن يجبر خواطرهم كما جبر خاطرنا".
تقول بيوض إنها لم تترك الاعتصامات وميادين الإسناد لابنها وللأسرى يوماً، واعدة بأن تظل تدعمهم ما دامت لديها القوة لذلك وللمشاركة بالاعتصامات المساندة لهم، فهم جميعاً أبناؤها كما حابس. وتخطط بيوض لاستقباله، لاحتضانه، لرؤيته، ولتزويجه، وهو ما لم يكن مستحيلاً في مخيلتها، رغم أنه محكوم بالمؤبد، فحين كان أي شخص يتحدث معها حوله، كانت تقول إنها تتوكل على الله وتثق به، بل إنها لم تكن تتوقع أن يظل في السجن 23 عاماً.
اعتقل الاحتلال عدداً من أشقاء حابس سابقاً، وخبرت العائلة سجون الاحتلال منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي
بدأت العائلة، منذ صباح أمس الأحد، إجراءات استخراج جوازات سفر من أجل التوجه إلى مصر، دون أن تعلم إن كانت ممنوعة من السفر أم لا، رغم أن حابس قال لشقيقه إن مخابرات الاحتلال أبلغته بعدم وجود منع للسفر لعائلته، لكن منع عدد من عائلات الأسرى ومنهم أسرى من بلدة حابس المزرعة الغربية، غرب رام الله، وسط الضفة، دفعت العائلة للتأني والسؤال، ليتبين لها أن سلطات الاحتلال تمنع العائلات وتبلغهم بأن عليهم التقدم بطلب للسفر بعد 48 ساعة من الإفراج عن أبنائهم، ولذا لا يزال الأمل لدى الوالدة بالسفر.
حيثيات اعتقال حابس بيوض
ولقصة اعتقال حابس والحكم عليه حيثيات كانت سبباً في مزيد من المعاناة لوالدته، فهو اعتقل وخضع للتحقيق في معسكر المسكوبية لخمسة وأربعين يوماً، على خلفية مقتل جنديين داخل مركز شرطة رام الله القديم عام 2000، وأفرج عنه، ليتم اعتقاله مرة أخرى بعد أشهر. يروي جمال بيوض، شقيق حابس، حيثيات الحكم لـ"العربي الجديد"، فالعائلة يوم النطق بالحكم، وكان قد مر على اعتقاله عامان ونصف، كانت تتوقع أن يفرج عنه بعدما تحدث محامي الدفاع عن توقعه بأن الحكم سيكون فقط مدة الاعتقال التي أمضاها، كونه كان موجودا في مكان الحادثة، لكن العائلة فوجئت بالقاضي وهو يتلو الحكم بالمؤبد مدى الحياة. كان الحكم، كما يقول جمال، بمثابة الفاجعة، ما دفعه للشجار مع المحامي، ولاحقاً فقدان والدته الوعي، لكن وبعد مرور الزمن وتتالي الأحداث من استشهاد شبان واعتقال آخرين والحكم عليهم بأحكام عالية، استطاعت العائلة ووالدة حابس التعاطي مع الأمر.
العائلة في أحاديثها كانت تتوقع، كما يروي جمال، أن يقضي حابس 20 عاماً وليس السجن مدى الحياة، واتصاله بذويه وإبلاغهم بأنه سيفرج عنه بالصفقة بعد 23 عاماً من الاعتقال كان بمثابة تصديق لتلك التوقعات، يقول جمال إن الثقة بأنه لن يقضي كل حياته في السجن، "نابعة من الإيمان بالله أولاً، وبأن الشعب له الحق في الحياة، وأن مسيرته في ذلك مستمرة، وأن الطبيعي في تاريخ القضية الفلسطينية أن تحدث الكثير من الأمور كل فترة من الزمن تكون نتيجتها الإفراج عن الأسرى".
ورغم حديث الوالدة عن استقبال قرار الإبعاد بحق ابنها برحابة صدر، إلا أنّ جمال اعتبره فرحة منقوصة، ويعود ذلك كما يقول لفكرة لم الشمل، فوجود حابس في الخارج سيعني أن جزءاً من عائلته لن يتمكن من رؤيته، وخاصة الأسرى المحررين، وقد اعتقل عدد من أشقائه سابقاً، وخبرت العائلة سجون الاحتلال منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي باعتقال والد حابس المتوفى. فضلاً عن ذلك، فإن الفرحة منقوصة بالنسبة للعائلة في ظل بقاء أسرى في السجون لا سيما من المحكومين بالمؤبد، وكذلك في ظل وجود عشرات آلاف الشهداء في غزة، ولذلك قررت العائلة ألا توزع الحلوى فرحاً بالإفراج عن ابنها احتراماً لكل ذلك.
ولم تنه العائلة حديثها دون ذكر غزة وشهدائها، فقد ترحم جمال على شهداء غزة، واستذكر أطفالها الذين تحولوا كما قال إلى آباء وأمهات وهم أطفال، قائلاً إن "وجود طفل يحمل شقيقه الطفل، ويصبح بمثابة أبيه أو أمه لا يمكن وصفه في كل كتب العالم"، مؤكداً أن "من حق الشعب الفلسطيني الحرية كما كل الشعوب، ومن حقه أن يستقبل أسراه ويطالب بهم كما يطالب الاحتلال بأسراه".