بين الهراوات والدخان: تونس تشرّد آلاف المهاجرين من بساتين الزيتون

06 ابريل 2025
مهاجرون أفارقة يجمعون أمتعتهم بعد طردهم من بساتين الزيتون، 5 إبريل 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قامت السلطات التونسية بتفكيك مخيمات المهاجرين غير النظاميين في صفاقس، استجابة لتحذيرات الرئيس قيس سعيّد ومطالبات أصحاب الأراضي، مما أثار جدلاً واسعاً.
- يسعى المهاجرون لتحقيق "الحلم الأوروبي" رغم التحديات، وتعاونت تونس مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير النظامية، مما أدى إلى تقديم مساعدات مالية.
- رغم تأكيد السلطات على إنسانية عمليات التفكيك، تواجه انتقادات حقوقية، ويطالب المراقبون بخطط بديلة، بينما نفى الرئيس سعيّد توقيع اتفاق لترحيل المهاجرين.

بخطى ثابتة وهراوات في أيديهم، انطلق عناصر الأمن التونسي، هذا الأسبوع، على طول مسار متعرج بين صفين من أشجار الزيتون في مدينة العامرة بريف ولاية صفاقس في شرق تونس، بينما يفرّ أمامهم مهاجرون من دول جنوب الصحراء، بعدما أحرقت خيامهم البدائية. تظهر صور من المكان مهاجرين عاجزين يراقبون تصاعد الدخان من مسافة بضع مئات من الأمتار، وبجانبهم ما تيسر لهم من الأغراض الحياتية.

وفي لحظة من الحيرة، يتحدث الشاب المالي باكايو عبد القادر (26 عاماً)، لوكالة فرانس برس، قائلاً: "لا أعرف ماذا أفعل"، بعد أن أطلقت السلطات التونسية هذا الأسبوع عملية واسعة النطاق لتفكيك المخيمات العشوائية للمهاجرين.

الصورة
حرق خيم مهاجرين أفارقة في صفاقس، 5 إبريل 2025(فرانس برس)
تصاعد الدخان من خيام المهاجرين المحترقة، 5 إبريل 2025 (فرانس برس)

منذ عامين، تحولت بساتين الزيتون في منطقة العامرة على ساحل البحر المتوسط إلى مخيمات غير رسمية لآلاف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. ومع ازدياد التوترات في المنطقة، تطورت القضية إلى أحد المواضيع المثيرة للجدل في تونس، وسط حملة شرسة ضد المهاجرين وتزايد مطالب أصحاب الأراضي بطرد الوافدين الجدد من حقولهم.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد حذّر في عام 2023 من تدفق "جحافل المهاجرين غير النظاميين" من جنوب الصحراء، مؤكداً أن هذا يأتي ضمن "مخطط إجرامي لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس".

"الحلم الأوروبي" وتداعياته

وعبر العديد من المهاجرين صحاري مالي والجزائر، وأملوا الوصول إلى السواحل الإيطالية عبر البحر الأبيض المتوسط، لتحقيق "الحلم الأوروبي". في عام 2023، دخلت تونس في شراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي منحها مساعدات بقيمة 255 مليون يورو، جزء كبير منها مخصص لمكافحة الهجرة غير النظامية.

ويقول بنجامان إينا، مهاجر نيجيري يبلغ من العمر 29 عاماً، وهو يحمل كيساً من العصير المجفف: "أريد الالتحاق بشقيقي في إيطاليا، لكن بعد أن نجوت من حادث غرق في البحر المتوسط، أبدأ في التفكير في العودة إلى بلدي".

تختلف خطط المهاجرين بين العودة إلى دولهم أو محاولة الوصول إلى أوروبا رغم العقبات، لكن معظمهم يتفقون على شيء واحد: مغادرة تونس في أسرع وقت ممكن.

"عملية إنسانية" أم تهدئة للتوترات؟

وتؤكد السلطات التونسية أن عملية تفكيك المخيمات جرت بطريقة "إنسانية"، مع احترام حقوق المهاجرين في العودة الطوعية إلى بلدانهم. ووفقاً للمتحدث باسم الحرس الوطني التونسي حسام الدين الجبابلي، فإن "عملية إزالة المخيمات العشوائية انطلقت في إطار قانوني وأمني يحترم البعد الإنساني".

من جهة أخرى، يشير رمضان بن عمر، من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى أن عملية التفكيك قد تكون محاولة "لتفريق المهاجرين"، بهدف تهدئة التوترات بين السكان المحليين، ولكنه يرى أن هذه الاستراتيجية "لن تنجح" في ظل التحديات المستمرة التي يواجهها المهاجرون في تونس.

هل ستستمر الأزمة؟

ورغم جهود السلطات التونسية لإغلاق المخيمات، يشير العديد من المراقبين إلى أن المهاجرين سيعيدون بناء مخيمات جديدة في حال لم تُوضع حلول بديلة. في هذا السياق، يطالب رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير بضرورة وضع خطط بديلة لملف المهاجرين، خاصة أن "إدارة هذا الملف لا يمكن أن تجرى خارج إطار القوانين والاتفاقات الدولية".

وتتزايد الضغوط على تونس في ظل زيادة أعداد المهاجرين الذين رحلوا، حيث وصل عدد المرحلين في 2024 إلى 7 آلاف و250 مهاجراً من دول جنوب الصحراء، بزيادة كبيرة عن الأعوام السابقة.

سعيد ينفي توقيع اتفاق لترحيل التونسيين من أوروبا

على صعيد منفصل، نفى الرئيس التونسي قيس سعيّد، اليوم الأحد، توقيع بلاده أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يقضي بترحيل المهاجرين التونسيين غير النظاميين من دول التكتل.

ويأتي هذا النفي في ظل موجة من الغضب الشعبي داخل تونس بسبب عمليات ترحيل مكثفة لمواطنين تونسيين دخلوا أوروبا من دون تأشيرات، خصوصاً من إيطاليا، إلى جانب ألمانيا وفرنسا وعدد من الدول الأخرى.

وتنقل رحلات جوية منظمة، شهرياً وأسبوعياً، مرحّلين تونسيين من المطارات الأوروبية إلى مطار طبرقة شمال غربي تونس، ومطار النفيضة–الحمامات على الساحل الشرقي.

وفي تصريح أدلى به خلال مشاركته في مراسم إحياء ذكرى وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير، أوضح سعيّد أن تونس لم توقّع في عهده أي اتفاقية تقضي بترحيل المهاجرين، مشيراً إلى وجود اتفاقيتين أُبرمتا في عامي 2008 و2011، أي قبل توليه منصبه في عام 2019.

يُذكر أن تونس وقّعت، في يوليو/تموز 2023، خلال ولاية سعيّد الأولى، مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي برعاية إيطاليا، تتضمن التعاون في مكافحة الهجرة غير النظامية مقابل حوافز اقتصادية ومالية تتجاوز مليار يورو.

وتُبدي منظمات حقوقية في تونس تحفظات على هذه المذكرة، مشيرة إلى أن العديد من بنودها، خاصة ما يتعلق بمكافحة الهجرة، تفتقر إلى الشفافية والوضوح.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون