تدمير مدينة غزة... قصف وتفجيرات تمهيداً لتهجير الأهالي
استمع إلى الملخص
- الوضع الإنساني يتدهور بشكل خطير، حيث أعلنت الأمم المتحدة حالة المجاعة، مع تفاقم سوء التغذية بين الأطفال، مما يستدعي تدخل المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات وحماية المدنيين.
- يعيش سكان غزة ليالي قاسية تحت القصف، متمسكين بأرضهم رغم المخاطر، ويواجهون تحديات كبيرة في تأمين سلامتهم وسلامة أطفالهم.
لم يتوقف القصف والتدمير منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنه ازداد شراسة مع تزايد التهديدات الإسرائيلية باحتلال محافظة غزة وتهجير سكانها نحو الجنوب.
ليس الليل في قطاع غزة وقتاً للراحة، وإنما لزيادة الرعب والقتل، فالطائرات الإسرائيلية بمختلف أنواعها تغطي سماء القطاع، وأصوات القصف والتفجيرات لا تهدأ في غالبية المناطق، خصوصاً المناطق الشرقية والشمالية من مدينة غزة المهددة باحتلالها وطرد سكانها البالغ تعدادهم نحو مليون فلسطيني، تعيش غالبيتهم في ما تبقى من مناطق غربي المدينة، وهو مسعى يصر عليه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة.
وتبدو خطة جيش الاحتلال ممنهجة، إذ يتعمد سياسة القصف المتواصل ليلاً، وتفجير الروبوتات المفخخة في الأحياء القريبة من مناطق التوغل البري، مثل حيي التفاح والصبرة جنوبي مدينة غزة، ومناطق جباليا البلد والنزلة شماليها، إضافة إلى استخدام الطائرات المُسيرة لمراقبة الأحياء، وقصف الأهداف أو توجيه الإنذارات، وتقوم الطائرة المُسيرة المعروفة باسم "كواد كابتر" بإطلاق النار على المواطنين ومنازلهم، أو تفجير الشقق السكنية، ما يجعل فترات الليل بالغة القسوة على المدنيين، وخصوصاً النازحين في الخيام أو ما تبقى من المنازل، إذ يتسبب في حرمانهم من النوم، ويجبرهم بالتبعية على النزوح جنوباً.
وفي وقت سابق، أكدت نائبة المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة دانييلا غروس، في تصريح صحافي، أن "النزوح القسري زاد بسبب الهجمات الإسرائيلية، وأن نحو 17 ألف حالة نزوح جديدة سجلت في أنحاء قطاع غزة خلال المدة بين 12 و20 أغسطس/آب الجاري، و95% من حالات النزوح القسري تحدث في مدينة غزة، والناس يفرون من شرق المدينة إلى جنوبها أو غربها هرباً من الهجمات الإسرائيلية".
والجمعة الماضي، أعلنت الأمم المتحدة حالة المجاعة في مدينة غزة، مشيرة إلى أنها ستنتقل خلال الشهر المقبل إلى مدينتي دير البلح وخانيونس. وحذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين مارس/آذار ويونيو/حزيران الماضيين، نتيجة لاستمرار الحصار. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، وأن الحصار المتعمد وتأخير المساعدات تسببا في فقدان أرواح كثيرة، وأن ما يقارب واحداً من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني سوء تغذية حاداً.
ومنذ صادقت حكومة الاحتلال على قرار احتلال مدينة غزة، بدأت التحشيد العسكري، واستدعاء الآلاف من جنود الاحتياط، ويتزامن ذلك مع استمرار العملية العسكرية في المناطق الشرقية من المدينة. ورغم تكثيف القصف والتدمير والتفجير لإجبار سكان المدينة على ترك منازلهم والتوجه نحو الجنوب، يرفض كثيرون النزوح، ويؤكدون تمسكهم بالبقاء في شمال القطاع.
واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن تهديدات الاحتلال المتكررة ومخططاته لاجتياح مدينة غزة تنذر بكارثة إنسانية يتحمل مسؤوليتها الاحتلال والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، مشيراً إلى أنّ "أي اجتياح لمدينة غزة سيشكل جريمة حرب كبرى، خاصة في ظل تدمير الاحتلال الممنهج للمنظومة الصحية في محافظتي غزة والشمال، وتوقف المستشفيات عن العمل بكامل طاقتها، ما يفاقم المعاناة الإنسانية ويعرض آلاف الأرواح للخطر".
وحذّر المكتب الإعلامي من أن "هذه التهديدات تكشف نية مبيتة لارتكاب عمليات قتل جماعي وتهجير قسري، ونطالب المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، وكافة المؤسسات الحقوقية بالوقوف أمام مسؤولياتهم القانونية، والتحرك العاجل لردع الاحتلال ووقف جرائمه، وحماية المدنيين، وضمان بقاء المنظومة الصحية فاعلة داخل مدينة غزة".
تعيش الفلسطينية مادلين خلّة رفقة عائلتها في منطقة جباليا النزلة، شمالي القطاع، ليالي قاسية بسبب شدّة القصف وأصوات الانفجارات، كون المنطقة قريبة من مناطق التوغل البري والاستهدافات، وتقول لـ"العربي الجديد": "نعيش أياماً صعبة للغاية كوننا نسكن في منطقة ملاصقة لجباليا البلد التي يُصنفها الاحتلال منطقة حمراء خطيرة. أعيش داخل منزل العائلة المكون من ثلاثة طوابق، والذي يضم أكثر من 30 فرداً غالبيتهم نساء وأطفال، ومع دخول المساء، يصبح الحي منطقة أشباح، ونعتمد على ضوء خافت خشية طائرات الكواد كابتر التي تنتشر بكثافة في ساعات المساء".
تضيف خلّة: "نبقى جميعاً في غرفة واحدة لا تطل على الشارع، وفي المساء يكون كل طفل ملاصقاً لشخص كبير، ويعيش الأطفال حالة هستيريا من شدّة الخوف. تفجير الروبوتات في المنازل القريبة يتكرر يومياً، ونشعر أن زلزالاً ضرب المنطقة، إذ يحدث اهتزازات في جميع البيوت، ونتوقع القصف المفاجئ في أي لحظة، ما يجعلنا نعيش حالة قلق دائم. رغم كل ذلك لن ننزح، مهما كلفنا البقاء من ثمن".
على بُعد أمتار في الشارع نفسه، تعيش أم محمد عسلية مع أطفالها الأربعة، ويلازمهم الخوف طيلة الوقت، خصوصاً في أوقات المساء التي يزداد فيها القصف وتفجير البيوت. تقول لـ"العربي الجديد": "نعيش حالياً أقسى أيام الحرب، إذ لا نتذوق للنوم طعماً، ولا نشعر بالراحة طيلة اليوم. عند دخول المساء، يظل أطفالي ملاصقين لي، ويرفضون التجول حتى داخل البيت من شدة الخوف. القصف المدفعي لا يتوقف، وطائرة الكواد كابتر وقفت مرّات عدة على شباك المنزل الذي أعيش فيه، والطلقات النارية التي يطلقها القناصة لا تتوقف أيضاً. لكننا لا نفكر بالنزوح، فإلى أين سنذهب؟".
يجلس الفلسطيني أحمد مهدي صالح أمام خيمة نصبها في ساحة مدرسة عبد الله الدحيان قرب شارع الجلاء في حي الشيخ رضوان، ودوامة من الأفكار لا تفارق عقله نتيجة قسوة ساعات الليل التي يعيشها مع عائلته المكونة من أربعة أفراد. يقول لـ"العربي الجديد": "أشعر كأنني أعيش في منطقة حدودية من شدة القصف والانفجارات التي تزداد في ساعات المساء. الخوف يزداد على أطفالي، ما يدفعني إلى عدم النوم، ويزيد القلق كوني أعيش في خيمة لا يمكنها أن تحميني وأطفالي من أي شظايا قد تسقط نتيجة أي قصف قريب".
ويتابع: "نسمع صوت طلقات طائرات الكواد كابتر تمر من جانب الخيمة، وفي إحدى المرات، أصابت رصاصة الخيمة، وكادت أن تودي بحياة طفلي. نعيش كوابيس حقيقية، ولم يعد الليل وقتاً للراحة، وإنما ساعات من الخوف المتزايد. لا أفكر في النزوح إلى جنوب القطاع، لكن إذا اشتد القصف، قد اضطر للانتقال إلى منطقة أخرى أشعر فيها بأمان أكبر لي ولأطفالي".
يعيش الفلسطيني محمد حجازي مع عائلته المكونة من خمسة أفراد في منطقة الصبرة، جنوبي مدينة غزة التي تتعرض لعملية عسكرية متواصلة منذ أكثر من عشرة أيام، ما أجبر الكثير من سكانها على النزوح إلى مناطق غرب المدينة وجنوبها.
يقول حجازي لـ"العربي الجديد": "بعد الاقتحام المباغت لحي الزيتون في جنوب المدينة، تقدمت آليات الاحتلال إلى شرق منطقة الصبرة، ورافق ذلك قصف مستمر لا يكاد يتوقف، وخصوصاً في ساعات المساء، إذ يتقدم جيش الاحتلال عبر الروبوتات التي تحمل مئات الكيلوغرامات من المتفجرات، والتي تُفجّر في منازل في المنطقة، ما يثير مخاوف الكبار والأطفال".
ويضيف: "نزحت غالبية الناس إلى المناطق الغربية باتجاه منطقة الصناعة وشاطئ البحر، والآلاف منهم مصرون على البقاء في مدينة غزة، ولن يتجاوبوا مع مطالب الاحتلال بالتهجير إلى مناطق الجنوب. طائرات الكواد كابتر لا تفارق السماء، وتواصل إطلاق النار، وإلقاء القنابل فوق المنازل. كأننا نعيش الأيام الأولى للحرب".
يُسيطر الخوف على الفلسطيني أسامة سليم الذي يعيش في المنطقة الغربية من مدينة غزة، فأصوات القصف والانفجارات يدوّي صداها في كل أرجاء المدينة، وتزداد مخاوفه على زوجته التي تحمل في أحشائها طفلاً اقترب موعد ولادته، ويقول لـ"العربي الجديد": "أخشى أن يأتي موعد ولادة زوجتي خلال القصف، أو يكون في ساعات المساء التي يشتد فيها القصف. نعيش حالة رعب متواصلة تتزايد في المساء الذي تشتد فيه وتيرة القصف الذي لا يفرق بين منطقة وأخرى، وأشفق على طفلتي الصغيرة التي لم تتجاوز السنتين، والتي أصبحت تلتصق بي عند سماع أية أصوات".
ويسرد سليم تفاصيل حادثة وقعت عند باب منزله، موضحاً: "قبل عدة أيام، استهدفت طائرات استطلاع مجموعة من المواطنين عند باب المنزل في ساعات المساء الأولى، ما أدى إلى ارتقاء شهداء، ومنذ ذلك اليوم، لا يفارقني الخوف أنا وعائلتي. رغم ذلك، لا نفكر في النزوح من مدينة غزة، لكننا لا نعرف إلى متى سيعيش أطفالنا هذه الكوابيس".