استمع إلى الملخص
- استجابت السلطات بحملات تطعيم استثنائية وتفعيل نظام يقظة مركزي ومراكز إقليمية للطوارئ، مع تنسيق بين وزارات الصحة والتعليم والداخلية، رغم انتقادات لعدم اتخاذ تدابير استباقية.
- أكد الخبراء على أهمية تعزيز التوعية والتطعيم بدلاً من إعلان الطوارئ، حيث لا تصل التغطية الحالية للتطعيم إلى النسبة المطلوبة، مما دفع الوزارة لوضع خطة لتعزيز التلقيح الروتيني وتطوير نظام مراقبة وبائي.
ترتفع وتيرة الإصابات بداء الحصبة المعروف شعبياً بـ"بوحمرون"، في عدد من جهات المغرب، وسط تصاعد المخاوف من استمرار تفشي المرض الفيروسي. وبدا لافتاً، حجم تلك المخاوف من خلال مطالبة جمعية حقوقية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإعلان حالة الطوارئ الصحية، ولا سيما بعد أن وصل عدد الإصابات منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى 25 ألف إصابة والوفيات إلى120 وفاة.
وبينما أطلقت السلطات الصحية في المغرب، حملات استثنائية للتطعيم ضد المرض ترتكز على دعوة الأسر وأولياء أمور الأطفال لتلقيح الصغار ضد الفيروس، طالبت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة (غير حكومية) الحكومة المغربية بإعلان حالة طوارئ صحية وتفعيل عمل اللجنة المشتركة بين وزارة الصحة مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض والداخلية والتعليم وإعمال وتنفيذ استراتيجية مشتركة للتصدي لهذا الداء.
واتهمت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، في بيان لها أمس، وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالفشل في القيام بتدابير استباقية التصدي لفيروس الحصبة بعد تحذير منظمة الصحة العالمية سنة 2023 أدى إلى انتشار الفيروس، وغياب المعطيات الدقيقة لوضع مخطط واستراتيجية وطنية لمكافحة فيروس الحصبة.
وتأتي دعوة الجمعية الحقوقية في وقت أرجعت فيه الحكومة سبب تسارع الإصابات بداء الحصبة في المغرب إلى تراجع الإقبال على تلقيح الأطفال والرضع، موضحة أن انتشار معلومات تخوف الناس من التلقيح بالاعتماد على إشاعات، أدى إلى تراكم عدد من الأطفال غير الملقحين.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب انتهاء المجلس الحكومي أول من أمس الخميس، إن الحكومة تفاعلت مع الموضوع بسرعة، وعملت على إرساء نظام لليقظة مركزياً و12 مركزاً إقليمياً للطوارئ الصحية، وأطلقت حملة للتلقيح ابتداء من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ناهيك عن حملة تواصلية. كذلك تم إطلاق التنسيق بين وزارتي التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والداخلية للتحقق من تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 سنة، كما تم التكفل بحالات الإصابة المسجلة وتلقيح المخالطين.
وداء الحصبة هو مرض فيروسي شديد العدوى، حيث إن كل مريض ينقل العدوى إلى ما بين 18 و20 شخصاً من محيطه، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة وحتى الوفاة. ووفقاً لمعطيات وزارة الصحة، بدأ تفشي المرض الحالي للحصبة بالمغرب منذ أواخر 2023، بجهة سوس ماسة، ثم امتد تدريجياً ليشمل مناطق مجاورة في جهة مراكش آسفي، قبل أن ينتشر في الجهات الأخرى للمملكة.
وفي تعليق له على دعوة الجمعية الحقوقية، استبعد الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي، احتمال لجوء المغرب إلى إعلان الطوارئ الصحية وفرض الحجر الصحي، وقال لـ"العربي الجديد":" الوضع لا يتطلب إجراءات خاصة أو فرض الحجر والمنع لأننا أمام فيروس نعرفه منذ مدة ولقاحه متوفر منذ أكثر من ستة عقود، كما أن المغرب يمتلك تجربة كبيرة في محاربته، وكان قاب قوسين أو أدنى من الحصول على شهادة خلوه من داء الحصبة من منظمة الصحة العالمية، إذ كان يتم تسجيل 5 إلى 6 حالات معزولة في السنة، قبل أن نشهد عودته في الآونة الأخيرة. وهي عودة غير مقتصرة على المغرب، وإنما على العديد من دول العالم".
وأوضح حمضي أن التعامل مع انتشار داء الحصبة لا يقتضي إجراءات خاصة، وإنما دعوة المواطنين إلى تلقيح أبنائهم وتحسيسهم بذلك وتسهيل مأموريتهم، مشيراً إلى أن التطعيم آمن وفعال، وهو أفضل طريقة لتجنب تفشي العدوى، وقد أنقذ وحده حياة 56 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بين عامي 2000 و2022.
واعتبر أن تفشي وانفجار عدة حالات إصابة بالحصبة بالمغرب في الآونة الأخيرة، مع تسجيل وفيات بين الأطفال المصابين، يرتبط بانخفاض معدلات التلقيح لدى الأطفال وانخفاض مستوى الترصد الوبائي لهذه الأمراض. وبين أن الحصبة مرض فيروسي خطير أصاب أكثر من 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم عام 2023 (20 % أكثر من عام 2022)، وقتل أكثر من مائة ألف شخص معظمهم من الرضع والأطفال دون سن الخامسة، فيما عانى آخرون، ممن نجوا من المرض، مضاعفاتٍ خطيرةً وعواقب مدى الحياة، منها فقدان البصر والتهاب الدماغ، على سبيل المثال لا الحصر.
وقال إن الطفل غير الملقح (صفر جرعة) أو غير الملقح بشكل كامل (جرعة واحدة بدلاً من جرعتين) معرض لخطر الإصابة بالمرض وكذا مضاعفاته، لافتاً إلى أن السكان الذين تقل تغطيتهم عن 95 % من التطعيم ضد الحصبة سيعانون تفشي المرض على شكل وباء وفاشيات بشكل مستمر ودوري.
ووفقاً لوزارة الصحة، لا توجد منطقة في المغرب تصل حالياً إلى التغطية الضرورية بنسبة 95 %، وأن المعدلات في بعض المناطق أقل بكثير من هذا الرقم.
وفي وقت سابق، وضعت وزارة الصحة خطة متكاملة تهدف إلى الحد من انتشار المرض والوقاية منه، تشمل أساساً تعزيز التلقيح الروتيني لتحقيق تغطية تفوق 95% جرعتين من لقاح الحصبة. وتتضمن خطة الوزارة تنفيذ حملات تلقيح استدراكية موجهة إلى الأطفال الذين لم يتلقوا الجرعات اللازمة، خاصة الفئات المولودة بين 2020 و2023، وتطوير نظام مراقبة وبائي أكثر دقة وشمولية لرصد الحالات والتدخل الفوري.
كذلك، قررت الوزارة تفعيل المركز الوطني للعمليات الطارئة للصحة العامة (CNOUSP) و12 مركزاً إقليمياً للطوارئ الصحية، وتنظيم حملة وطنية بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ووزارة الداخلية للتحقق من حالة التلقيح لفائدة الأطفال أقل من 18 سنة. وإلى حدود 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جرى التحقق من حالة التطعيم لحوالي 6 ملايين طفل بمعدل تحقق قدره 54.7%، وإعطاء 138 ألف جرعة ضد الحصبة والحصبة الألمانية، بمعدل استدراك قدره 38%.