جنوب لبنان... موجة نزوح جديدة هرباً من الغارات الإسرائيلية

03 ديسمبر 2024
تجددت مخاوف اللبنانيين مع تجدد الغارات (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد لبنان تصعيدًا عسكريًا من قبل إسرائيل، مما أثار تساؤلات حول استمرارية اتفاق وقف إطلاق النار، وأدى إلى تجدد الغارات على الجنوب ونزوح العائلات نحو مناطق أكثر أمانًا مثل صيدا.
- تعرضت مناطق مثل شبعا وبنت جبيل لقصف مدفعي وغارات جوية، مما أسفر عن سقوط ضحايا، وسط اتهامات لحزب الله بخرق الاتفاق.
- تعيش العائلات اللبنانية في حالة رعب وعدم استقرار، حيث تروي قصصًا مؤلمة عن النزوح والقصف، مع تفضيل البعض البقاء في منازلهم رغم المخاطر.

أثار التصعيد العسكري الإسرائيلي المفاجئ على لبنان تساؤلات حول جدية اتفاق وقف إطلاق النار، ومدى استمراريته، في حين قرر كثيرون النزوح مجدداً تحسّباً لعودة الهجمات واسعة النطاق.
لم يمض على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان سوى أسبوع واحد، شهدت أيامه عشرات الخروقات، قبل أن تتجدد الغارات الإسرائيلية على أكثر من منطقة، خصوصاً في مناطق الجنوب.
وشهدت مناطق عدة حركة نزوح جديدة، أغلبها من قرى وبلدات الجنوب باتجاه مدينة صيدا، أو باتجاه مناطق آمنة نسبيّاً في محافظة الجنوب، وازدحم الخط الساحلي الجنوبي بسيارات الفارين، وغالبيتهم من النازحين العائدين الذين لم يتمكنوا من إنهاء أعمال رفع الركام من منازلهم، أو إحصاء الأضرار، قبل أن تجبرهم الخروقات الإسرائيلية على النزوح من جديد. 
تكرر مشهد النزوح القسري للعائلات التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد الحرب، بعضهم غادر برفقة أهله إلى مناطق بعيدة، خشية أن يلقوا حتفهم، وآخرون نزحوا إلى مناطق مجاورة، لكن هناك من قرروا البقاء في منازلهم الواقعة في دائرة الخطر، رفضاً لعيش مرارة النزوح من جديد، رغم الرعب اليومي على وقع أصوات المسيّرات والغارات العنيفة.
وقصفت مدفعية جيش الاحتلال ليل الاثنين - الثلاثاء، أطراف بلدة شبعا، كما عمد الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق نيران رشاشاته الثقيلة باتجاه مدينة بنت جبيل وبلدتَي عيناتا وعيترون، وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية بتسجيل 10 شهداء و3 مصابين، كما أوردت أن غارة على بلدة حاريص في محافظة جبل لبنان أدت إلى استشهاد ستة أشخاص، وإصابة آخرَين بجروح.

ازدحم الخط الساحلي الجنوبي بسيارات اللبنانيين الفارين من قراهم

ونفّذ الطيران الحربي سلسلة غارات استهدفت بلدات يارون ومارون الراس وحانين وياطر في قضاء بنت جبيل، كما استهدف حورتا التحتا وبلدة طلوسة ومنطقتي بصليا والبريج عند أطراف بلدة جباع، والحرج بين بلدة كفرملكى وبصليا، وأطراف اللويزة وسجد ومليخ، والمنطقة الواقعة بين مليتا وجرجوع في منطقة إقليم التفاح، إضافة إلى مرتفعات جبل صافي، والمنطقة الواقعة بين حومين الفوقا ودير الزهراني، وأطراف بلدة أرنون، وبلدة بيت ليف.
وترافقت الغارات مع تحليق مكثف للطيران الاستطلاعي على علو منخفض في أجواء مناطق جنوب لبنان، وفي العاصمة بيروت، وفوق الضاحية الجنوبية، ومدينة صور ومحيطها. وتتذرع إسرائيل بأن حزب الله خرق، مساء الاثنين، اتفاق وقف إطلاق النار، باستهدافه موقع "رويسات العلم" التابع للجيش الإسرائيلي في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، رغم أن الخروقات الإسرائيلية لم تتوقف منذ بدء سريان الاتفاق في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، في أنحاء مختلفة من لبنان، إضافة إلى استمرار انتهاك الأجواء اللبنانية، وصولاً إلى العاصمة بيروت.

يأمل سكان المناطق المستهدفة هدوء الأوضاع مجدداً (مراد سينغول/الأناضول)
يأمل سكان المناطق المستهدفة هدوء الأوضاع مجدداً (مراد سينغول/الأناضول)

وشهدت أحياء وشوارع مدينة صور ومحيطها، صباح الثلاثاء، انتشاراً كثيفاً للجيش اللبناني، إيذاناً ببدء إعادة الانتشار في الجنوب، لا سيما في القرى الحدودية، وفق الوكالة الوطنية للإعلام.
تروي روان الهاشم في اتصال مع "العربي الجديد"، حجم الرعب الذي عايشته ليل الاثنين - الثلاثاء، والقلق الكبير على والدها الذي علق بمنزله في بلدة اللويزة (جنوب) تحت القصف والغارات الإسرائيلية. تقول: "لم نلبث أن نهنأ بفرحة العودة، حتى تدهورت الأوضاع الأمنية مجدداً، واختبرنا ليلة صعبة عشنا فيها على أعصابنا. أصر والدي على البقاء في المنزل رغم أن نصفه دمره القصف الإسرائيلي، ورغم أن الدمار طاول كل مكان في محيطه، وقد تذرع بضرورة البقاء لرفع الردميات، وحاول طمأنتنا بأن الحرب انتهت، ولن يحدث شيء، في حين أن الحقيقة كانت أنه اشتاق لمنزله".
تضيف: "منزلنا قريب من مرتفعات جبل صافي والريحان، وكلها وديان تقع ضمن دائرة الاستهدافات الإسرائيلية. فور سماعي الأخبار، تواصلت مع والدي، لكنه رفض المغادرة، وبعد أن اشتد القصف لم أتوقف عن الاتصال به للاطمئنان على أنه ما زال على قيد الحياة. كنت أسمع أصوات القصف، وكان والدي ينطق الشهادتين مع كل قصف، ويكرر الله أكبر. كانت لحظات من الرعب الخالص، وكنت في حيرة، هل أنصحه بالمغادرة بينما الطيران الحربي لا يزال في الأجواء، وقد يشكّون بأمره، أم أتركه يبقى في دائرة الخطر. الأصعب بدأ عندما شارف شحن هاتفه على الانتهاء، وبعدها انقطع الإرسال، حينها شعرنا بالعجز الكلي عن فعل أي شيء".

قرر نازحون عائدون الصمود رغم الدمار الهائل (مراد سينغول/الأناضول)
قرر نازحون عائدون الصمود رغم الدمار الهائل (مراد سينغول/الأناضول)

غادرت الهاشم لبنان مع بدء تصاعد الحرب في سبتمبر/أيلول الماضي، وقد عادت حديثاً بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار، وتسرد كيف أنها عاشت نحو ثلاث ساعات من الرعب الذي لم تختبره طيلة أشهر الحرب، كون أهلها لم يكونوا حينها تحت القصف. تتابع: "كان والدي يحتسب الوقت بين كل غارة وأخرى، والذي يتراوح بين سبعة إلى عشر دقائق، وقد هرع إلى سيارته بعد غارة قوية ظن أنها ضربت المنزل، تاركاً خلفه أغراضه، ونزح باتجاه بلدة جزين (جنوب)، حيث حجزت له في فندق هناك، وهو اليوم معنا في منزلنا ببلدة عرمون (جبل لبنان)، وقد اقتنع بعدم العودة قبل انتهاء مهلة الستين يوماً، علماً أن بلدتنا تقع شمال الليطاني. أخي المقيم في لندن، انهار بدوره، وظل يطمئن على والدي من خلالي، إذ لم يكن يتمكن من الاتصال به".
بدورها، تكشف هبة الشامي، المقيمة في بلدة جرجوع، في إقليم التفاح (جنوب)، لـ"العربي الجديد"، أن "كل ما عشته خلال الحرب في كفة، وما حصل ليل الاثنين - الثلاثاء في كفة ثانية. كنا نعتقد أننا صرنا بأمان بعد أن توقف إطلاق النار، فجأة توسعت الاستهدافات الإسرائيلية، وأصبحت تضرب في كل مكان. كنا نسمع أصوات الصواريخ، ولم نكن قادرين على تمييز اتجاهها، وكانت الأصوات غريبة، فسارعنا إلى توضيب أغراضنا، ووضعها في السيارة، لكن استمرار تحليق الطيران الحربي في الأجواء منعنا من المغادرة، وفضّلنا التريث حتى ساعات الصباح. عاد الهدوء نسبيّاً، وقصدت عملي، ووالدي يؤكد أنه لن يغادر إلى أي مكان، معتبراً أنها مسألة تصعيد وانتهت. الإنسان بعد العودة من النزوح يزيد تعلقه بمنزله، ويصبح من الصعب إقناعه بالنزوح مجدداً. لكننا للأسف نعيش حالة من عدم الاستقرار، وأغراضنا دائماً في السيارة، لأننا لا نعرف في أي لحظة سنضطر للهرب، ونجهل ما الذي ينتظرنا ليلاً. المهم أننا جاهزون للنزوح مجدداً".
ويقول موسى قبيسي، من بلدة أنصار، في قضاء النبطية (جنوب)، لـ"العربي الجديد": "صممنا على البقاء في منزلنا مهما حصل، فقد عدنا إليه حديثاً، ووجدناه تعرض لأضرار طفيفة. عندما تجدد القصف لم نفكر في المغادرة، لأننا تعذبنا كثيراً في النزوح الأول، ونأمل أن تهدأ الأحوال، وألا تتكرر المأساة، فالجميع يعيشون أزمة كبيرة ناتجة عن النزوح والعودة، وقد تفاقمت أحوالهم بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة".

فقدت مريم المليجة منزلها في بلدة الناقورة في قصف إسرائيلي، وسُرق المنزل الذي استأجرته في بلدة الأنصارية. وتخبر "العربي الجديد"، أن ما عاشته خلال الغارات الأخيرة "كان حالة من القلق والخوف والتوتر المتكرر. نعيش على أعصابنا، وقد جهزت أغراضي للنزوح مجدداً، لكن كلنا أمل ألا يتكرر التهجير القسري، وألا ينتهي بنا المطاف في مركز إيواء". 
قضت مريم معظم فترة الحرب في مدرسة إيواء بمدينة صيدا، وهي ترى أن "الوضع لا يزال غير مطمئن، ومعظم العائلات خائفة، والغالبية متردّدة في العودة إلى منازلها، وشهدنا أمس حركة نزوح كبيرة من القرى والبلدات الجنوبية. من المؤسف أننا ممنوعون من الذهاب إلى بلدتنا الناقورة، رغم أنني أتوق إليها، فواقعنا محزن من جراء الدمار والخوف".
وتلفت نوال رمال إلى أنها عادت إلى منزلها في بلدة الدوير (جنوب) بعد نزوح دام شهرين في منطقة عكار على الحدود مع سورية، وتقول لـ"العربي الجديد": "أعاني مرضاً عصبياً، وحالتي الصحية متدهورة، ولا تسمح لي بالنزوح مجدداً. عشت التهجير برفقة أفراد عائلتي، وتنقلنا بين أماكن نزوح عديدة، في حين أن زوجي صمد طيلة فترة الحرب في المنزل الذي تعرض لأضرار طفيفة، خوفاً من تعرضه للسرقة. بنينا منزلنا بعرق جبيننا، وليس من السهل تركه، لذلك فضّلنا هذه المرة ملازمة المنزل، وتسليم أمرنا لرب العالمين. ليس في اليد حيلة، ولن نفكر إطلاقاً بالنزوح من جديد مهما حصل، لقد تعبنا وعانينا، فمن يترك بيته يتعرّى، وحلمنا حالياً هو التمتع براحة البال والأمان".

المساهمون