"حنايا" تونس... الأعجوبة التاريخية لنقل المياه

20 فبراير 2025
كانت جسور "الحنايا" تنقل المياه في العهد الروماني (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تُعتبر جسور "الحنايا" في تونس من الأعاجيب المعمارية الرومانية، تمتد من زغوان إلى قرطاج لنقل المياه، وقد بُنيت في عهد الإمبراطور أدريانوس لمواجهة الجفاف.
- استغرق بناء الحنايا 30 عاماً، وتطلبت إقامة أقواس عالية لتجاوز التحديات الجغرافية، مما جعلها إنجازاً هندسياً بارزاً، ومعبد المياه في زغوان لا يزال يحتفظ بصبغته الأصلية.
- تعاني الحنايا من الإهمال والتعديات، مما يستدعي التدخل العاجل لحمايتها والتوعية بأهميتها كجزء من التراث الوطني، خاصة مع المخاطر التي تهددها.

لُقبت بأهرامات تونس، وسُميت بأعجوبة معمارية تاريخية بسبب اختلافها عن بقية الآثار في البلاد. إنها جسور "الحنايا" التي كانت تنقل المياه في العهد الروماني، وتمتد من مدينة زغوان شمال تونس على طول 132 كيلومتراً، وصولاً إلى قرطاج. 
ولم يتفق المؤرخون على تحديد طول امتداد هذه الجسور، وإذا كانت تصل إلى قرطاج فقط أو إلى محافظة بنزرت، لأنّ أجزاء كبيرة منها انهارت على مرّ الزمن، لكنهم يؤكدون أنها تنطلق تحديداً من مدينة زغوان التي تقع على منحدر جبل بطول تسعة كيلومترات وارتفاع 1295 متراً شمال شرقي تونس. 
وتتميّز مدينة زغوان باحتضانها ينابيع مياه معدنية كثيرة وعيون مياه ساخنة وجوفية، وبارتباطها بجبل زغوان الذي تنضب منه العديد من عيون المياه الطبيعية، والتي تعدّ من بين أهم أسباب توافد الزوار على المنطقة لا سيما بعد إنشاء محطات استشفائية تعتمد على المياه الساخنة الطبيعية. 

تقول الباحثة محبوبة اليحياوي لـ"العربي الجديد": "ارتبطت الحنايا خصوصاً بمعبد المياه في مدينة زغوان الذي تأسس خلال حكم الإمبراطورية الرومانية بين عامي 117 و138 ميلادياً، وهو مجمع أثري في شكل معبد مشيّد على عين بسفح جبل زغوان، ويتخذ شكلاً نصف دائري. 
وبُنيت الحنايا قبل معبد المياه عندما أمر الإمبراطور الروماني أدريانوس بتشييدها وجلب المياه من زغوان إلى قرطاج التي كانت مركز الحكم حينها بعدما اجتاحت تونس خمس سنوات من الجفاف. 

انهارت أجزاء كبيرة من "الحنايا" على مرّ الزمن (العربي الجديد)
انهارت أجزاء كبيرة من "الحنايا" على مرّ الزمن (العربي الجديد)

وتشير إلى أنّ "انجاز مشروع الحنايا الرومانية ووصلها من زغوان إلى قرطاج دام 30 عاماً. واكتسب هذا المشروع أهميته بعدما استطاع من شيّده حينها مواجهة الصعوبات الجغرافية والبناء في مناطق مرتفعة وأخرى منخفضة. وتطلب ذلك إقامة أقواس عالية لنقل المياه الذي اعتبر إنجازاً قياسياً استناداً إلى معدات التشييد التي كانت متوفرة في تلك الفترة الزمنية. وتكمن رمزية الماء في القيمة التي كان الرومان والإغريق يولونها له، إذ كانت الآلهة تعبد بصفتها واسطة مع القوة الطبيعية متمثلة في الماء المقدس لديهم".

لم تحصل "الحنايا" على العناية والصيانة اللازمة (العربي الجديد)
لم تحصل "الحنايا" على العناية والصيانة اللازمة (العربي الجديد)

وبحسب معهد التراث يعد معبد المياه بزغوان من أكبر المعابد التي بُنيت، ولها علاقة بالمياه كما أنه من أكثر المعالم التي حَافظت على صبغتها الأولى منذ نشأتها. وأقيم المعبد على الطراز الروماني بطريقة اعتُمد فيها على حجارة جُلبت من جبال زغوان وضواحيها، إضافة إلى الرخام المصري واليوناني والإيطالي للزخرفة. ويتضمن المعبد أدراجاً يميناً وشمالاً تأخذ الزائر مباشرة إلى ما كان يسمى حينها بـ"بيت المقدس" أو "المعبودة".
وتحوّل هذا المعبد الذي لا يزال يؤمن الماء لتونس إلى متنزه يستقبل الزوار على مدار السنة. وقد تواصل استغلال مياه زغوان في الفترة الاستعمارية لتونس منذ عام 1881 عبر إعادة ترميم الحنايا منتصف القرن 19، واستغلالها من البايات. ولا تزال العيون حتى اليوم تزود منطقة زغوان وأجزاء مهمة من تونس بمياه الشرب.
وقد تحوّلت الحنايا إلى معلم أثري يشرف عليه المعهد الوطني للتراث التابع لوزارة الشؤون الثقافية، لكنها لم تحصل على العناية والصيانة اللازمة طوال فترة الاستقلال. وقد تعرّضت خلال فترات عدة لعمليات هدم واستغلال لا سيما في منطقة المحمدية في محافظة بن عروس قرب العاصمة، بعدما هدم السكان جزءاً منها بواسطة الجرافات إثر الفيضانات التي حصلت عام 2018. واستولى العديد من المواطنين بجهة باردو في العاصمة وصنهاجة ووادي الليل وشبّاو بمحافظة منوبة على الأراضي القريبة من الحنايا.

وتشير خديجة بن محمّد المهتمة بالتراث، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى "أنّ الحنايا تتطلب تدخلاً عاجلاً لا سيما على مستوى منطقة صنهاجة بسبب انهيار جزء كبير منها، وتراكم مخلفات المباني قرب الجدران". وتؤكد "حصول اعتداءات على أجزاء كبيرة منها، لا سيما تلك القريبة من التجمعات السكانية في عدة محافظات على غرار تونس وبن عروس ومنوبة".
تتابع: "لا تزال الحنايا تتطلب العديد من الدراسات والحفريات لأنّ المؤرخين لم يتفقوا على طولها بدقة، ونقطة انطلاقها ووصولها، إضافة إلى طريقة هندستها المعمارية وطريقة بنائها". وتشدد على "ضرورة التوعية بأهمية الحنايا بصفتها جزءاً من تاريخ وآثار البلاد، لا سيما أنّ أجزاء كبيرة منها قريبة من التجمعات السكانية والمدن ومن الطرقات التي تمرّ منها شاحنات ثقيلة تحدث ارتجاجات تتسبب بتصدّع الجدران. وأدت التصدعات إلى انهيار أسقف خصوصاً في منطقة صنهاجة، كما انجرفت التربة من تحت بعض أعمدة هذه الجسور، ما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإعادة ترميمها قبل فصل الشتاء، لما قد تمثله من خطر على المارة، ولتفادي انهيار تلك المعالم التاريخية المهمة".

المساهمون