سوريون في ريف إدلب الجنوبي يضحّون بأراضيهم الزراعية لأجل بناء مساكن
- تداعيات بيع الأراضي الزراعية: يثير بيع الأراضي قلق الخبراء الاقتصاديين بسبب تقليص المساحات المزروعة وزيادة الفقر والبطالة، مما يهدد الأمن الغذائي. يُوصى بتوفير قروض ميسرة ودعم الزراعة للحفاظ على الثروة الزراعية.
- التقرير الأممي حول تأثير الصراع في سورية: أدى الصراع إلى تدمير الاقتصاد وزيادة الفقر، حيث يعيش 90% من السكان في فقر. يتطلب التعافي الاقتصادي نمواً قوياً، مع ضرورة زيادة النمو الاقتصادي السنوي بشكل كبير لاستعادة الاقتصاد.
دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة والدمار الذي خلّفته سنوات الحرب أبناء قرى في إدلب، شمال غربي سورية، إلى بيع ما بقي لديهم من أراضٍ زراعية لجمع أموال لبناء منازلهم أو ترميمها بعدما طاولها خراب ونهب النظام السابق. يقول محمود الرستناوي، وهو مزارع من ريف إدلب الجنوبي، لـ"العربي الجديد": "لم أعد أستطيع العيش في خيمة فقررت بعد سنوات من النزوح والمعاناة بيع قطعة أرض ورثتها عن والدي وكانت مصدر رزقي الوحيد، لكنني ضحيت بها كي أعيد ترميم منزلي الذي دمّره القصف".
يضيف: "الأرض عزيزة علينا لكنها لم تعد تكفي لتأمين مأوى كريم، خاصة مع ارتفاع أسعار مواد البناء، وأصبح بيعها الطريقة الوحيد لبناء غرفة للعيش فيها". وبعدما عادت مريم البدوي، وهي أرملة وأم لخمسة أطفال عاشت سنوات في خيمة، إلى بلدتها ورأت أن منزلها مهدّم باعت قطعة الأرض الصغيرة الوحيدة التي كانت تملكها وتزرعها بالخضار.
تقول بحسرة: "أبيع الأرض لأحمي أطفالي من البرد والحرّ والتشرّد. لم أعد قادرة على انتظار مساعدة من أحد، خاصة أن المخيم بدأ يخلو من السكان، ولن أستطيع البقاء وحدي فيه، ما يعني أنني لا أملك إلا خيار أن أبيع الأرض كي أعيش مع أولادي، وأنا أحلم بأن أعود يوماً إلى الزراعة وأستعيد ما فقدته". وعموماً ليست قرارات بيع الأراضي سهلة على الأهالي بالتزامن مع ارتفاع حاد في أسعار الأراضي الزراعية ومواد البناء في إدلب ومحيطها.
ويشير أحمد أبو زيد، وهو عامل بناء من بلدة معرة النعمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "تضاعف سعر طن الحديد خلال الأشهر الأخيرة، حتى أنّ أسعار الإسمنت والخشب لم تعد تحتمل. الناس هنا مضطرون لبيع أراضيهم لتأمين أساسيات المعيشة، علماً أن إعادة بناء منزل بسيط تحتاج اليوم إلى ما يعادل 15 ألف دولار، وهو مبلغ يعجز عنه كثيرون إذا لم يبيعوا ممتلكاتهم".
وفي وقت ينشغل فيه الأهالي ببيع أراضيهم وإصلاح بيوتهم، يثير بيع الأراضي الزراعية قلق الخبير الاقتصادي خالد الحسن، الذي يقول لـ"العربي الجديد: "يهدد بيع الأراضي مستقبل الزراعة في إدلب لأنها تتحوّل إلى مساكن عشوائية أو تترك مهجورة، ما يقلل المساحات المزروعة ويزيد معدلات الفقر". يتابع: "ما يحدث اليوم في إدلب يمثل أحد أخطر التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب. بيع الأراضي الزراعية ليس مجرد تصرف فردي، بل تحدٍ جماعي نظراً إلى غياب الدعم المالي للأهالي لإعادة بناء منازلهم المدمرة".
ويشدد الحسن على أنّ "الأراضي الزراعية هي الثروة الحقيقية للريف السوري وفقدانها لصالح العمران العشوائي أو البيع المؤقت يهدد الأمن الغذائي مستقبلاً، ويزيد معدلات البطالة وفقدان مصادر الدخل"، معتبراً أنّ "الحلول يجب أن تشمل توفير قروض ميسرة للأهالي، ودعم أسعار مواد البناء، وتنفيذ برامج لدعم الزراعة تشجع السكان على التمسك بأراضيهم"، ويحذر من أنّه "إذا لم تتدخل الجهات المحلية والدولية لدعم الأهالي، سنجد أنفسنا أمام أزمة مضاعفة ودمار عمراني وانهيار اقتصادي وزراعي".
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قال في تقرير أصدره في مطلع العام الحالي، بعنوان "تأثير الصراع في سورية: اقتصاد مُدمَّر وفقر مستشر وطريق صعب إلى الأمام نحو التعافي الاجتماعي والاقتصادي"، إنّ "تسعة من كل عشرة أشخاص في سورية يعيشون في فقر، وإنّ واحداً من كل أربعة عاطلون من العمل، واقتصاد البلاد قد يستعيد مستواه قبل الصراع خلال عقد إذا حصل نمو قوي. وعموماً أفسدت 14 عاماً من الصراع في سورية نحو أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري".
ووفقاً لمعدلات النمو الحالية، حذر التقرير من أنّ "الناتج المحلي الإجمالي لسورية انخفض إلى أقل من نصف قيمته منذ بدء الصراع عام 2011، ولن يستعيد الاقتصاد السوري مستواه قبل الصراع من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2080. ولا بدّ أن يرتفع النمو الاقتصادي السنوي ستة أضعاف لتقصير فترة التعافي إلى عشر سنوات، وستكون هناك حاجة إلى ارتفاع طموح بمقدار عشرة أضعاف على مدى 15 عاماً لإعادة الاقتصاد إلى ما كان يجب أن يصبح عليه لولا حصول الصراع".