عيد الفطر في السودان تحت أنين الموت وزخات الرصاص

30 مارس 2025
لا يشعر سودانيون كثيرون بالعيد، 25 مارس 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يحتفل السودانيون بعيد الفطر في ظل ظروف الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، مما أثر على الأجواء الاحتفالية التقليدية وتفرق الأسر وصعوبة التواصل.
- يعبر النازحون عن الحنين للأعياد السابقة التي كانت تجمع الأسر، حيث كانت التحضيرات تشمل شراء الملابس الجديدة وتجهيز المخبوزات، لكن الحرب أفقدت العيد طقوسه المعتادة.
- يواجه السودان أزمة إنسانية كبيرة، حيث يحتاج ثلثا السكان إلى مساعدات، مما يعكس التحديات في الاحتفال بالعيد مع الأمل في انتهاء الحرب.

يحتفل السودانيون بعيد الفطر هذا العام، وحاله حال أعياد سابقة في زمن الحرب المندلعة منذ إبريل/ نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع. يقول ناصر نور الدين (50 عاماً)، وهو مهندس من سكان الخرطوم نزح مع أسرته بعد الحرب إلى ولاية كسلا (شرق)، لـ"العربي الجديد": "مناسبة عيد الفطر فرحة عظيمة للصائم الذي يسعى بكل جهده للاحتفال به مع أفراد أسرته مهما كانت الظروف. والحقيقة أنني تجهزت للعيد من العدم عبر شراء حلويات ومخبوزات وملابس للأطفال، إذ لا يمكن أن نقتل الفرحة في قلوب فلذات أكبادنا الذين اعتادوا الاحتفال بالعيد بملابس وألعاب جديدة. لكن رغم كل المساعي المبذولة لن يكون العيد مثل السابق خصوصاً أنني افتقد محيط الأسرة الكبيرة التي تفرقت بين المدن والعواصم. وشخصياً لا أستطيع أن أشارك أقربائي ببركات العيد بسبب وجودي بعيداً عنهم في مكان نزوحي الحالي، لكنني سأفعل ذلك للمصلين معي خلال صلاة العيد في المسجد. وبالطبع لن أزور أسراً لا أعرفها ولا تداخل اجتماعي معها. وتحديداً افتقد هذا العام شقيقي الذي قتل خلال الحرب في الخرطوم".

وتتحدث شيرين (30 عاماّ)، وهي موظفة نزحت مع أسرتها من ولاية الجزيرة إلى مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة للسودان، عن استقبال العيد، وتقول لـ"العربي الجديد": "صراحةً لا يوجد استعداد أو إحساس بالعيد في ظل ظروف الحرب. تفرقت أسرتنا التي يعيش أفرادها في أماكن يشعرون فيها بأنهم غرباء رغم أنهم موجودون داخل البلاد. كانت الأعياد تمتلئ بالحماس في الماضي لأننا نجد أنفسنا في حضن الأسرة، ونستمتع بشراء احتياجات المنزل وتجهيز المخبوزات لاستقبال المهنئين بالعيد، لكن مع هذه الحرب اختفى كل شيء فالعيد لا يمكن أن نشعر به في منطقة نزوح، وفعلياً لا عيد بعيداً عن الموطن الأصلي والأسرة". تضيف: "افتقد الحماس للعيد منذ أكثر من عامين لأن اللمّة واجتماع الأسرة غائبان، كما افتقد أطفال الأسرة الذين يزيدون فرح الأهل".
ويقول سعد سراج، الشاب من منطقة جنوب الحزام جنوبي الخرطوم التي تشهد هذه الأيام اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لـ"العربي الجديد": "أزالت الأوضاع المعيشية السيئة والاشتباكات مظاهر العيد في منطقة جنوب الحزام، خصوصاً بسبب عدم توفر المواد الغذائية وارتفاع الأسعار وتوقف شبكة الاتصالات. وهكذا سيكون العيد مثل يوم عادي من أيام الحرب".
أما عبد الله البشير (27 عاماً) الذي يتحدر من مدينة الأبيض (غرب)، والتي تركها إلى ليبيا بعدما اشتدت المعارك فيها، فيقول لـ"العربي الجديد": "افتقدنا أولاً نكهة شهر رمضان والإفطارات الجماعية مع الجيران والأصحاب، وسيطل عيد الفطر علينا كأول عيد لنا في الغربة، وستنحصر تحضيراته في شراء ملابس وألعاب لأختي، وشخصياً لم أجهز نفسي لأي شيء إذ لا أشعر بالعيد بين الأهل والأحباب والجيران، وآمل في أن تستقر الأوضاع في السودان وأعود إلى بلدي كي أشعر بفرحة الأعياد المقبلة".
أيضاً يقول جمال محمد (45 عاماً) الذي بقي أكثر من عام في حي شمبات شمالي الخرطوم بحري، وفقد وظيفته محاسبا في شركة بالخرطوم، ثم نزح قبل ثلاثة أشهر إلى مدينة عطبرة شمالي السودان حيث سيحتفل بأول عيد فطر خارج بيئته التي تربى فيها، لـ"العربي الجديد": "لم أشعر منذ بداية الحرب بطعم العيد، ولا استعدادات حالياً لإحيائه لأن الأموال التي يرسلها لي شقيقي من السعودية أصرفها لتوفير الأكل والشرب، ولا مجال لشراء حتى حلوى تفرح الأطفال، وقد اشتريت فقط أحذية لصغاري كي يشعروا بنكهة العيد عبر ربطه بالجديد".

سيكون عيد الفطر في السودان مثل يوم عادي خلال الحرب، 10 إبريل 2024 (فرانس برس)
سيكون عيد الفطر في السودان مثل يوم عادي خلال الحرب، 10 إبريل 2024 (فرانس برس)

يضيف: "أفتقد هذا العام فرحة العيد وأجواءه الحميمة بين الأهل والجيران، وأيضاً رائحة الأشياء الجميلة في بلدتي، وآمل في أن تنتهي الحرب اليوم قبل الغد ويعود الجميع إلى منازلهم ويستعيدوا فرحتهم ويبدأوا في بناء ما دمّرته الحرب حتى إذا بدا ذلك صعباً".
وتقول سارة (26 عاماً) لـ"العربي الجديد" "أصبح العيد منذ أن اندلعت الحرب مجرد محاولة لإخراج الأطفال من الكآبة. اختلفت تماماً أحاسيسه نتيجة فقدان أرواح أعزاء والأمان واستمرار النزوح. إنه أمر محزن أن يأتي العيد في وقت يوجد شخص خارج بيته وعدم ممارسة الطقوس المعتادة في الاحتفال عبر تجديد الأثاث والستائر والاهتمام بتفاصيل صغيرة لها وقع في القلب. افتقد أشياء كثيرة في النزوح، ولم تعد الألوان تبهجني وتغيّرت طبيعة المعايدة التي لم تعد تشبه ما ألفته واعتدت عليه. افتقد بيتي الذي احتاج إلى أن أكون موجودة فيه في العيد القادم".
ومن مدينة الجنينة غرب السودان، يقول اسحق (56 عاماً)، وهو تاجر، لـ"العربي الجديد": تخلو كل المدينة من مظاهر عيد الفطر، إذ سيطرت الحرب على كل شيء وشردت أسرتي بين اللجوء إلى تشاد والنزوح، وسأحاول السفر إلى تشاد الحدودية لمعايدة اسرتي".

أما مصطفى بخيت (42 عاماً)، وهو موظف حكومي، فيقول لـ"العربي الجديد": "يمر هذا العيد علي وأنا بعيد عن موطني، وأعجز عن توفير ابسط متطلباته مثل خبيز العيد الذي درجت أسرتنا على تقديمه سنويا قبل الحرب، كما أعجز عن كسوة الاطفال، وهو ما أحاول جاهداً تحقيقه الآن لكن من دون جدوى. أيضاً يأتي العيد الثالث في ظل وجودي مع أسرتي الصغيرة بعيدين عن والدتي والأهل والأحباب. اتمنى ان يأتي العيد القادم وبلادنا تنعم بالأمن والأمان والسلام، ودحر المليشيا المتمردة، وأن يرجع الجميع الى مناطقهم وبيوتهم ويجتمع الأهل مجدداً، ويعود المفقودون إلى أسرهم".
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن "السودان يواجه أكبر أزمة إنسانية في العالم بعد مرور نحو عامَين على بدء الصراع، ونقدّر في ظلّ الوضع الاقتصادي وشبه انهيار نظام الخدمات الاجتماعية في السودان وبنيته التحتية، أنّ "نحو ثلثي عدد السكان الذين يتجاوز عددهم 30 مليوناً، سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، ومن بينهم 16 مليون طفل يدفعون ثمناً باهظاً".

المساهمون