استمع إلى الملخص
- القانون الجديد يفرض عقوبات بالسجن والغرامة، مما أثار انتقادات حول تحويل الأطباء إلى متهمين جنائيين، رغم إيجابيات مثل تشكيل لجنة للمسؤولية الطبية وإنشاء صندوق تأمين.
- رحبت نقابة الأطباء بالتعديلات، مشيدة بتمييز القانون بين الأخطاء الطبية العادية والجسيمة، وإنشاء صندوق تأمين حكومي، ومعاقبة الشكاوى الكيدية.
على مدار الأسابيع القليلة الماضية، شهدت الأوساط الطبية المصرية جدلاً واسعاً حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي ناقشه مجلس النواب، وسط اعتراضات متزايدة من جانب الأطباء، منذ طرحه وحتى إقراره رسمياً.
في جلسة البرلمان يوم الثلاثاء 25 مارس/آذار، اعتمد القانون بعد إدخال تعديل جوهري خفّض الغرامة المفروضة على الخطأ الطبي من مليون جنيه (الجنيه الواحد يساوي 0.020 دولار أميركي) إلى 100 ألف جنيه. وجاء ذلك بعد مناقشات حادة بين نقابة الأطباء والحكومة وأعضاء البرلمان، حيث رأى الأطباء أن العقوبات المقترحة تهدد أمنهم المهني وتدفعهم لممارسة "الطب الدفاعي"، بدلاً من السعي الحقيقي لعلاج المرضى، خاصة في التخصصات عالية الخطورة كالجراحة.
القانون الجديد فرض عقوبات بالسجن والغرامة على الأطباء، حيث اعتبر بعضهم أن مواده تنقل الطبيب من خانة المهني المعالج إلى خانة الجاني، ما تسبب في اضطراب واسع داخل المجتمع الطبي. بل ذهب البعض إلى التفكير في السفر أو اعتزال المهنة، بينما أكد آخرون الاستمرار رغم التحديات، مثل أستاذ جراحة المناظير، د. أسامة شوقي، الذي أعلن عبر فيسبوك استمراره في استقبال الحالات الصعبة، قائلاً: "لن أُغلق الباب أمام أي مريض محتاج، وسأتحمل المسؤولية كاملة مهما كانت العواقب، وأمري على الله".
بدوره، اعتبر نقيب الأطباء الأسبق، خيري عبد الدايم، أن فرض الغرامات في القانون حتى إن كانت رمزية يُعد إدانة للطبيب وتحويله إلى متهم جنائي، مؤكداً أن العلاقة بين الطبيب والمريض مدنية تعاقدية وليست جنائية بطبيعتها، وأن الحكم بالتعويض يجب أن يُبنى على وقوع خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما، لا على النية أو القصد.
أما الأمين العام الأسبق لنقابة الأطباء، الدكتور إيهاب الطاهر، فقد سرد أبرز إيجابيات وسلبيات القانون، وسلامة المريض. واعتبر أن الإيجابيات بالقانون ترتكز على "تشكيل لجنة للمسؤولية الطبية كخبير فني لجهات التحقيق. وإنشاء صندوق للتأمين ضد أخطاء المهنة. وعدم وجود عقوبة حبس في الأخطاء الطبية الواردة (إذا لم يجر توصيف الاتهام باعتباره خطأ جسيماً). وتوقيع عقوبة على البلاغ الكاذب (وإن كانت صعبة التطبيق).
أما السلبيات الجوهرية بالقانون، من وجهة نظر الطاهر، فتتمثل في "تعريف الخطأ الطبي الجسيم (مادة 1 – فقرة 11): هو الخطأ الطبي الذي يبلغ حداً من الجسامة، بحيث يكون الضرر الناتج عنه محققاً، ويشمل ذلك، على وجه الخصوص، ارتكاب الخطأ الطبي تحت تأثير مسكر أو مخدر أو غيرها من المؤثرات العقلية، أو الامتناع عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبي أو عن طلب المساعدة له، على الرغم من القدرة على ذلك وقت وقوع الحادثة. (وعقوبته الحبس والغرامة أو إحداهما).
كما لفت الطاهر إلى سلبيات التعريف المتمثلة في التسليم بأن هذه الصياغة أقل سوءاً من السابقة، إلا أنها ما زالت مطاطة وتسمح باختلاف التأويل، فقد تضمّنت عبارة "على وجه الخصوص"، ولم تتضمن "على وجه الحصر". كما تضمنت عبارة (أو الامتناع عن طلب المساعدة في حالات الأخطاء)، رغم أن طلب المساعدة هو أمر علمي تقديري، وطالما أن تقرير اللجنة غير ملزم فهذا قد يمثل مشكلة كبيرة في تقدير الأمر.
كما انتقد الطاهر (مادة 7) في مشروع القانون، والتي تنص على "عدم إجراء جراحة غير عاجلة إلا بمراعاة أن يكون الطبيب الذي يجري الجراحة مؤهلاً طبقاً لتخصصه وخبرته. والمزايا الإكلينيكية المعتمدة من المجلس الصحي المصري. وأن تجرى التدخلات الجراحية في منشأة مهيأة بدرجة كافية لإجرائها"، ونصت العقوبة عليها بـ"الحبس والغرامة أو إحداهما".
واعتبر الطاهر أن سلبيات تلك المادة، تتمثل في أنه "لم يجر حتى الآن العمل بنظام الامتيازات الإكلينيكية بمصر، فكيف يُحاسب الطبيب عليها؟ وكيف يُحاسب الطبيب على كون المنشأة غير مهيأة؟ فقد كان يجب أن تكون العقوبة هنا على المنشأة فقط".
كذلك، انتقد الطاهر، مادة (12) التي تنص على "مع عدم الإخلال بالحق في التقاضي، يكون لمتلقي الخدمة تقديم الشكوى بشأن الأخطاء الطبية إلى الأمانة الفنية للجنة العليا"، واعتبر أن سلبيات تلك المادة تتمثل في عبارة "مع عدم الإخلال بالحق في التقاضي" تسمح للشاكي بالتوجه المباشر للشرطة والنيابة، ودون اللجوء أولاً للجنة المسئولية الطبية لتحديد وجود خطأ من عدمه، مع الوضع بالاعتبار أن المجلس رفض إلزام النيابة بانتظار تقرير اللجنة الفنية قبل التحقيق، وبالتالي فإن الطبيب قد يجد نفسه عرضة لتحقيقات مطولة في قضية هو بريء منها".
كذاك انتقد الطاهر مادة (18)، التي تنص على "تكون اللجنة العليا هي الخبير الفني لجهات التحقيق أو المحاكمة في القضايا المتعلقة بالمسئولية الطبية"، واعتبر أن سلبيات تلك المادة، تتلخص في "أنه لم يجر النص على كون اللجنة هي الخبير الفني الوحيد، فإذا علمنا تقرير اللجنة سيكون غير ملزم لجهات التحقيق، فإن ذلك قد ينتج عنه سلبيات أثناء التطبيق".
وأيضاً انتقد الطاهر المادتين رقم مادة (20) و(21)، المتعلقتين بإنشاء صندوق تأمين حكومي للتأمين ضد أخطار الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية، والذي اعتبره "يفتح الباب لإمكانية استخدام أموال الأطباء ومقدمي الخدمة في أغراض أخرى بخلاف الأخطاء الطبية".
في المقابل، رحّبت نقابة الأطباء المصرية بالتعديلات التي أُدخلت على القانون، مشيدة بجهود البرلمان في مناقشته. وأكد نقيب الأطباء الحالي د. أسامة عبد الحي، أن القانون حدّد بوضوح الفرق بين الخطأ الطبي العادي والخطأ الجسيم، وأقر بإلغاء الحبس في حالات الأخطاء غير الجسيمة، واعتبر أن اللجنة العليا للمسؤولية الطبية هي الجهة الفنية التي تبتّ في مسؤولية الطبيب.
وأشار نقيب الأطباء إلى أن القانون "أكد انتفاء المسؤولية الطبية عن الطبيب في حالات المضاعفات الطبية المتعارف عليها، وجرى التمييز بين الأخطاء الطبية، والخطأ الطبي الجسيم، بعد إضافة تعريف للخطأ الجسيم".
وقال نقيب الأطباء إن "عقوبة الأخطاء الطبية تقتصر على العقوبات المالية فقط وإلغاء الحبس، بينما يترتب على الخطأ الجسيم عقوبات جنائية تشمل الحبس أو الغرامة أو كليهما، إضافةً إلى تعويض المريض المتضرر".
وتابع: "لقد تمسكنا خلال المناقشات بضرورة إلغاء الغرامة في حالات الأخطاء الطبية المعتادة، والتي كانت تصل في مشروع القانون إلى مليون جنيه، إلا أن الحكومة أوضحت أن القانون المصري لا يسمح بإلغاء الغرامة، نظراً لأنها تعد إثباتاً لوقوع الخطأ، مما يُمكّن المريض من المطالبة بالتعويض. وبعد المناقشات، جرى خفض قيمة الغرامة لتتراوح بين 10 آلاف إلى 100 ألف جنيه حداً أقصى. كما نص القانون على إنشاء صندوق حكومي للتأمين ضد أخطاء المهنة، وخلال المناقشات حذفت كلمة (للمساهمة) للتأكيد على مبدأ ضرورة تغطية التعويض كاملاً، حرصاً على مصلحة المريض في الحصول على التعويض المناسب".
ورحبت النقابة باستحداث مادة تعاقب على الشكاوى الكيدية ضد مقدمي الخدمة الطبية، بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد عن ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أبلغ أو قدم كذباً، مع سوء القصد، بلاغاً ضد مقدم الخدمة أو المنشأة، ولو لم يترتب على ذلك إقامة الدعوى الجنائية بشأن الفعل محل البلاغ أو الشكوى.
وجددت نقابة الأطباء التزامها بدعم حقوق الأطباء والمهنة من أجل تقديم أفضل رعاية صحية للمرضى.