- التأثيرات السياسية والقضائية: الأوضاع السياسية في ليبيا، بما في ذلك الثورة الليبية عام 2011، أثرت على مسار القضية. المحكمة العليا نقضت حكم إسقاط التهم في 2021 وأعادت القضية إلى محكمة الاستئناف، التي حولتها إلى القضاء العسكري في 2022.
- مطالبات أهالي الضحايا: رابطة ضحايا مجزرة أبو سليم تطالب بتطهير المنظومة القضائية وتسريع حسم القضية. يؤكد سالم الحوتي على ضرورة حسم القضية لعلاقتها بالمصالحة الوطنية، مشيراً إلى المماطلة المستمرة.
لا تزال قضية مجزرة سجن أبو سليم التي وقعت في 30 يونيو/ حزيران 1996، وراح ضحيتها أكثر من 1200 سجين ليبي، قيد التداول في أروقة القضاء من دون حسم رغم مرور قرابة 13 عاماً على بدء النظر بتفاصيلها.
في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، قرّرت محكمة جنايات طرابلس تأجيل النظر في القضية إلى الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد أن عقدت جلسة مثل خلالها متهمون جدد في القضية، من بينهم منصور ضو، وهو آخر رئيس لجهاز الأمن الداخلي في عهد نظام معمر القذافي. وقرّرت المحكمة خلال الجلسة الأخيرة استمرار حبس عدد من المتهمين في القضية، إضافة إلى أمرها بإحضار المتهمين الذين لم يتم إحضارهم للتحقيق، والبالغ عددهم 83 متهماً.
وتعرف مجزرة سجن أبو سليم بأنّها إحدى أكبر جرائم نظام القذافي خلال سنوات حكمه الأربعين، إذ داهمت قوات الأمن السجن الأكثر تحصيناً في البلاد، والواقع في وسط العاصمة طرابلس، وفتحت النار مباشرة على النزلاء بزعم تمردهم، ما أوقع 1269 قتيلاً، قبل أن تخفي جثثهم بمقبرة جماعية في باحة السجن.
وتقاذفت الدوائر القضائية تلك القضية طيلة السنوات الماضية، فبعد مداولات استمرت قرابة سبع سنوات، أعلنت محكمة طرابلس في عام 2019، إسقاط التهم عن جميع المتهمين، لكن المحكمة العليا نقضت الحكم في عام 2021، وأعادت القضية إلى محكمة الاستئناف، لكن الأخيرة أعلنت في يونيو 2022 عدم اختصاصها بالنظر في القضية، وتحويلها إلى القضاء العسكري، قبل أن تُصدر الدائرة الجنائية بالمحكمة العليا، في مارس/ آذار الماضي، حكماً بإلغاء قرار محكمة استئناف طرابلس، وإعادة النظر عبر هيئة قضائية جديدة لدى محكمة الاستئناف.
يشير المحامي والباحث في الشأن القانوني الليبي، حاتم الخرم، إلى تأثير الأوضاع السياسية على قضية مجزرة أبو سليم، وعلى قدرة القضاء على حسمها، موضحاً أن بقاءها طي الكتمان من قبل النظام السابق سنوات طويلة كان السبب الأول في تصنيفها ضمن ما يعرف بمبدأ التقادم في نصوص القانون.
يضيف الخرم لـ"العربي الجديد": "ارتبطت القضية بالثورة وإسقاط النظام، فقد كانت احتجاجات أهالي الضحايا في بنغازي عام 2011، أولى شرارات الثورة، وبسبب ما صاحب مسار الثورة من اختلافات وصراعات، ارتبطت القضية في الأذهان بالإخفاقات التي تلت الثورة، ومع عودة حضور أنصار النظام السابق، صار للمتهمين أنصار يؤثرون في الرأي العام، بل ولدى بعضهم مشاركة في الأحداث السياسية والعسكرية إلى جانب أطراف الصراع".
ويؤكد المحامي الليبي أن "قانون العقوبات واضح في نصوصه، لكن الأمر مرتبط بتكييف الواقعة وتوصيفها، فقرار المحكمة في عام 2019 بإسقاط التهم عن جميع المتهمين استند إلى مبدأ التقادم، لكن طبيعة الجريمة تجعلها مصنفة ضمن الجرائم الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم. هناك جانب آخر، وهو اختصاص الجهة القضائية بالنظر فيها، فالمتورطون فيها عددهم كبير، بين أمني وعسكري ومدني، ولهذا السبب يتباين اختصاص النظر فيها بين المحاكم المدنية والعسكرية".
ويوضح: "جميع الإشكاليات السابقة لا تزال تصاحب القضية، لكن ما لا شك فيه أنها أصبحت قضية رأي عام، ويجب الفصل فيها، وإنصاف الضحايا وذويهم. هناك رابطة تجمع أهالي ضحايا المجزرة، وهم السبب في بقاء القضية منظورة أمام القضاء عبر الضغوط التي تشارك فيها الجهات الحقوقية، وعبر تجديد رفع القضايا للطعن والاستئناف على أحكام القضاء في كل مرة".
وطالبت رابطة ضحايا مجزرة أبو سليم، في عدد من بياناتها، السلطات بضرورة "تطهير المنظومة القضائية"، واتهمت المحاكم بالمماطلة في حسم القضية.
ويؤكد سالم الحوتي، وهو أحد أقارب ضحايا المجزرة، أن "المماطلة لا تزال مستمرة من جانب السلطات القضائية، فإرجاع القضية إلى محكمة الاستئناف حلقة جديدة من حلقات تقاذف القضية، وليس غريباً أن تقضي المحكمة بعدم الاختصاص مجدداً بعد أن طلبت إحضار متهمين جدد قد يكون من بينهم عسكريون وأمنيون، ما يعني إرجاع الاختصاص إلى المحاكم العسكرية".
ويشدد الحوتي لـ "العربي الجديد" على ضرورة حسم القضاء في القضية لعلاقتها الوثيقة بملفات وطنية أخرى، مثل ملف المصالحة الوطنية، متسائلاً: "كيف يمكن أن يتصالح مجتمع فيه أكثر من 1200 أسرة لديها ضحايا لم يُنصفوا؟ هناك محاولات لتبرئة المتورطين في هذه الجريمة التي لم تعرف البلاد مثلها".