محاولات قتل تلاحق أساتذة الجامعات السورية من حلب إلى دمشق

14 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 17:42 (توقيت القدس)
مطالب بحماية الأكاديميين، كلية الآداب، جامعة دمشق، 14 أكتوبر 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نظم أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق وقفة احتجاجية تنديداً بمحاولة اغتيال عميد كلية الآداب، مطالبين بتشديد الإجراءات الأمنية لحماية الكوادر الأكاديمية.
- أكدت وزارة الداخلية السورية القبض على المتورطين في الهجوم، مع تشديد رئيس الجامعة ووزير التعليم العالي على ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المعتدين.
- تعرض الدكتور مسلم اليوسف في جامعة "حلب الحرة" لمحاولة اغتيال، مما يثير قلقاً حول تصاعد العنف ضد الأكاديميين ويهدد مكانة الجامعات السورية.

لليوم الثاني على التوالي، نظّم أعضاء الهيئة التدريسية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، صباح اليوم، وقفة احتجاجية في حرم الجامعة، تنديداً بمحاولة اغتيال طاولت عميد الكلية، الدكتور علي اللحام، يوم الأحد، داخل مكتبه، بعد أن اقتحم مسلحون الحرم الجامعي وألقوا قنبلة يدوية لم تنفجر، ولاذوا بعدها بالفرار. فيما تعرّض أستاذ جامعي في حلب لمحاولة قتل بقنابل يدوية.

 وشهدت وقفة جامعة دمشق حضور عدد من الأساتذة ورؤساء الأقسام، الذين رفعوا شعارات ترفض العنف داخل المؤسسات التعليمية، وتطالب بحماية الكوادر الأكاديمية، والحفاظ على حرمة الجامعة مكاناً للعلم والحوار، وليس ساحة لتصفية الخلافات أو الضغط الشخصي.

وبحسب مصادر مطلعة تحدّثت إلى "العربي الجديد"، فإن ثلاثة مسلحين اقتحموا حرم كلية الآداب ظهر الأحد، وهم يحملون أسلحة رشاشة وقنابل يدوية، وتوجهوا مباشرة إلى مكتب عميد الكلية. وألقى أحدهم قنبلة يدوية داخل المكتب، لكنها لم تنفجر، ما حال دون وقوع إصابات. وقال الدكتور مهند اليوسف، أحد أعضاء الهيئة التدريسية المشاركين في الوقفة، لـ"العربي الجديد": "ما حصل صادم. لم نكن نتوقع أن يصل العنف إلى هذا الحد داخل الحرم الجامعي. نطالب بتشديد الإجراءات الأمنية بشكل دائم، وبألا تكون ردّة فعل فقط على ما حصل". كما طالب المشاركون في الوقفة الجهات الأمنية والإدارية بوضع خطة حماية متكاملة لضمان سلامة العاملين والطلاب، والحفاظ على البيئة الأكاديمية من كل مظاهر التهديد أو العنف.

وأكدت وزارة الداخلية السورية، في بيان لها، أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على جميع المتورطين في الهجوم، وذلك بالتعاون مع أمن جامعة دمشق، دون أن تُعلن عن تفاصيل إضافية حول هوية المهاجمين أو دوافعهم. وقال رئيس جامعة دمشق، الدكتور مصطفى صائم الدهر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن ما حدث "انتهاك خطير لحرمة الجامعة ولمكانة الكادر الأكاديمي"، مشدداً على أن الجامعة "لن تتهاون في اتخاذ أقصى الإجراءات القانونية بحق كل من يثبت تورطه في هذا الاعتداء"، وأضاف: "أي مساس بأعضاء الهيئة التدريسية يُعتبر انتهاكاً مباشراً لقدسية المسيرة التعليمية، ومؤسسات التعليم العالي لن تكون ساحة للعنف أو تسوية الحسابات الشخصية".
بدوره، وصف وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور مروان الحلبي، الهجوم بأنه "تصرف لا يمتّ بصلة إلى القيم الأكاديمية والإنسانية"، مؤكداً في تصريح نقلته قناة الوزارة على "تليغرام"، أنه يتابع شخصياً مجريات التحقيق، وأنه "لن يُسمح بأي شكل من الأشكال بالمساس بحرمة الجامعات أو أمن كوادرها".

محاولة اغتيال مدرس في جامعة "حلب الحرة"

وفي جامعة "حلب الحرة"، نجا الدكتور مسلم اليوسف، المدرّس في الجامعة، فجر اليوم الثلاثاء من انفجار قنابل يدوية أُلقيت على مكان إقامته في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، شمال غرب سورية. ونجا الرجل بأعجوبة بعدما كان قد غادر الموقع قبل دقائق فقط من الاستهداف، لكن الحادثة لم تمرّ مرور الكرام في أوساط المجتمع الأكاديمي، الذي يعيش منذ أشهر على وقع تصاعد حوادث العنف ضد كوادره.

وكتب اليوسف في منشور على صفحته في "فيسبوك" أنه يرجّح أن يكون الاستهداف على خلفية دعوى قضائية كان قد رفعها ضد أشخاص استولوا على أرض زراعية يملكها. لم يكن السبب أكاديمياً بالضرورة، لكن المكان والزمان والصفة التي يحملها جعلت الاعتداء رسالة مقلقة لزملائه الأكاديميين: لا أحد في مأمن، حتى داخل أو قرب الجامعات. 
بدوره، قال الدكتور سامي عرنوس، أحد زملاء اليوسف في جامعة "حلب الحرة"، لـ"العربي الجديد": "ما جرى مع الدكتور مسلم ليس حادثاً عابراً، بل مؤشر خطير على أن العنف بدأ يطاول الكادر التعليمي بشكل مباشر. نحن نعمل في بيئة مضطربة أساساً، ومع غياب إجراءات الحماية يصبح أي أستاذ عرضة للتهديد أو التصفية على خلفيات شخصية أو حتى أكاديمية. الخوف اليوم يخيّم على الجامعة". ويضيف "لا توجد حتى الآن منظومة حقيقية لحماية الكوادر الأكاديمية، لا من الناحية الأمنية ولا القانونية. وعندما يُستهدف أستاذ في بيته أو مكان إقامته، فهذا يعني أن الحرم الجامعي لم يعد خط الدفاع الأول، وأن الخطر تجاوز الأسوار".

وتأتي محاولتا اغتيال اللحام واليوسف، بعد سلسلة حوادث مشابهة طاولت أكاديميين في جامعات سورية مختلفة خلال الأشهر الماضية. ففي الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي، قُتل الدكتور باسل زينو، الأستاذ بكلية الطب في جامعة حلب، أمام عيادته وسط المدينة، في حادثة أثارت ضجة كبيرة. كما اغتيل الدكتور سهيل جنزير، عميد كلية الهندسة المدنية في الجامعة ذاتها، بإطلاق نار مباشر مطلع يونيو/حزيران.

وقال الدكتور جمال بركات، أستاذ التاريخ في جامعة حلب: "السلاح المنتشر خارج أسوار الجامعة بات يتسلل إلى داخلها، وهذا أخطر ما في الأمر. من الصعب أن تشعر بالأمان وأنت تعطي محاضرتك، بينما تعرف أن خلافاً بسيطاً قد يعرّضك للتهديد". ولفت إلى أن تصاعد الاعتداءات على الأكاديميين في سورية لا يمكن فصله عن حالة الانفلات الأمني التي تراكمت خلال سنوات الحرب، والتي سمحت بانتشار السلاح وظهور مراكز نفوذ محلية تتجاوز في كثير من الأحيان سلطة الدولة. وتُظهر هذه الحوادث هشاشة البيئة التعليمية في البلاد، وتحولها تدريجياً من فضاء للعلم والنقاش إلى ساحة يمكن أن تتقاطع فيها الصراعات الشخصية والاجتماعية وحتى السياسية.

في المقابل، يحذّر أكاديميون من أن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي إلى نتائج خطيرة على المدى الطويل، أبرزها تآكل مكانة الجامعات السورية، وتراجع الثقة بها محلياً ودولياً، ما يفتح الباب أمام موجة هجرة جديدة للكفاءات العلمية. ويقول الدكتور مهند: "الجامعة هي آخر ما تبقّى من مساحات نقاش مدني وعلمي في البلد، وإذا فقدت أمنها، فإننا لا نخسر فقط مؤسسة تعليمية، بل نخسر ركيزة من ركائز أي مستقبل ممكن".

ويُعدّ حرم جامعة دمشق، الذي تأسس عام 1923، من أبرز رموز التعليم العالي في سورية والمنطقة، ولم يشهد حادثة مشابهة منذ عقود، ما يضاعف من حساسية الحدث ويدفع نحو دعوات جدية لحماية "حرمة الجامعة"، كما وصفها المحتجون اليوم.

المساهمون